النواب يعقب على ملاحظات نقابة الصحفيين بشأن قانون الإجراءات الجنائية    «الآن عبر الرابط» الاستعلام عن مسابقة التربية والتعليم عبر بوابة الوظائف الحكومية    التحالف الوطنى يوقع بروتوكول تعاون مشترك بين 3 وزارات    خلال فعاليات أكبر بعثة مصرية لطرق الأبواب لبريطانيا.. وزير الاستثمار: نستهدف تنفيذ سياسات متكاملة لتشجيع تدفقات رؤوس الأموال وتيسير عمل الشركات الدولية    وزير الخارجية والهجرة يستهل زيارته لواشنطن بلقاءات مكثفة مع أعضاء الكونجرس    فيضانات أوروبا: ارتفاع حصيلة الضحايا إلى 23 شخصًا    "لا يمكننا الانتظار إلى الأبد".. وكيل ميكالي يعلن فشل مفاوضاته مع اتحاد الكرة    حالة الطقس غداً الجمعة 20 سبتمبر 2024 ودرجات الحرارة المتوقعة.. «موجة حارة تضرب البلاد»    صحة أسوان تكشف حقيقة تلوث مياه الشرب    "حبيبتي" و"يرقة" و"مادونا".. أفلام تتنافس بمهرجان طرابلس للأفلام في لبنان    مرصد الأزهر يحذر من ظاهرة «التغني بالقرآن» (تفاصيل)    أمين الفتوى: المرأة الناحجة توازن بين عملها والتزامات بيتها.. فيديو    مجدى بدارن يقدم نصائح للأمهات من أجل تغذية سليمة للأطفال فترة الدراسة -(فيديو)    تزايد الضغط للدعوة إلى انتخابات مبكرة في أيرلندا عقب ارتفاع شعبية رئيس الوزراء    أول رد فعل من ناصر عبدالرحمن بشأن صورته المتداولة مع صلاح التيجاني    956 شهادة تراخيص لاستغلال المخلفات    استشهاد وإصابة 7 فلسطينيين جراء اقتحام قوات الاحتلال لجنين بالضفة    الدكتورة رشا شرف أمينًا عامًا لصندوق تطوير التعليم بجامعة حلوان    "مجلس حقوق الإنسان": المجتمع الدولى لا يبذل جهودا لوقف إطلاق النار فى غزة    جيش الاحتلال: مقتل ضابط وجندى فى استهداف بصاروخ مضاد للدروع على الحدود مع لبنان    مستشفى "حروق أهل مصر" يعزز وعي العاملين بالقطاع الصحي ضمن احتفالية اليوم العالمي لسلامة المرضى    محافظ كفرالشيخ يوجه بالتيسير على المواطنين في إجراءات التصالح على مخلفات البناء    القوات البحرية تنجح في إنقاذ مركب هجرة غير شرعية على متنها 45 فردا    الأزهر للفتوى الإلكترونية يعلن الإدعاء بمعرفة الغيب يؤدى إلى الإلحاد    مهرجان أيام القاهرة الدولي للمونودراما يُكرم «هاني رمزي» في دورته السابعة    مركز الأزهر للفتوى: نحذر من نشر الشذوذ الجنسى بالمحتويات الترفيهية للأطفال    رسميا.. موعد صرف معاشات أكتوبر 2024 وطريقة الاستعلام    ميدو عادل وإيهاب فهمي يدعمان أحمد عزمي: صاحب موهبة حقيقية    محافظ بني سويف: إزالة 272 حالة بحملات المرحلة الثالثة من الموجة ال23    بينها التمريض.. الحد الأدنى للقبول بالكليات والمعاهد لشهادة معاهد 2024    فيلم عاشق على قمة شباك تذاكر السينما في مصر.. تعرف على إيراداته    محاكمة القرن.. مانشستر سيتي مهدد بالطرد من جميع مسابقات كرة القدم    توقعات برج الحمل غدًا الجمعة 20 سبتمبر 2024.. نصيحة لتجنب المشكلات العاطفية    "الموت قريب ومش عايزين نوصله لرفعت".. حسين الشحات يعلق على أزمتي فتوح والشيبي    بنك إنجلترا يبقى على الفائدة عند 5 %    برلماني عن ارتفاع أسعار البوتاجاز: الناس هترجع للحطب والنشارة    من هن مرضعات النبي صلى الله عليه وسلم وإِخوته في الرَّضاع وحواضنه؟ الأزهر للفتوى يجيب    تعاون مصري إماراتي جديد.. الحكومة توافق على اتفاقية نقل المحكوم عليهم بعقوبات سالبة للحرية    أخبار الأهلي: بعد تعاقده مع الأهلي.. شوبير يعلن موعد بداية برنامجه    عاجل| حزب الله يعلن ارتفاع عدد قتلى عناصره من تفجير أجهزة الاتصالات اللاسلكية ل 25    "بداية جديدة".. تعاون بين 3 وزارات لتوفير حضانات بقرى «حياة كريمة»    "ناجحة على النت وراسبة في ملفات المدرسة".. مأساة "سندس" مع نتيجة الثانوية العامة بسوهاج- فيديو وصور    مركز الأزهر: اجتزاء الكلمات من سياقها لتحويل معناها افتراء وتدليس    أبرز تصريحات الشاب خالد ف«بيت السعد»    "بيوصل خمور لأمها وعاشرها مرة برضاها".. مفاجأة في اعترافات مغتصب سودانية بالجيزة    انتشار متحور كورونا الجديد "إكس إي سي" يثير قلقًا عالميًا    جامعة الأزهر تشارك في المبادرة الرئاسية «بداية جديدة لبناء الإنسان»    محافظ المنوفية يضع حجر أساس لمدرستين للتعليم الأساسي والتجريبية للغات بالبتانون    حزب الله يهاجم تمركزا لمدفعية إسرائيلية في بيت هيلل ويحقق إصابات مباشرة    إخماد حريق نتيجة انفجار أسطوانة غاز داخل مصنع فى العياط    محافظ الإسكندرية يتابع المخطط الاستراتيجي لشبكة الطرق    دوري أبطال أوروبا.. برشلونة ضيفا على موناكو وآرسنال يواجه أتالانتا    «الرقابة الصحية»: نجاح 11 منشأة طبية جديدة في الحصول على اعتماد «GAHAR»    ضبط عنصر إجرامى بحوزته أسلحة نارية فى البحيرة    «الأمر صعب ومحتاج شغل كتير».. تعليق مثير من شوبير على تأجيل الأهلي صفقة الأجنبي الخامس    مأساة عروس بحر البقر.. "نورهان" "لبست الكفن ليلة الحنة"    لو عاوز تمشيني أنا موافق.. جلسة حاسمة بين جوميز وصفقة الزمالك الجديدة    دورتموند يكتسح كلوب بروج بثلاثية في دوري الأبطال    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



سليم نصار يكتب : لبنان يحيي أجواء 1975
نشر في الوفد يوم 24 - 09 - 2016

على رغم رفض العماد ميشال عون، وحضه النواب على مقاطعة مؤتمر الطائف، فقد شارك 63 نائباً في الاجتماعات التي بدأت يوم 30 أيلول (سبتمبر) 1989. وبعد مناقشات ماراثونية استمرت بضعة أيام، خرج المجتمعون بحل يقضي بتقليص صلاحيات رئيس الجمهورية الماروني، إضافة الى إناطة سلطاته الإجرائية بمجلس الوزراء مجتمعاً، وإنما برئاسة سياسي سُنّي.
ومعنى هذا أن عملية المقايضة في سبيل إرضاء الشارع الإسلامي الذي قاتل 15 سنة، تمت على حساب الرئيس الماروني الذي حُدِّدَ دوره بعبارات إنشائية فارغة أهمها: «رئيس الجمهورية هو رئيس الدولة ورمز وحدة الوطن. يسهر على احترام الدستور والمحافظة على استقلال لبنان ووحدته وسلامة أراضيه». أما العبارة المُضافة بلا معنى أيضاً، فهي الآتية: «هو القائد الأعلى للقوات المسلحة التي تخضع لسلطة مجلس الوزراء».
لذلك، علق الرئيس الراحل سليمان فرنجية حينذاك على موضوع توزيع الصلاحيات بالقول: «يجب على الموارنة المطالبة برئاسة الحكومة، والتخلي عن رئاسة جمهورية دستور 1943 بعدما نزع اتفاق الطائف كل صلاحياته العملية تقريباً». ومثل هذا التعليق يذكّر بأن رئيس جمهورية لبنان الماروني كان يتمتع بصلاحيات دستورية حقيقية ظلت مطبقة منذ إعلان الدستور الأول (1926). لكن، بعدما صوّت مجلس النواب اللبناني على دستور «الجمهورية الثانية» - كما وصفها الرئيس الياس الهراوي - طلب مجلس الوزراء من العماد ميشال عون إنهاء تمرده على الشرعية والالتزام باتفاق الطائف. ولما رفض التقيّد بهذا الشرط، حصل ما حصل. وبقية القصة معروفة.
