ما أسعد فقراء مصر وما أكثر تمنيهم لو كان العام كله انتخابات.. فبعد نجاح ثورة 25 يناير في الإطاحة بالنظام الغابر الذي عاث في الأرض فسادا وحل البرلمان السابق، جاء الموعد الذهبي لإجراء الانتخابات عقب عيد الأضحى المبارك من حظ الغلابة والبسطاء. وبالطبع لا يخفى على أحد سر فرحة هؤلاء البؤساء الذين اطمأنت قلوبهم وبطونهم لفوزهم بقسط جيد من لحوم العيد التي يقوم المرشحون بذبحها لعدة أسباب، من بينها الظهور بالتمسك بأداء الأضحية كمظهر ديني والاقتداء بنبي الله إبراهيم وكذلك التقرب إلى قلوب الناخبين من أبناء الدائرة. فيما ينظر إليها "أبناء الدائرة" على أنها فريضة ولاء ومحبة من المرشح لهم، وهدية مقبولة ياحبذا لو تدوم طوال السنوات الأربع التي سيحظى المرشح خلالها بالجلوس تحت القبة بين أكابر وعلية القوم، والأهم من ذلك أنها ربما الفرصة التي لن تتكرر لنيل الطعام على موائد هؤلاء الطامحين. وبات منطق الأشياء في الحكم على المرشحين خصوصا في الأحياء الشعبية المعدمة هو مدى كرم عطائه في وزن اللحمة الخالية من الدهون والعظام النخرة، وحتى كثيرون من إخواننا المسيحيين في حي شبرا على سييل المثال لا يمانعون في نيل قسط من هذه اللحوم من باب المشاركة الاجتماعية وكذلك نيل ولو جزء بسيط من بركة الانتخابات. لحوم المرشحين يقول أحد الظرفاء أن معظم الدوائر الانتخابية المكتظة بالسكان ترفع شعار أهلا بعيد الأضحى ولحوم المرشحين، كما يرى صاحبي "خفيف الظل" أن المرشح الجيد يُعرف من كيس لحومه، أما هؤلاء المرشحون الذين سيمتنعون عن الذبح فإن مصيرهم الحرمان من جنة التصويت لصالحهم. وما بين نوايا المرشحين وسعادة البائسين كانت الفرحة الأكبر من نصيب تجار الأغنام والمواشي بعد ما زاد الإقبال على شراء بضائعهم بشكل غير مسبوق، مما شجعهم هم الآخرون على ركوب الموجة ورفع أسعار البيع بمعدلات لم يكونوا ليصلوا إليها لولا ثقتهم في خضوع المضطر للشراء بأي سعر. فقبل أيام معدودات من عيد الانتخابات، عفوا الأضحى، تحولت شوارع العاصمة المصرية القاهرة إلى حظائر بهائم كبيرة تعج بآلاف التجمعات لتجار المواشي الذين اضطروا هم الآخرون لاستئجار أجزاء من الشوارع، بدلا من احتلالها فيما سبق، لاتخاذها كمعارض لبيع الخراف والعجول، فما إن يقع نظر أحدهم على قطعة أرض فضاء أو حتى رصيف دكان إلا ويبدأ في التفاوض مع المالك للوقوف أمامه لحين انتهاء الموسم. وتشير أسعار الأسواق إلى أن أسعار الخروف المتوسط الذي يزن حوالي 50 كيلو تصل إلى نحو 1800 جنيه، فيما يتعدى ثمن الخروف الكبير أكثر من 2700 جنيه وذلك بعد أن وصل سعر كيلو اللحم الضأن القائم إلى 35 جنيه، في مقابل 25 جنيه العام الماضي. علما بأن حوالي نصف وزنه سيخرج بلا طائل سواء في الفروة أو الرأس أو الأقدام أو حتى "لية الخروف" التي يصل وزنها وحدها لأكثر من 10 كيلوجرامات بخلاف الأمعاء والفشة وغيرها مما يعتبرها كثيرون مخلفات ضائعة. أما أسعار العجول فقد ارتفعت هي الأخرى ليبدأ سعر العجل المتوسط من 8000 جنيه، في مقابل 6 آلاف جنيه العام الماضي، وقد سمعنا بأذنينا وشاهدنا بأعيننا عجلا ثمينا قال التاجر أن سعره 16000 جنيه غير قابلة للنقاش. نفس الوضع انطبق على أسعار الجاموس والأبقار والبعير التي لم تكن تشهد إقبالا كبيرا، إذا ما قورنت بالخراف والعجول، وذلك لضخامة وزنها وعدم استساغة الكثيرين لطعم لحومها، لكنها باتت هذا العام ضالة الباحثين عن مقاعد البرلمان لهدوء أسعارها نسبيا وكثرة لحومها مما يضمن إطعام أكبر عدد من الناخبين. وقد انعكست تلك الارتفاعات الكبيرة في أسعار البهائم الحية على نظيرتها المذبوحة حتى وصل سعر كيلو اللحم البتلو المشفي إلى 120 جنيه و80 بالعظم، أما الكندوز المذبوح فبات عاديا أن يباع الكيلو منه ب 70 جنيها وفي بعض الأحياء يصل إلى 100 جنيه للقطع المميزة، فيما تراوح سعر كيلو اللحم الضأن المذبوح ما بين 75 و90 جنيه بالعظم طبعا. وأمام هذه الأسعار لم يملك محدودو الدخل سوى الضحك على تصريح وزير الزراعة الذي أخذ على عاتقه بث الطمأنينة في نفوس المواطنين بأن أسعار لحوم العيد ستكون في متناول الجميع، والحقيقة فإن السؤال الذي يطرح نفسه بعنف هنا أي مواطنين يقصد.. هل المصريين؟!!