المنطقة التي تدور فيها الآن أخطر أحداث في تاريخ مصر تحمل شوارعها اسماء لها تاريخ وكان لها دور سلبي أو ايجابي في مصير الوطن.. فيها شوارع تحمل أسماء: محمد محمود باشا، ونوبار باشا، ويوسف الجندي، ومنصور ولاظ أوغلي وريحان.. وهذه الاسماء مات أصحابها منذ عشرات السنين.. ولكنهم عادوا إلي التاريخ.. وعادت أسماؤهم تتردد في الصحف والفضائيات وعلي لسان كل المصريين.. فمن هم هؤلاء، خصوصاً الذين لا يعرفون تاريخ الوطن.. محمد محمود باشا هو الأشهر فهو ابن محمود باشا سليمان أغني أغنياء الصعيد، الذي قال عنه البعض علي لسان ابنه محمد محمود: أنا ابن من عرض عليه العرش فأبي.. إشارة إلي أنه بعد رفض الأمير كمال الدين حسين ان يكون وليا لعهد والده السلطان حسين كامل بحثوا عمن يقبل.. وقيل وقتها إن الانجليز عرضوا العرش علي أغاخان أمير الطائفة الاسماعيلية.. وقيل عرضوه علي محمود باشا سليمان فرفض فقد كانت مصر تهتف الله حي.. عباس جي، أي الخديو عباس حلمي الثاني الذي عزله الانجليز عام 1914.. وما إن أقال الملك فؤاد حكومة مصطفي النحاس الأولي في يوليو 1928 حتي جاءوا بمحمد محمود رئيساً للحكومة، وجيء به لأنه تعلم في جامعة اوكسفورد وتشرب بمبادئهم، وكان قبل ذلك وزيراً للمالية في حكومة عبد الخالق ثروت - قبيل حكومة النحاس - وقبلها كان وزيراً للمواصلات في حكومة عدلي يكن الثانية من يونيو 1926 إلي ابريل 1927.. وكان محمد محمود عضوا بحزب الوفد برئاسة سعد زغلول.. بل ونفي معه إلي مالطا عام 1919 وسافر إلي أمريكا مكلفاً من الوفد للدعاية للقضية المصرية.. ثم تولي رئاسة حزب الاحرار الدستوريين الذي انشق عن حزب الوفد.. وبعدها كان أحد أقطاب مصر والجبهة التي مثلت مصر في المفاوضات التي انتهت بتوقيع معاهدة 1936.. وأصبح محمد محمود رئيساً لحكومة مصر يوم 22 يونيو 28 حتي 2 اكتوبر 1929 واحتفظ فيها لنفسه بمنصب وزير الداخلية.. وكانت هذه الحكومة بداية الديكتاتورية البرلمانية.. واشتهرت حكومته بأنها حكومة اليد القوية، وفي عهده صدر قرار ملكي بتعليق الحياة البرلمانية لمدة 3 سنوات قابلة للتجديد واعاد الرجل العمل بقانون المطبوعات القديم الصادر عام 1881 وألغي رخصة نحو 100 صحيفة وعاقب الطلبة اذا قاموا بأي مظاهرات.. وكانت بريطانيا تدعم الرجل وحكومته.. ثم عاد محمد محمود رئيساً للوزراء في ديسمبر 1937 إلي ابريل 1938 وكما جاء في المرة الاولي بعد إقالة حكومة النحاس الاولي.. جاء في المرة الثانية - أيضاً - عقب اقالة حكومة النحاس الرابعة في 30 ديسمبر 1937.. جاء دائماً لإبعاد الزعامة الوفدية.. وكانت هذه الوزارة هي التي ابتدعت جريمة تزوير الانتخابات وكان هدفه تشكيل برلمان غير وفدي وحصل فيها الوفد علي 12 مقعداً فقط بعد ان كان قد حصل علي الاغلبية الكاسحة في الانتخابات السابقة.. وفي انتخابات محمد محمود سقط مصطفي النحاس نفسه رئيس الوفد كما سقط مكرم عبيد سكرتير عام الوفد كل في دائرته.. المهم أن محمد محمود هذا السياسي الداهية