بعد 18 يوما من المظاهرات فى ميدان التحرير فى شهرى يناير وفبراير الماضيي ، هاجت الجموع التي كانت تحتل ميدان التحرير وسط القاهرة ابتهاجا بإعلان الجيش تنحي الرئيس السابق حسني مبارك بعد 30 عاما من الحكم الاستبدادي. لكن ها هي نفس الجماهير - ولكن بأعداد أقل بكثير- تصب جام غضبها على الجيش, وتطالبه بتسليم زمام الأمور للمدنيين, فما الذي دفعها لذلك؟ وهل بدأت الثورة المصرية تعيد نفسها؟ وهل سيؤدي ذلك لتأجيل الانتخابات؟ أجمعت الصحف أن المجلس العسكرى أصبح أمام خيارات صعبة. هذا ما تطرحه بعض الصحف البريطانية والأميركية فى الوقت الراهن، بعد ما شهده ميدان التحرير من مواجهات بين محتجين من جهة وقوات الأمن والمصريين من جهة أخرى على مدار الأيام الأربعة الماضية، مما خلف عددا من القتلى والجرحى. فلم تخل أي من تلك الصحف من تقرير أو تحليل يصف ما تعرض له المحتجون من "استخدام مفرط" للقوة. فقد كتبت صحيفة "الجارديان" أن المتظاهرين رفعوا شعارات مثل "سقوط القناع". ونقلت "الجارديان" عن الباحث السياسي "محمود طرق"، قوله "لن نبرح مكاننا حتى نموت أو يموت الحكم العسكري", مضيفا أن "القناع قد سقط". كما قالت صحيفة "ديلي تلغراف" البريطانية إن قوات الجيش المصري أصبحت محور غضب الشعب، وسط مخاوف من أن تكون مصر على شفا ثورة ثانية، هذه المرة ضد المشير حسين طنطاوي والمجلس العسكري الذي يقوده. ونقلت الصحيفة عن "أحمد هاني" أحد المتظاهرين أن مطالب جموع محتلي ميدان التحرير تتلخص فى مطلب واحد وهو أن يتنحى "طنطاوي"، وأن يحل مجلس مدني مكان المجلس العسكري", مضيفا أن "العنف الذي استخدم يؤكد أن مبارك لا يزال في السلطة". أما مجلة "تايم" تنذر بأن الثورة التي بدأت يوم 25يناير الماضي بدأت من جديد ، بعد أن استخدمت قوات الأمن طيلة ما يقارب 36 ساعة من الاشتباكات مع المتظاهرين، الغاز المسيل للدموع والرصاص المطاطي، وبعد أن واجهها المتظاهرون بقنابل المولوتوف والحجارة والهتافات المنادية بالحرية وبسقوط النظام. ويأتي هذا التفجر الدرامي للأوضاع في مصر قبل أقل من أسبوع من تنظيم أول انتخابات برلمانية ديمقراطية تشهدها مصر منذ الإطاحة بحسني مبارك, تلك الانتخابات التي توقعت صحيفة "فايننشال تايمز" البريطانية أن تُتابع عن كثب في كل أنحاء العالم, إذ يُنظر إليها على أنها اختبار حاسم لآمال التحول الديمقراطي الذي أثاره الربيع العربي. ونقلت "الفايننشال تايمز" عن الباحث والمحلل السياسى عز الدين شكرى أن العنف الحالي ما هو إلا انعكاس للفشل في التعامل مع المرحلة الانتقالية من قبل المجلس العسكري، والسياسيين، وحتى الشباب الذين أطلقوا الثورة. أما صحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية فرأت أن الجيش أمامه أمران أحلاهما مر، فإما أن يؤجل الانتخابات ويواجه غضب السياسيين وبعض المتظاهرين، أو يجريها في ظل ظروف غير مستقرة. فتأجيل الانتخابات محرج بالنسبة لقيادة المجلس العسكري التي توعدت بتسليم السلطة للمدنيين في غضون ستة أشهر، وقامت بتأجيلها عن تاريخها الأصلي في سبتمبر, هذا في الوقت الذي يرى فيه العديد من المصريين أن الجيش وصل به حب التشبث بالحكم لدرجة أنه سعى لإشاعة الفوضى وعدم الأمن ليؤجل الانتخابات. بل إن التأجيل ربما يؤدي لاحتجاجات أشد, خصوصا أن جماعة الإخوان المسلمين حذرت من أنها لن تقبل به ، وقالت في بيان لها "إن شعبنا الواعي ونحن معه لن نسمح بإلغاء أو تأجيل الانتخابات مهما كان الثمن، لأن ذلك يعد انقلابا على الثورة والحرية والديمقراطية". فهذا الإحراج وتلك الضغوط هي التي دفعت الجيش إلى التأكيد على أن الانتخابات ستجرى في موعدها المحدد ب28 نوفمبر الحالي، متجاهلا بذلك ما دب من مخاوف من أن اشتباكات بين الشرطة والمحتجين قد تعرقل العملية السياسية. ورغم ذلك نقلت "فايننشال تايمز" عن المحلل السياسي عز الدين شكري قوله "هناك احتمال كبير بأن تؤجل الانتخابات"، مضيفا أن "هناك توترا بين اللاعبين السياسيين الأساسيين". أما صحيفة نيويورك تايمز الأميركية فترى أن ما حدث في اليومين الأخيرين ليس سوى بداية لما هو أعظم, ونقلت عن الطبيب الجراح "طارق سلامة" المتطوع في المستشفى الميداني بميدان التحرير قوله إن "التخلص من مبارك كان مجرد إحماء, وهذه هي المواجهة الحقيقية".