أن الله تعالى لم يشرع حكماً من الأحكام إلا وله فيه حكم عظيمة ، قد نعلمها ، وقد لا تهتدي عقولنا إليها ، وقد نعلم بعضها ويخفى علينا الكثير منها . وقد ذكر الله تعالى الحكمة من مشروعية الصيام وفرضِه علينا في قوله : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمْ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ) البقرة / 183 . وحول الحديث عن الحكمة من مشروعية الصيام يقول الدكتور أحمد عمر هاشم رئيس جامعة الأزهر الأسبق أن الصيام هو أحد أركان الإسلام التى يقوم بها، ويبنى عليها، وقد فرضه الله تعالى على المؤمنين من هذه الأمة كما فرضه على من قبلها من الأمم، فالصوم عبادة قديمة لم تخل أمة من الأمم من افتراضها، وكان لكل أمة صوم، فمن أنواع الصوم صوم بعض المتصوفة جميع أيام العمر رغبة فى مزيد من الثواب، ومثل هذا صوم بعض الرهبان، ومنها أيضا الصيام عن الكلام، وعرف هذا النوع عند اليهود، ومن ذلك ما حكاه الله تعالى عن مريم عليها السلام «فإما ترينّ من البشر أحدا فقولى إنى نذرت للرحمن صوما فلن أكلم اليوم إنسيا»، ومنها صوم بعض المسيحيين عن الغذاء الحيوانى وما يشتق منه، ومن أنواعه كذلك الصيام عن جميع الأعمال أو أغلبها، كما هو عند البوذيين واليهود، ومنها صوم بعض الهنود الذين يجعلون الأرض وطأ لهم، وما إلى ذلك من صفات الامتناع والإمساك التى تعددت عند كل قوم على حسب صومهم. وأشار إلى أن الناظر إلى فريضة الصيام فى الإسلام يرى أنها أخذت وضعا يختلف عما كان عليه غير المسلمين، وجاءت وسطا بين الأنواع الأخرى، فلا هى امتناع دائم يشق على المسلمين القيام به، ولا هى امتناع قصير، وإنما هى وسط بين الأمور، لا إفراط فيها ولا تفريط مما يدل على سماحة الإسلام ويسره، ودقة تشريعه وحكمته. وأكد الدكتور أحمد عمر هاشم أن الصيام فرض على المسلمين لحكمة جليلة، هى تحصيل تقوى الله تعالى، كما أشار سبحانه فى قوله: «يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون»، وبهذا تتحدد لنا الحكمة من الصيام وهى الوصول إلى التقوى وهى اتقاء عذاب الله باتقاء كل معصية ويمتثل الإنسان ما أمر الله به ويجتنب ما نهى عنه. وفى قوله تعالى: «شهر رمضان الذى أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان فمن شهد منكم الشهر فليصمه»، فى هذه الآية بيان لسبب اختصاص شهر رمضان بالصوم دون سواه من بقية شهور السنة، وذلك أن الله سبحانه وتعالى ميزه بنزول أكبر نعمة فيه وهى القرآن الكريم الذى يهدى للتى هى أقوم، وفيه شفاء لما فى الصدور ورحمة للمؤمنين، وتطهير للقلوب، وتزكية للأرواح، وتلك نعمة من أعظم النعم وأجلها يجب على من اهتدوا بها أن يشكروا صاحبها بالغدو والآصال، بل إن الشكر على النعمة ينبغى أن يكون من جنسها فى المضمون وفى النتيجة فكان (الصوم) الذى يعمل على تطهير القلوب والسمو بالأرواح.