أصبح رئيساً لحزب الاحرار المنافس الرئيسي للوفد ثم أصبح زعيماً للمعارضة في مجلس النواب.. حتي توفي في يناير 1941 وترك انجالاً كباراً محمود محمد محمود أبرزهم.. وكرمته الدولة فأطلقت اسمه علي واحد من أهم شوارع وسط القاهرة الذي يصل إلي ميدان التحرير غربي وتقع علي ناصيته وزارة الداخلية.. ولكنه عاد إلي الحياة من جديد.. وسط الاحداث الاخيرة.. وأيضا الشارع الذي يتقاطع معه وهو شارع نوبار.. وهو سياسي مصري أرمني ولد بأزمير وتعلم في فرنسا حتي استدعاه قريبه بوغوص بك وزير محمد علي للعمل بقلم المترجمين ثم سكرتيرا خاصا لابراهيم باشا ثم سكرتيراً لوالي مصر بعده عباس الاول ثم عين مدير للسكك الحديدية في عهد سعيد باشا وكان رسولاً لاسماعيل باشا إلي اوروبا لحل مشاكله المالية وهو صاحب فكرة مشروع المحاكم المختلطة.. واصبح في النهاية أول رئيس للوزراء في تاريخ مصر في عهد الخديو اسماعيل في 28 اغسطس 1878 واحتفظ لنفسه بوزارتي الخارجية والعدل وكانت الوزارة من 3 وزراء غيره احدهم للداخلية وثانيهما للجهادية أي للحربية وثالثهما علي مبارك للاوقاف والمعارف والاشغال .. وظل نوبار رئيساً للحكومة حتي 23 فبراير 1879 وبقيت مصر لمدة اسبوعين بلا حكومة واحتجزه الضباط والنواب في مقر وزارة المالية واعتدوا عليه هو والمسئول الانجليزي في مقر الوزارة.. ولم يطلق سراحهما إلا بعد وصول الخديو اسماعيل للوزارة.. واذا كانت ثورة يوليو ألغت اسماء اشهر ساسة مصر إلا أنها لم تقترب من نوبار.. فظل اسمه موجودا علي هذا الشارع من شريف وحتي المبتديان وعلي ترعة النوبارية ومدينة النوبارية، واعيد تمثاله إلي مدخل مسرح سيد درويش بالإسكندرية.. أما لاظ أوغلي فقد كان المساعد الاول لمحمد علي باشا ولما سافر للسودان وللحجاز عينه محمد علي نائباً عنه.. وكان يشغل منصب الكتخدا أي رئيس الوزراء.. وعندما مات لاظ أوغلي لم يجدوا عنده مالا ولا ثروة فكرمه محمد علي وسار في جنازته وجاء حفيده اسماعيل ليقيم له تمثاله الشهير وسط حي السيدة زينب.. ويوسف الجندي هو أحد أبطال ثورة 19.. وهو الذي أعلن الجمهورية في زفتي رافضاً سلطة الملك فؤاد وسلطة الانجليز ولهذا رفض الملك فؤاد ثم ابنه فاروق تعيينه وزيرا في أي حكومة وفدية.. والفلكي وشارعه الشهير من باب اللوق وحتي المبتديان يجعلنا نتحدث عن محمود باشا الفلكي انبغ من انجبتهم مصر في الفلك والرياضيات من الغربية وتخرج ضابطاً بالاسطول وكان علي مبارك من تلاميذه ودرس العلوم الفلكية وسافر إلي فرنسا وخطط معالم الاسكندرية القديمة وأنشأ في سطح بيته بميدان الفلكي مزاولة تبين ساعات الليل والنهار ثم اصبح وزيراً للمعارف، وهناك اسماعيل باشا الفلكي وهو من تلاميذ محمود باشا الفلكي ودرس الفلك في فرنسا ولما عاد أنشأ مرصداً بالعباسية واصلح مقياس النيل في اسوان.. تلك اسماء الشوارع المحيطة بمقر وزارة الداخلية وحملت اسماء كوكبة من رجالات مصر.. أعادت الاحداث الاخيرة ذكرهم إلي الحياة.. بل اعادتهم إلي الحياة!!