رغم كثرة ما حملته نتائج المرحلة الأولى للإنتخابات البرلمانية من مفاجآت، إلا إنه لم يعد هناك حديث عن أيا منها، بل إقتصرت غالبية الأحاديث والتعليقات والمشاركات فى الشارع المصرى ومختلف وسائل الإعلام على هذا الصعود المتنامى للحركة السلفية ممثلة فى (حزب النور)، الذى خاض الإنتخابات البرلمانية للمرة الأولى ضمن تحالف الكتلة الإسلامية، وهو التحالف الذى أنشئ فى 23 أكتوبر 2011، ويضم إلى جانب النور حزبى الأصالة والبناء والتنمية التابع للجماعة الإسلامية. وقد بات حصول النور على المركز الثانى فيما بعد حزب الحرية والعدالة، واحد من أكثر الموضوعات المثيرة للتعجب من جانب البعض والتساؤل من جانب الأخر، حيث كيف صعدت الحركة السلفية التي كنا بالكاد نسمع عنها قبل الثورة بهذه السرعة إلى القمة فى أولى ممارستها السياسية، متفوقة على أحزاب الكتلة المصرية، التى تضم فيما بينها حزب التجمع، أيضا التفوق على أحزاب مثل الوفد والناصرى، تلك جميعها التى تتمتع بتاريخ سياسى فى المجتمع؟!، إلا أن السؤال الأبرز اليوم أصبح هو: هل تمثل الحركة السلفية تيار سياسى جديد.. إم إنها مجرد فزاعة بديلة للإخوان المسلمين؟!. ورغم ما يبدو حتى اليوم من صعوبة الإجابة على هذا التساؤل، حيث لا تدعو مؤشرات الممارسة الأولى إلى الطمأنينة، كذلك فإنها لا تدعو إلى هذا الكم من القلق، وهنا يطرح سؤال أكثر أهمية منه لماذا عاد التيار السلفى للظهور اليوم، بل والإقدام على الدخول إلى المعترك السياسى، ذلك رغم إعلانها مرارا رفضها المشاركة فى الحياة السياسية كونها جمعية دعوية؟!. وكانت "الدعوة السلفية" قد أعلنت فى (13مارس2011 ) وقبل أيام من الاستفتاء على التعديلات الدستورية "إعادة تشكيل مجلس إداراتها"حرصا على تحقيق أهدافها المعلنة، والتى جاء على رأسها:"نشر هذا الدين العظيم بمفهوم سلفنا الصالح"، كذلك فإنه وعقب إعلان جماعة الإخوان عن تأسيس حزب الحرية والعدالة فى 6 يونيو 2011.. أعلنت الدعوة السلفية عن خروج حزبها (النور) إلى الضوء يوم 12من ذات الشهر، الذى ورغم إنضمامه بداية إلى التحالف الديمقراطى تحت قيادة الحرية والعدالة، إلا إنه سرعان ما خرج من تحت عباءته معلنا عودته إلى أحضان الجماعة الإسلامية ممثلة فى حزب البناء والتنمية، من ثم تشكيلهما تحالفا خاصا بهما أنضم لهما فيه حزب الأصالة، الذى يعد الشيخ محمد حسان من أبرز الداعمين له، وهو ربما ما أعطى الكتلة الإسلامية ثقلا أكبر فى الشارع، نظرا لما يتمتع به الشيخ حسان من شهرة وسمعة لدى قطاع عريض من المواطنين، خاصة فيما بعد ثورة 25يناير. وإستمرارا للغز العلاقة الغير واضحة حتى الأن بين السلفيين والإخوان، والتى قد يصفها البعض تارة بالحسنة وتارة أخرى بالخشنة، إلا أن متغير حدث ثورة 25يناير وعلى ما يبدو إنه قد فتح بابا جديدا للصراع بينهما، ذلك على أيهما يمثل الإسلام ودعوته على السطح، من ثم فقد أعلنت الدعوة السلفية بالإسكندرية للمرة الأولى فى بيان رسمى لها الثلاثاء 22 مارس 2011 عن قرارها ب"المشاركة الإيجابية في العملية السياسية"، وإنها "بصدد تحديد الخيار المناسب لصورة هذه المشاركة"، وهو القرار الذى مثل حدثا غير مسبوق في تاريخ الجماعة السلفية، ذلك بالطبع في ضوء "المتغيرات الجديدة" التي أوجدتها ثورة ال 25 من يناير، كونها كانت ترفض رفضا قاطعا الإنخراط فى العملية بسبب موقف النظام السابق منها، الأمر الذى وصل إلى حد حلها من جهاز أمن الدولة عام 1994، رغم إنها لم تكن وقتها سوى لجنة إغاثة كبيرة كانت تمارس عملها في العديد من المحافظات، حيث كان عملهم منصبا بالأساس في الجوانب الدعوية والفكرية والخيرية من منطلقات سلمية، إذ لم ينسب لهم أي من أعمال العنف التي شهدتها مصر في حقب مختلفة، بل كان لهم موقف صريح من رفض العنف وإدانة مرتكبيه في الداخل والخارج. وحول هذا الإنشقاق علق البعض بإنه ربما يكون منبعه تكتيك خاص عبر تفاهمات ما بين الإخوان والسلفيين بالطريقة التى يبدو فيها كتياران متنافسان، إلا إنهما فى النهاية يمثلان تيار واحد بهدف واحد، من ثم فإن مكسبهما سويا بعيدا عن بعضهما لبعض هو ما يجعلهما أكثر سيطرة وهيمنة على المشهد، وهو ما بات يعتقده الأغلبية، حيث عدم عدم وضوح فارق كبير بين التيارين حتى الأن. ورغم كافة ما ذكر إلا أن الإجابة على السؤال المطروح تبدو هى الأخرى غير واضحة للأن، حيث أن جميع ما حفلت به الأحاديث حول الأمر إما هى رسائل تثير القلق من جانب الإعلام أو تطمينات من جانب المنتمين للتيار السلفى نفسه، وما بين هذا وذاك تبدو الصورة غير واضحة المعالم بالنسبة للكثيرين، وإن كانت تميل إلى الإعتقاد بسيطرة العنف على المشهد العام فى المستقبل، وهو ربما ما ساهم فى الإحجام عن المشاركة فى جولة الإعادة، من ثم ملاحظة إنخفاض نسب التصويت إلى النصف تقريبا، خاصة فيما بعد إنحصار المنافسة على أغلب مقاعدها فيما بين الحرية والعدالة والنور، من ثم بات هناك من يتوقع أيضا إستمرارية إنخفاض نسب المشاركة فى الجولتين الثانية والثالثة، نتيجة لما أفرزته الجولة الأولى من نتائج أصابت البعض بالتخوف، إلا أن توقع هذا أيضا لازال قيد الممارسة العملية وبدء جولات التصويت فى المرحلة الثانية منتصف الشهر الجارى، تلك التى سوف تحسم نتائجها النهائية شكل البرلمان القادم دون شك، ورغم ذلك فإن هناك قطاع لم تتضح نسبته بعد يؤيد الرأى القائل بإنه لا داعى للخوف، فحتى وإن شكلت التيارات الإسلامية الأغلبية البرلمانية منفردة، فإنها قد تكون فرصة لإستبيان صحة الأحاديث، أيضا الإجابة على السؤال المطروح: تيار سياسى جديد.. أم فزاعة بديلة؟!.