شعبة الدواجن تزف بشرى سارة بشأن أسعار البيض    بعد عودة تطبيق إنستا باي للعمل.. خبير مصرفي يكشف سبب التحديثات الجديدة    استشهاد قيادي بكتائب القسام و3 من أفراد أسرته في قصف منزله بمخيم البداوي بطرابلس    حدث ليلا.. ضرب قاعدة أمريكية وترامب يحرض إسرائيل على تدمير النووي الإيراني    مباراة الزمالك وبيراميدز بكأس السوبر المصري.. الموعد والقنوات الناقلة    ابنتي تنتظر اتصاله يوميا، عارضة أزياء تطارد نيمار بقضية "إثبات أبوة"    فيلم المغامرات "كونت مونت كريستو" في صدارة إيرادات شباك التذاكر الروسي    «أنت كان فيه حد يعرفك».. لاعب الزمالك السابق يفتح النار على القندوسي بعد تصريحاته عن الأهلي    أرسنال يخشى المفاجآت أمام ساوثهامبتون فى الدوري الإنجليزي    إطلاق مشروع رأس الحكمة.. بوادر الخير    28.4 مليار جنيه قيمة أرصدة التمويل العقارى للشركات بنهاية يوليو    الصحة الفلسطينية: 741 شهيدا فى الضفة الغربية برصاص الاحتلال منذ 7 أكتوبر    مدرب إسبانيا: أحمق من لا يهتم بفقدان استضافة المونديال    ميدو: أكبر غلطة عملها الأهلي هي دي.. والجمهور حقه يقلق (فيديو)    تشكيل الهلال ضد الأهلي في الدوري السعودي    درجات الحرارة المتوقعة اليوم السبت 5/10/2024 في مصر    حريق فى عمارة سكنية بدمياط والحماية المدنية تكثف جهودها للسيطرة    اليوم.. محاكمة إمام عاشور في الاعتداء على فرد أمن بالشيخ زايد    تعرف على مواعيد قطارات الصعيد على خطوط السكة الحديد    سلوفينيا تقدم مساعدات عينية لأكثر من 40 ألف شخص في لبنان    "إسلام وسيف وميشيل" أفضل 3 مواهب فى الأسبوع الخامس من كاستنج.. فيديو    برج القوس.. حظك اليوم السبت 5 أكتوبر: اكتشف نفسك    أوركسترا القاهرة السيمفونى يقدم أولى حفلات "الموسيقى الغنائية" اليوم بالأوبرا    ترامب يطالب اسرائيل بالقضاء على المواقع النووية الإيرانية    مصدر يكشف أزمة جديدة قد تواجه الزمالك لهذه الأسباب    بلومبيرج: البنتاجون سينفق 1.2 مليار دولار لتجديد مخزون الأسلحة بعد هجمات إيران والحوثيين    عاجل - عمليات "حزب الله" ضد الجيش الإسرائيلي "تفاصيل جديدة"    رئيس شعبة الدواجن: مشكلة ارتفاع أسعار البيض ترجع إلى المغالاة في هامش الربح    موعد صرف أرباح شركات البترول 2024.. «اعرف هتقبض امتى»    عاجل - حقيقة تحديث « فيسبوك» الجديد.. هل يمكن فعلًا معرفة من زار بروفايلك؟    سهر الصايغ "للفجر": بحب المغامرة وأحس إني مش هقدر أعمل الدور...نفسي أقدم دور عن ذوي الاحتياجات الخاصة    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم السبت 5-10-2024 في محافظة البحيرة    حرب أكتوبر.. أحد أبطال القوات الجوية: هاجمنا إسرائيل ب 225 طائرة    تحذير عاجل من التعليم للطلاب بشأن الغياب    صحة المنوفية: تنظم 8365 ندوة على مستوى المحافظة لعدد 69043 مستفيد    الكشف ب 300 جنيه، القبض على طبيبة تدير عيادة جلدية داخل صيدلية في سوهاج    أعراض الالتهاب الرئوي لدى الأطفال والبالغين وأسبابه    