في أيار (مايو) قبل أكثر من سنتين، انتهت ولاية الرئيس ميشال سليمان. وكجندي منضبط، جمع أوراقه وذهب إلى بيته في عمشيت على أمل إنشاء حزب سياسي يسد الفراغ القائم. ومنذ ذلك الحين حاول 128 عضواً في البرلمان 44 مرة انتخاب رئيس جديد، فلم يفلحوا. والسبب المباشر أن المرشحَيْن ميشال عون وسليمان فرنجية لم ينجح أي منهما في جمع الغالبية اللازمة وفق القانون. أما السبب غير المباشر فيكمن عند «حزب الله» الذي يمانع في انتخاب رئيس للبنان قبل جلاء الصورة الأخيرة لبشّار الأسد. أو قبل أن تظهر الخريطة الفسيفسائية التي باشرت تركيا في رسمها كمنطقة عازلة وآمنة في شمال سورية. وهي منطقة واسعة تمتد فوق مساحة لا تقل عن خمسة آلاف كلم مربع من خلال عملية «درع الفرات».
وكان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان صرّح، قبل توجهه إلى نيويورك للمشاركة في أعمال الدورة ال71 للجمعية العامة للأمم المتحدة، بأن النية متجهة إلى إقامة منطقة آمنة.
في ضوء هذا التغيير المحتمل، خصوصاً إثر العلاقة الوثيقة التي نسجها أردوغان مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، يبدو أن إيران غير قادرة على منع تفكك سورية... وغير مطمئنة إلى بقاء الأسد في الحكم.
أمام هذه الاحتمالات، يتوقع المراقبون أن تزداد الفوضى أكثر فأكثر، الأمر الذي يجعل من تنفيذ وقف إطلاق النار قراراً صعباً. وما يزيد في صعوبة تنفيذه نشاط سبعين منظمة مسلحة تشكل في غالبية أعضائها قطاعاً كبيراً من سُنّة سورية. لهذا، ترى هذه المنظمات أن اتفاق وقف إطلاق النار يعكس بالأساس محاولة خارجية (روسية - أميركية) ليس للمتخاصمين مصلحة في تطبيقها.
إضافة إلى هذا، فإن تصور روسيا والولايات المتحدة بأن الهدنة الطويلة تحافظ على وحدة سورية هو تصور خطأ وغير عملي. ذلك أن سورية باتت منقسمة إلى «كانتونات» على أساس ديموغرافي... وأن بشار الأسد يعرف جيداً أنه لولا المظلة الإيرانية والروسية المدعومة من مقاتلي «حزب الله»، لكان بقاؤه في دمشق خطراً. لهذا السبب، ترى موسكو أهمية خاصة في استمرار وجود النظام العلوي - مع الأسد ومن دونه - خوفاً من التفكك والتشرذم، خصوصاً أن أنقرة تسعى بكل الوسائل المتاحة إلى تثبيت نظام سُنّي في سورية يحمي خاصرتها. وهذا ما دفعها قبل فترة إلى احتضان نظام «داعش»، وتأمين وصول الأسلحة إلى محاربيه عبر أراضيها المفتوحة!
إذاً، ماذا ستفعل إيران في حال فقدت نفوذها على الأرض السورية بسبب تشظي المحافظات وخضوع سكانها إلى سلطة أمراء الميليشيات السنيّة؟ الجواب لدى العناصر المتحالفة مع «حزب الله» في لبنان، بسبب رهانها الأول والأخير على استمرار بشار الأسد في حكم سورية «المفيدة» وغير المفيدة. وقد وجدت هذه العناصر الفرصة متاحة لطرح فكرة تغيير صيغة النظام الذي وزع مسؤولياته بين السنّة والمسيحيين مناصفة. وهذا ما دفع وزير الخارجية جبران باسيل إلى تفجير قنبلة «الميثاقية» في جلسة هيئة الحوار الوطني، والجلسة الأخيرة للحكومة. وبرر موقفه بتعليق المشاركة على تجاهل أكبر كتلة نيابية ممثلة ب «التيار الوطني الحر». وقال باسيل في هذا السياق: «هناك استخفاف بالميثاقية وبحقوق المسيحيين التي تتآكل يوماً بعد يوم. فإما أن نأخذ حقوقنا ويتم الالتزام بالميثاقية، وإلا فالميثاقية كذب، تتحدثون عنها ولا تطبقونها. نحن نشعر بالغبن والتهميش وما نواجه نتيجة إهمال حقوقنا في الشراكة، يجعل قضيتنا قضية وجودية. وإذا استمرت الأمور على هذا النحو، لا لزوم لأن نستمر معاً. نحن نمثل أكبر كتلة نيابية مسيحية، ولدينا الحضور الأكبر في الشارع. وتغييبنا لم يعد مقبولاً».
