ثورة 25 يناير أسقطت نظاماً جثم علي قلب مصر ستين عاماً، واليوم نفس الثوار يشتركون دون وعي مع أعداء الثورة لإسقاط مصر كلها، إذا لم تتم انتخابات 25 نوفمبر الجاري «انسوا حاجة اسمها 25 يناير» بل وترحموا علي أرواح 600 شهيد من خيرة شباب مصر. أيها الناشط السياسي.. أيها المرشح المحتمل للرئاسة.. أيها الليبرالي.. أيها الصفوة.. أيها النخبة.. أيها السلفي.. إيها الإخواني.. أيها أي حاجة؟.. من كان منكم يحترم ويقدر دماء أبناء لنا سقطوا شهداء من أجلنا فليعمل منذ اليوم علي إنجاح انتخابات 28 نوفمبر. مرة أخري هل مناقشة مقترحات بضمانات دستورية لضبط العلاقة بين الرئيس القادم وقيادة الجيش ما يستدعي ونحن مقبلون علي الانتخابات القيام بأعمال وتصريحات تهدد إتمام العملية الانتخابية؟ لعل أكثر ما يلفت النظر هو ما أثير من جدل حول ما أطلق عليه «وثيقة السلمي» تهديد بمليونية في جمعة 18 نوفمبر الماضي، والتهديد بسحب الثقة من المجلس العسكري الحاكم الشرعي الذي فوضته الأغلبية في حماية الثورة وإدارة شئون البلاد حتي تسلم السلطة وتتداعي الأحداث بعد انسحاب منظمي المليونية.. وتهاجم وزارة الداخلية بالقرب من ميدان التحرير وتهاجم مديريات الأمن في الإسكندرية والسويس، كل تلك الأحداث مساء السبت الماضي.. نفس السيناريو. ثم تمتد أعمال الشغب إلي مساء الأحد 20/11 وينزل إلي الميدان المرشح المحتمل للرئاسة.. لماذا؟.. لا نعرف حتي الآن.. هل نزل للتهدئة؟.. «ما كان من الأول» ولا داعي للمليونية. نحن مقبلون علي انتخابات يتهم المجلس العسكري ظلماً أنه وراء تأجيلها، وهكذا أصبحت ثورة 25 يناير هي المشكلة.. اعتراضات ومظاهرات ممن يطلقون علي أنفسهم شباب الثورة، يثورون علي ثورتهم، يعتقدون أن هذا للحفاظ علي الثورة وعلي دماء إخوانهم شهداء 25 يناير، لم يتحلوا بالصبر فما فقدته مصر من كرامة طوال ستين عاماً مضت لا يعود في شهور. لم يصبر شبابنا حتي يعيش ليجني ثمار ثورته.. إنه طريق كفاح نسلكه، طريق له متطلباته وأولها وأهمها: نجاح انتخابات 28 نوفمبر الحالي. يثورون علي ثورتهم، شباب ومثقفون وصفوة ونخبة وليبراليون وعلمانيون واشتراكيون وسلفيون وإخوان مسلمون، كل ذلك كان بمثابة الضوء الكاشف لما يجري في الخفاء والعلن من تناقضات في الفكر السياسي بمصر أدت إلي مراهقة سياسية انتهت بنا جميعاً إلي مأزق - بالأمس واليوم - أحسب أنه كان من أهم الأسباب المؤدية إلي إخفاق هذا البلد الوصول إلي نظام ديمقراطي سليم خلال الستين عاماً الماضية، بل علي مدي قد يعود بنا إلي تاريخ ثورة 1919.. منذ أعلن الشعب أنه ثار من أجل الاستقلال والدستور، ثم كافح طوال سنوات لينهي ويجهض أحلامه بالحرية في يوليو 1952 وتسرق ثمار ثورته في 1919 من خلال أخبث وأحط مؤامرة دبرتها إنجلترا المستعمرة لمصر آنذاك والمخابرات الأمريكية «CIA» لتجهض نتاجاً حقيقياً كان قد تأخر لثورة 1919 وكان يتوجه كفاح حزب الوفد بقيادة النحاس باشا - رحمه الله - الذي تولي رئاسة الوزارة لمدة سبع سنوات تخللت الفترة من 1942 وحتي انقلاب يوليو 1952 فكانت تلك السنوات من أزهي فترات الحرية والديمقراطية والتنمية والبناء التي عاشتها البلاد في تاريخها الحديث. انقلاب 1952 أتي «عساكر» صغار السن قليلي الخبرة خرجوا علي الشرعية واستولوا علي الحكم وعلي مقدرات هذا البلد الكبير، قلب الأمة العربية والإسلامية، وتم القضاء علي الدستور والإطاحة بالأحزاب، ويغتال مستقبل وطن بأكمله وتقع مصر في قبضة حكم بوليسي شمولي يستمر ستين عاماً إلي أن يثور الشعب لكرامته ويسترد إرادته وتاريخه في 25 يناير 2011 ولكن هذه المرة «رجال الجيش» يقفون مع الشعب لإسقاط نظام فقد شرعيته. فبينما كان أكبر ضباط يوليو 1952 في حوالي 35 عاماً من عمره، فأصغر ضابط في المجلس العسكري في 25 يناير 2011 في حوالي الخمسين - أو أكثر قليلاً - من العمر.. ويدخل هؤلاء الرجال تاريخ مصر من أعظم أبوابه ليسجلوا مرحلة جديدة من الحرية والكرامة مكتسبين شرعية ارتضاها شعب مصر لتجد من يهتف ضدهم بعد أشهر قليلة من عمر ثورة الشعب وفي نفس المكان - ميدان التحرير - فما يمكن أن نسمي ما حدث يوم السبت الماضي؟.. إلا أنه ثورة مضادة وخروج علي الشرعية التي ارتضتها الأغلبية. هل هذا ما ينادي به مرشح محتمل للرئاسة.. أية رئاسة تتطلع إليها؟.. وهل تظن أن بهذه الطريقة سوف تجد بلداً كان اسمه «مصر» لتحكمه؟.. أهناك سقوط سياسي تسقط معه مصر أكثر من هذا. نداء إلي شباب اليوم وإلي كبار السن من رجال كنا نثق بهم من خلال علمنا بتاريخ مشرف لهم خلال عقود مضت. هل تعتقدون أن ما فعلته أمريكا بمصر 1952 لإجهاض نتاج ثورة 1919، إنها لن تحاول تكراره اليوم ومعها المنهزمون وأصحاب المصلحة في الثورة المضادة، تحاول هذه المرة ولكن بعنف أكبر وأسلوب أخبث مع ثورة 25 يناير التي أسقطت النظام السابق. الأغلبية الصامتة تطالب المجلس العسكري وحكومة الدكتور شرف بالإعلان فوراً عن الأموال التي صرفت للعملاء - من من - ومن هم؟.. وفضح أشخاص يقومون بكل نشاط وهمة لإسقاط الشرعية عمن يحطم مصر لإسقاط ثورة 25 يناير كلها.. فليس هناك مخرج ولا سبيل للخروج من تلك الفتنة ووأدها في مهدها إلا فضح هؤلاء قبل 28 نوفمبر الحالي قبل إجراء الانتخابات. إبراهيم تاج الدين