بعد تعطله.. رسالة هامة من انستاباي لعملائه وموعد عودة التطبيق للعمل    لمدة 12 ساعة.. قطع المياه عن عدد من المناطق بالقاهرة اليوم    الحوار الوطني| يقتحم الملف الشائك بحيادية.. و«النقدي» ينهي أوجاع منظومة «الدعم»    الكويت.. السلطات تعتقل أحد أفراد الأسرة الحاكمة    تفاصيل مرض أحمد زكي خلال تجسيده للأدوار.. عانى منه طوال حياته    عمرو أديب عن مشاهد نزوح اللبنانيين: الأزمة في لبنان لن تنتهي سريعا    ندى أمين: هدفنا في قمة المستقبل تسليط الضوء على دور الشباب    دعاء قبل صلاة الفجر لقضاء الحوائج.. ردده الآن    تناولتا مياة ملوثة.. الاشتباه في حالتي تسمم بأطفيح    حبس تشكيل عصابي متخصص في سرقة أسلاك الكهرباء واللوحات المعدنيه بالأأقصر    عمرو أديب عن حفل تخرج الكليات الحربية: القوات المسلحة المصرية قوة لا يستهان بها    رئيس جامعة الأزهر: الحروف المقطعة في القرآن تحمل أسرار إلهية محجوبة    «مش كل من هب ودب يطلع يتكلم عن الأهلي».. إبراهيم سعيد يشن هجومًا ناريًا على القندوسي    معتز البطاوي: الأهلي لم يحول قندوسي للتحقيق.. ولا نمانع في حضوره جلسة الاستماع    البابا تواضروس الثاني يستقبل مسؤولة مؤسسة "light for Orphans"    «ممكن تحصلك كارثة».. حسام موافى يحذر من الجري للحاق بالصلاة (فيديو)    عظة الأنبا مكاريوس حول «أخطر وأعظم 5 عبارات في مسيرتنا»    رشا راغب: غير المصريين أيضًا استفادوا من خدمات الأكاديمية الوطنية للتدريب    بمشاركة 1000 طبيب.. اختتام فعاليات المؤتمر الدولي لجراحة الأوعية الدموية    أذكار يوم الجمعة.. كلمات مستحبة احرص على ترديدها في هذا اليوم    «وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِندِ اللَّهِ».. موضوع خطبة الجمعة اليوم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الإسلاميون والدولة العميقة.. ما الجديد؟ (1\2)
نشر في التغيير يوم 08 - 09 - 2012

إن أول ما تنتجه ثورات الربيع العربي، هو التحول الديمقراطي، وهو يمثل المعركة الأولى في معارك التغيير والإصلاح، ولكنها معركة محورية ومركزية، فهي معركة تدوير السلطة الحاكمة للدولة، تلك الدولة التي احتفظت بالسلطة المطلقة المنفردة زمن النظم السابقة الحاكمة. والأمر لا يقتصر على تدوير السلطة بانتخابات حرة نزيهة، ولكنه يشمل أيضا فتح الباب أما الحركة الإسلامية لتصل للسلطة. والدولة القائمة في التحليل الأخير، هي دولة ذات نزعة علمانية وقومية وقطرية، وهي دولة مخاصمة للتيار الإسلامي، بل وتعتبر أن خصمها الأول هو التيار الإسلامي، الذي نازعها في شرعيتها قبل سقوط النظام الحاكم. وبعد الثورة، يصبح الباب مفتوحا أمام حركات التيار الإسلامي، الأكثر شعبية لتصل للسلطة، مما يعني امكانية تغيير سياسات الحكم التي قامت عليها الدولة، ويعني أيضا امكانية تغيير طبيعة الدولة، ونزعتها العلمانية والقومية والقطرية. وبهذا يفتح التحول الديمقراطي الباب أمام المواجهة بين الدولة ونخبتها الممسكة بزمام الأمور، وبين الحركة الإسلامية.