وردّ سليمان فرنجية على اعتراض باسيل بالقول: «في كل مرة تأخذوننا إلى مكان، وعندما لا نقف إلى جانبكم نفاجأ بكم تتحدثون عن الميثاقية. أنتم تريدون فرض رأيكم على الآخرين، ويُمنَع علينا الاعتراض. لذلك، عليكم الكفّ عن سياسة الاستئثار والاحتكار. كنا وقفنا إلى جانب ترشح العماد عون لرئاسة الجمهورية، وأكدنا دعمنا له بلا شروط. ولما قوبل ترشيحه بالمعارضة، أعلنت ترشيحي للرئاسة. فهل من خطأ ارتكبته؟».
وانسجاماً مع حملة الاعتراض والرفض، رفع النائب طلال أرسلان، صديق بشّار الأسد، حدّة التحدي عندما أعلن وفاة النظام السياسي في لبنان، وطالب بإحيائه من طريق إقامة مؤتمر تأسيسي يشارك فيه كل الأحزاب والطوائف.
وتذكر اللبنانيون أن الأمين العام ل «حزب الله» السيد حسن نصرالله كان دعا، في إحدى خطبه عام 2012، إلى أهمية عقد مؤتمر تأسيسي بهدف بناء دولة حقيقية. ورأت جماعة 14 آذار في تلك الدعوة محاولة جدية لإلغاء اتفاق الطائف، واستبداله بفرض مثالثة شيعية - سنيّة - مسيحية. واعتبرت أن مطالبة الشيعة محقة، خصوصاً أنهم يمثلون ما نسبته 40 في المئة من الشعب اللبناني، لكن هذا لا يحجب الأسئلة عن الانتماءات في ظل مشاركة الممثل السياسي الأكبر للطائفة في سورية دفاعاً عن نظام لم تتبنَّ حربه الدولة اللبنانية.
ومعنى هذا أن المؤتمر التأسيسي سيُعقد بين فريقين لا يملك أحدهما فرص التكافؤ. أي بين فريق يملك خمسين ألف صاروخ وفريق آخر لا يملك سوى قوة المنطق. لكن إيران التي تتحكم بقرارات «حزب الله» تتبنى موقفاً آخر في لبنان يصب في مصلحتها، ويعزز دورها الآفل في سورية. وبما أنها مهتمة بتثبيت وجودها السياسي والعسكري على شاطئ المتوسط، فإنها مشغولة حالياً بتحقيق أمرين مهمَيْن، أولهما إدخال المثالثة في صلب النظام اللبناني بحيث ينال الشيعة حصتهم، بعد تعديل اتفاق الطائف. والثاني إرجاء انتخاب رئيس الجمهورية إلى حين تبلور صورة النظام السياسي الجديد في سورية، على اعتبار أن الرئيس المقبل سيكون حارساً ومؤتمناً على نفوذ إيران الواسع في لبنان.
بقي أن نعرف ما إذا كان هذا التغيير العميق الذي يؤسس للجمهورية الثالثة في لبنان، سيمر بلا عوائق... أم أنه سيعرّض لبنان لحرب أهلية على غرار حرب 1975 - 1990؟ جماعة 8 آذار تتهم الجيش اللبناني بأنه دعم تيار «حماة الديار» باعتباره الفريق المناوئ ل «سرايا المقاومة» التي أسسها «حزب الله». والذين عاشوا تجربة الحرب الأهلية اللبنانية الأخيرة، يتذكرون جيداً كيف نشأت الميليشيات المقاتلة، ومن أين تدفق السلاح على عناصرها. وهم يتطلعون إلى ظاهرتي «سرايا المقاومة» و «حماة الديار» كرافعتَيْن شعبيتين سيكون لهما الدور البارز في معركة التغيير.
يقول المؤرخون أن مصطلح «فخ ثيوكيديدس» استخدمه الرئيس الصيني تشي جينبينغ، لتطمين أوروبا بعدما ازدادت المخاوف من طغيانها الصناعي - التجاري. وهذا المصطلح يشير إلى الإحساس بالخوف من تنامي قوة جديدة جاهزة للقضاء على القوة القديمة الحاكمة. تماماً مثلما كانت أثينا الحاكمة تخاف من صعود أسبرطة الطامحة. أو مثلما تخاف جماعة 14 آذار من جماعة 8 آذار التي أعلنت الحرب بواسطة أنصارها من أجل تهديم الهيكل القديم الذي رُسِمَت معالمه في الطائف، وإرساء دعائم هيكل جديد يجرى إعداد مفاصله ومؤسساته في إيران!
نقلا عن صحيفة الحياة


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.