أكد عدد من المثقفين والمبدعين أن كلام القيادي السلفي عبد المنعم الشحات بشأن الروائي العالمي نجيب محفوظ وأدبه، لا تستحق الرد، ويعد حديثه خارج السياق، ومن المؤكد أنه لم يقرأ سطرا لمحفوظ. ففي البداية أشار الناقد د.حسام عقل، أستاذ الأدب الحديث بجامعة عين شمس، إلى أن عملية الهجوم على نجيب محفوظ متجددة وآلفناها كل فترة، ففي الشهر السابق على حصول محفوظ على نوبل تعرض صاحب "حكايات حارتنا" لأشد وأعنف موجة نقد. وأكد عقل أن محفوظ أحد فرسان الحرية المدنية، وهو قيمة فكرية وفنية وصحافية وسينمائية، فلا نستطيع أن نتصور تاريخ أي مجال مما سبق دون ذكر وحضور محفوظ، مشيرا إلي أن حديث "الشحات" خارج السياق، بحكم عدم تخصصه، وعدم وعيه . من جانبه، رأى الروائي منتصر القفاش أن ما حدث من "التيارات الرجعية" تجاه محفوظ ليس بجديد، مذكرا بمن حاول اغتيال محفوظ بسبب فتوى تعيد مصر لعصور الظلام، وعصر محاكم التفتيش. وما يحدث الآن مرتبط بمحاولة الاغتيال، لكن لابد أيضا أن نشير إلى أن التيارات الرجعية لا تستطيع أن تستطيع أن تتعامل مع الإبداع. وأضاف منتصر : أكاد أجزم أن هذه التيارات لا تفهم الأدب باعتباره منتجا فنيا، له جمالياته الخاصة البعيدة عن النظر الضيق أو التخلف في الرؤى ، فهي تتعامل مع الأدب باعتباره "وثيقة" أو "مستند" ، وموقف "الرجعيين" ينبه جميع المثقفين بأن قضية الإبداع لابد أن تكون هما يشغلنا، وندافع عنه بدون تهاون أو حسابات سياسية لتظل مصر بعيدة عن عصور الظلام. أما الناقد الدكتور يسري عبدالله، مدرس الأدب الحديث بجامعة حلوان، فرأى الهجمة السلفية على نجيب محفوظ تمثل امتدادا لعدم المعرفة بعوالمه الأدبية الثرية، وتعبيرا عن غياب الوعي بمنطق النص الأدبي القابل لتفسيرات لا نهائية، لا يمكن حصرها في دلالة واحدة يؤمن بها هذا أو ذاك، خاصة وأن العالم الإبداعي لنجيب محفوظ يتسم بغناه الفكري والروحي، وقدرته الفائقة على الانتصار لإنسانية الإنسان، حيث يصبح الانحياز للبسطاء والمهمشين هاجسا مركزيا في نصوصه السردية المختلفة، ولذا فإن نجيب محفوظ يعد قيمة تاريخية، وفنية، في مسيرة السرد العربي. وأشار عبد الله إلى أن حضور محفوظ في الميلاد الجديد للأمة العربية بثوراتها ضد الطغيان والاستبداد، يمكن النظر إليه في سياق الكتابة التي حررت الوعي الإنساني وانتصرت للقيم الكبرى كالحرية، والحق، والعدل، وإنسانية الإنسان، ولذا فالجائزة التي تحمل اسمه يجب أن تتسم بالحياد المطلق، والنزاهة الحقة، مبتعدة عن الأهواء والمصالح الشخصية مثلما يحدث أحيانا، كما يجب الانحياز للمعيار الفني والجمالي ولا شيء سواهما. وشددت الروائية هويدا صالح على أن محفوظ استثنائي، تفخر به الإنسانية، في حين تسخر منه تيارات كدنا أن ننتهي منها، وهي تيارات تتعمد تكفير المثقفين خاصة؛ وكل من يختلف معها في الرأي. وأضافت هويدا: دفعنا ثمن هذا التكفير من عمليات إرهابية كادت أن تسقط المجتمع برمته من أيام وصف هذا التيار الحضارة المصرية القديمة بالعفن، ثم حرمت الديموقراطية واتهمتها بالكفر والإلحاد، بالرغم من أنها التي أوصلته إلى البرلمان، ومن قبل تكفير د.محمد البرادعي، ثم التجرؤ على محفوظ والإدعاء بأن أدبه أدب دعارة، وفي واقع الأمر يمارس هذا التيار ما نسميه بالدعارة السياسية، وجل تصرفاتهم تندرج تحت "التنطع والعهر السياسي". واتهمت صالح "التيار السلفي تحديدا" بالنفاق السياسي، قائلة: لا أعرف كيف يمكن التعامل مع تيار غير ملتزم بوعوده، فواحد يصرح بشيء وآخر ينفيه، ولا أعرف كيف سنثق في إداراتهم للبلاد وقد كانوا أحد أذرع أمن الدولة، والآن يتحدثون باسم "الله" ويسعون للسيطرة على الدولة بأكملها. وأضافت صالح : نحن دائما في حالة خشية على الإبداع، وازداد قلقنا بعد انتخابات المرحلة الأولى، خاصة أن كل التيارات الدينية لها تاريخا في مصادرة الكتب ومحاكمة المبدعين والمفكرين، حتى إن لم لم يقرأ واحد منهم العمل المطلوب مصادرته، لكنها "المؤامرة" التي تمولها السعودية عبر السلفيين وإيران عبر الإخوان. وقال الروائي مسعد أبو فجر: التيارات المتشددة هي منتج للواقع، وبعد ثورة 25 يناير كنا نتوقع أن ينتج المجتمع تيارا بديلا، لكنه هذا هو الواقع وما علينا إلا العمل، والمساهمة في بناء مجتمع ديمواقراطي، فالديموقراطية فضحت المتشددين وكشفت أنهم لا يحتفون إلا بالقبيح. وأضاف أبو فجر: استمرار الحكم العسكري لأكثر من ستين عاما من الطبيعي أن ينتج تيارات غير عقلانية، وحين يكون لديك غرفة مغلقة ومظلمة ستمتلئ حتما بحشرات الظلام، ما أن تشرق الشمس ستحترق هذه الكائنات، وأبشرهم أن مسألة زوالهم وانحسارهم مسألة وقت، لا أكثر.