والأمر لا يقتصر على فتح الباب أمام التداول السلمي للسلطة، ولكنه يفتح الباب أمام سحب السلطة والنفوذ من نخبة الدولة، سواء النخبة المدنية أو النخبة العسكرية. فنخبة الدولة كانت القاعدة التي استند عليها نظام الحكم، مما جعلها تمسك بالسلطة الفعلية، ومكنها من أن تشكل مع شبكة مصالح واسعة الدولة العميقة الحاكمة، والتي تسيطر على مقاليد الأمور، وإذا كانت تلك الدولة العميقة قد عملت من أجل مصلحة النظام الحاكم وكل المتعاقدين معه داخليا وخارجيا، فهي بعد سقوط النظام تعمل من أجل مصلحتها ومن أجل شبكة المصالح المتعاقدة معها داخليا وخارجيا. ولأن نخبة الدولة كانت هي المنفذ الحقيقي لعملية السيطرة على السلطة والنفوذ والثروة، لذا فهي تملك أدوات السيطرة، ولا تريد التخلي عنها، كما أنها تملك القدرة على عرقلة كل احتمالات تنحيتها عن مواقع السلطة والنفوذ.
ولأن النظام الحاكم قبل الثورة ارتبط بشبكة مصالح داخلية وخارجية تم بناؤها على أساس سياسات حكم محددة، يصبح تغيير سياسات حكم النظام السابق عاملا يؤدي إلى إهدار مصالح شبكة الحكم بأطرافها داخل وخارج الدولة، وداخل وخارج البلاد. لذا تصبح معركة نخبة الدولة في الدفاع عن سلطتها مرتبطة بحفاظها على تلك السلطة وعلى شبكة المصالح التي ارتبطت بها، وسياسات الحكم التي تحمي سلطتها، وطبيعة الدولة القائمة، التي اكتسبت منها سلطاتها ونفوذها.
ولأن نخبة الدولة مسيطرة على مفاصل الدولة، لذا أصبح الخصم الأول لها هو التيار الإسلامي، وربما يكون الخصم الوحيد، لأنه يملك شعبية في الشارع. لذا أصبح الطرف الوحيد الذي يملك مصادر دعم وقوة تمكنه من مواجهة سلطة نخبة الدولة، لأن الدعم الشعبي بعد ثورات الربيع العربي، أصبح مصدر قوة كبيرة. فالثورات كانت شعبية، لذا جعلت الإرادة الشعبية قوة حاسمة، بل ربما تكون القوة الأولى الفاعلة. مما جعل نخبة الدولة تملك السلطة والسيطرة على مفاصل الدولة، والتيار الإسلامي يملك الدعم الشعبي المطالب بالتغيير والإصلاح.
معارك متتالية
ليست المعركة مع الدولة العميقة معركة واحدة، بل هي معارك متتالية، والمعركة الأولى هي معركة التحول الديمقراطي، والتي تعني أن السلطة يتم تغييرها طبقا للإرادة الشعبية، وهو ما يجعل السلطة التنفيذية في يد حزب منتخب شعبيا، ويجعل للحكومة سلطة على الدولة، أي يجعل لحزب سياسي منتخب سلطة على نخبة الدولة. وتلك المعركة تمثل معركة أولى، ولكنها معركة شرسة، لأنها تؤدي إلى نزع جانب مهم من سلطة نخبة الدولة، ولكنها لا تنزع كل سلطات نخبة الدولة. فنخبة الدولة تسيطر بالفعل على دولاب العمل اليومي، ولها القدرة على إيقاف حركة الدولة، بل يمكنها أن تعرض الدولة للانهيار الكامل.
ومعنى هذا، أن المعركة بين التيار الإسلامي والدولة العميقة، هي معركة متتالية الحلقات تشتد أحيانا وتهدأ أحيانا، ولكنها تستمر زمنا ليس بالقصير. فالسيطرة الكاملة على جهاز الدولة من أجل بناء دولة المؤسسات والقانون، يعني انهاء وجود نخبة الدولة المسيطرة والحاكمة، وجعلها نخبة إدارية وفنية، وليست نخبة صاحبة نفوذ وجاه ومال. وهذا التحول في حد ذاته، يعني تحولا كبيرا في طبيعة الدولة وسياساتها وهويتها، مما يجعل كل القوى المستفيدة من سياسات الدولة وطبيعتها القائمة، تحاول حماية الوضع القائم والمحافظة عليه. فالمعركة ليست فقط بين التيار الإسلامي وبين نخبة الدولة، ولكنها معركة بين التيار الإسلامي وكل القوى التي تحاول الحفاظ على طبيعة الدولة القائمة، خاصة طبعها العلماني القومي القطري، وكذلك تبعيتها لمنظومة الدولة الغربية، والتي تمنع تحقيق تنمية حقيقية، وتعرقل أي امكانية لتحقيق نهضة شاملة.
ولنا أن نتصور تلك المعركة عندما تحدث في مصر، فمصر دولة مركزية، والتغيير فيها قد يؤدي إلى تغيير واسع في المنطقة. لذا تعد المعركة بين الدولة العميقة والتيار الإسلامي في مصر، هي المعركة المركزية، التي على أساسها سوف يتحدد مستقبل المنطقة ومستقبل الثورات العربية. ورغم أن انتصار الدولة العميقة في معركتها مع التيار الإسلامي والإرادة الشعبية غير محتمل، إلا أن معركة الدولة العميقة والقوى الشعبية كافية لتأجيل تحقيق منجزات الثورات الشعبية، وأيضا كافية لتعظيم تكلفة التغيير والإصلاح التي يتحملها المجتمع.
وجملة معارك الدولة العميقة تدور أولا حول إفشال عملية تداول السلطة، ووقف تمدد التحول الديمقراطي إلى السلطة التنفيذية، ثم تتحول بعد ذلك إلى معارك حول عملية تغيير الدولة وإعادة هيكلتها، وتغيير سياستها، وتحديد هويتها. وكل تلك المعارك تمثل واقعيا العملية المركزية لتحقيق أهداف الثورة الشعبية، لأن الهدف المركزي للثورة الشعبية وهو تحقيق الحرية والعدل والكرامة، لا يتحقق إلا بتغيير الدولة القائمة، لأنها في النهاية هي الدولة التي أسست للاستبداد والفساد والتبعية للغرب، وهي التي هدمت فرص التنمية والتقدم.
البيروقراطية المصرية
تمثل البيروقراطية المصرية أداة نخبة الدولة الأولى، ما يجعل معارك الدولة العميقة مع التيار الإسلامي ومع الإرادة الشعبية، تتحول إلى معارك بيروقراطية، تستخدم فيها أدوات الإدارة والقانون، من أجل عرقلة عملية التحول الديمقراطي. مما يجعل تغيير البنية التشريعية عاملا مهما في معارك الدولة العميقة مع التيار الإسلامي، أو مع خيارات الإرادة الشعبية، لأن الدولة تملك أدوات القوانين واللوائح، وهي الأدوات التي تمارس من خلالها نخبة الدولة سيطرتها على مقاليد الأمور، مما يجعل تعديل تلك القوانين واللوائح -في ظل دستور جديد- معركة شديدة الأهمية، لأنها تفكك أدوات نخبة الدولة التي تستخدمها لتصبح سلطة، وليس فقط جهة إدارة.
ولأن التغييرات المطلوبة واسعة ومتعددة، لذا تتسع مساحة الحركة أمام نخبة الدولة، من أجل عرقلة كل خطوة تتخذ نحو التغيير، لأن نخبة الدولة تملك العديد من الأدوات التي لا يمكن السيطرة عليها دفعة واحدة. مما يمكن نخبة الدولة من عرقلة عملية التحول، بل والتسبب في تعميق المشكلات وتأزيم الأوضاع العامة. وهنا تظهر مقدرة البيروقراطية على إثارة المشكلات، وتعويق حياة الناس، والتهديد بتأزيم الأوضاع العامة، مما يؤدي إلى إثارة الشعب وتفجير الغضب.
ونخبة الدولة عندما تدافع عن مصالحها، لا تدافع في الواقع عن المصلحة العامة أو عن الدولة، لأن الثورة الشعبية أظهرت أن نخبة الدولة كانت خصما للشعب، وبسبب الرفض الشعبي للنظام الحاكم والذي ثار الشعب عليه، أصبحت نخبة الدولة في موضع الخصم للإرادة الشعبية الحرة، مما يجعل نخبة الدولة تحافظ على مصالحها، حتى وإن أدى هذا لتعريض مصالح الدولة والمجتمع للخطر. فنخبة الدولة تحاول الحفاظ على مصالحها، ولكنها في الوقت نفسه تتحرك بمنطق الجريح، الذي لا يمكن أن يترك ساحة المعركة ويتنازل عن سلطته، أيا كانت النتائج.
إغراق السفينة وإفشال الإسلاميين
وفي كل مرحلة من المراحل التي يتأكد فيها أن جماهير التيار الإسلامي هي صاحبة الأغلبية، وعليه ستكون ممثلة الرأي العام، وصاحبة القرار في ما بعد الثورات، سوف يصبح حل الإفشال ملحا، وقد يبدو حلا وحيدا. ونقصد به، أنه في كل مرحلة تغلق السبل أمام مواجهة صعود التيار الإسلامي، سوف تصبح محاولة افشال الأحزاب الممثلة للتيار الإسلامي، هي الحل الباقي. وهو ما يعني أن محاولة إحداث انهيار اقتصادي، وأزمات حياتية، وتردي عام في الأحوال المعيشية، يبقى الحل الأخير، الذي سيبدو لأطراف كثيرة، أنه الحل الوحيد الباقي، وليس فقط للأطراف الداخلية، بل والأطراف الخارجية أيضا. لهذا تصبح سياسة تفجير الأزمات تمثل الحل الأخير المتاح، مما يجعل استخدامها يتكرر مرات عدة، وإن توقفت الأطراف المختلفة عن تلك السياسة لفترة أو فترات، فيمكن أن تعود لها. فمسألة الحصار الاقتصادي الخارجي غير المباشر، تمثل في النهاية السبيل الأكثر تأثيرا في ظل استخدام، سياسات التدخل الناعم، والبعد عن سياسات التدخل الخشن، والتي تقوم على التدخل العسكري. مما يجعل إغراق السفينة، حلا يراود أطرافا كثيرة تعادي التيار الإسلامي، حتى لا تبحر السفينة وتصل إلى غايتها، وتحقق الاستقرار والتنمية، وتبني دولة جديدة قوية، واقتصاد قوي، ويصبح مواجهتها لتغيير مسارها أمرا صعبا.
فنخبة الدولة بما لها من سلطة ونفوذ، يمكنها إفشال دور أحزاب التيار الإسلامي، سواء في البرلمان أو السلطة التنفيذية، ومحاولة إقناع عامة الناس بعدم قدرة تلك الأحزاب على حل مشكلات الحياة اليومية وخدمة عامة الناس، حتى تقدم نخبة الدولة نفسها، باعتبارها التي تملك القدرة على حل مشكلات الناس وتحسين حياتهم. ومع تعاون القوى المتحالفة مع نخبة الدولة، سواء في الداخل أو الخارج، ووسائل الإعلام التي تسيطر عليها شبكة المصالح المرتبطة بنخبة الدولة، يصبح تشويه أداء الأحزاب الإسلامية ممكنا، مما قد يجعل عامة الناس أو بعضهم تميل لانتخاب المنتمين لنخبة الدولة، حتى تحل مشاكلهم. وهذه الخطة يمكن أن تنجح مرة أو حتى مرات، حتى يعرف عامة الناس حقيقة توجهات نخبة الدولة الهادفة لإجهاض الثورة، ويكتشفون مخطط إفشال الإسلاميين لمنعهم من تحقيق النهضة والاستقلال الحقيقي.
مواجهة في العمق.. فمن ينتصر؟
تمثل نخبة الدولة شبكة واسعة مترامية الأطراف، ممسكة بزمام الأمور في الدولة، لذا فهي الدولة العميقة، أي البناء الداخلي المتماسك، والذي يملك النفوذ والسلطة، دون أن يتصدر المشهد السياسي الإعلامي، بل يظهر منه جزء صغير فقط، هو كرأس جبل الجليد. ولكن في مقابل الدولة العميقة نجد الحركة الاجتماعية المتجذرة في المجتمع، وهي الحركة الإسلامية، خاصة جماعة الإخوان المسلمين الأكثر تنظيما. وجماعة الإخوان تمثل في الواقع الحركة العميقة، أي الحركة الممتدة داخل أعماق المجتمع، وهي حركة مترامية الأطراف. لذا فالمواجهة بين الدولة العميقة والحركة العميقة- إذا صح التعبير- تمثل المواجهة الأهم أو المعركة المركزية، ليس في مصر فقط، بل وفي العالم العربي. وربما تكون تلك المعركة هي المعركة الرمزية والمركزية، في معركة الثورات الشعبية في مواجهة الدولة القائمة.
ولأن الدولة العميقة ممسكة بزمام السلطة والنفوذ الفعلي والعملي، لذا فلا يمكن القضاء عليها في لحظة أو بعمل ثوري، لأن تفكيك الدولة العميقة يمثل تحديا كبيرا، ولا يتحقق إلا من خلال معركة متعددة المراحل، وبها الكثير من النجاح والفشل. وفي نفس الوقت، فإن الحركة العميقة، ولأنها متغلغلة في المجتمع، وفي التيار السائد والأساسي بالمجتمع، والذي يمثل الأغلبية المجتمعية، لذا فهي حركة عميقة بالفعل ولا يمكن انتزاعها. والنظام الحاكم السابق لم يستطع في ظل أشد أنواع الاستبداد السياسي القضاء على الحركة العميقة -كجماعة الإخوان المسلمين- وكل ما استطاع تحقيقه هو حصارها ومحاولة شل حركتها. مما يعني أنه بعد ثورات الربيع العربي، أصبح القضاء على الحركة العميقة مستبعدا، بل أن السيطرة على المجتمع عامة أصبحت أيضا مستبعدة، في ظل تمرد المجتمع على الدولة وعلى سلطتها.
لذا فالمواجهة بين الدولة العميقة والحركة العميقة تأخذ بعدا آخر، وهو بعد الصراع على السلطة الحقيقية، حيث تعمل الدولة العميقة على الانفراد بالسلطة الفعلية، في حين تحاول الحركة جعل السلطة الحقيقية في يد من ينتخبه الشعب. وبسبب تلك المعركة، تظل السلطة الحقيقية في يد الدولة العميقة، لأنها تملكها فعلا، حتى يتم تفكيك الشبكة التي تعتمد عليها الدولة العميقة، وإضعاف قدرتها على السيطرة، مما يجعل السلطة تصبح في يد السلطة المنتخبة من الشعب. وهذه العملية تستنزف الدولة كما تستنزف المجتمع وتعرقل فرص التنمية، مما يجعل رهان الدولة العميقة الأول، هو إفشال مسار التغيير والإصلاح بالكامل، حتى تفشل الثورة، ويدفع الناس إلى قبول نخبة الدولة، التي تمثل امتدادا للنظام السابق.
لكن طبيعة الثورة الشعبية، تظل هي العامل الحاسم، والذي يجعل الحركة الشعبية تسير ضد استمرار الأوضاع التي كانت قائمة، ومع بقاء حالة التمرد على سطوة الدولة، و بقاء الحالة الثورية عموما، تستمر حالة الخصومة بين عامة الناس ونخبة الدولة، مما يجعل الحركة الإسلامية -أي الحركة العميقة- قادرة على قيادة حركة عامة الناس في مواجهة نخبة الدولة. وبهذا يصبح انتصار نخبة الدولة أمرا صعبا ومستبعدا، ولكن استمرار نخبة الدولة في المقاومة وعرقلة عملية التغيير، يظل ممكنا ومتاحا. وكأن تلك المواجهة ليست إلا حرب استنزاف، تستمر حتى تستلم نخبة الدولة، وتتكيف مع الأوضاع الجديدة، وتتنازل عن حيازتها الحصرية للسلطة والنفوذ.
البقية في الحلقة الثانية غدا إن شاء الله.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.