استيقَظَتْ عبيرٌ مبكرةً فصلّتْ الفجرَ ثُمّ جلستْ تقرأ القرآن وتذاكرُ دروسهَا استعْداداً للذهابِ إلى المدرسةِ، بينمَا ظلّ أخوهَا بدرٌ نائماً رغمَ محاولتِهَا إيقاظهُ مراراً وتكراراً .. صرختْ به: ما هَذا يا بَدرُ ؟ ألمْ تستيقِظْ بعد ؟ نهضَ بدرٌ بعدمَا أشرقتْ الشمسُ فرأى أختهُ تحملُ حقيبتهَا وتستعدّ لمغادرةِ المنزلِ إلى المدرسةِ فعلمَ أنهُ تأخّرَ في النّومِ ، فقال: آآآه .. لقدْ سهرتُ الليلةَ طويلاً .. ولا زلتُ أشعرُ بالنّعاسِ .. دخلتْ أمُّ بدرٍ فتعجَّبتْ من ابنها الذي لمْ يتهيأ للمدرسةِ بعد فصاحتْ به .. - ما هذَا يا بُنيّ .. أما زلتَ في فراشِكَ .. هيا بسرعة فقدْ تأخّرتَ عن المدرسة .. وفي المدرسةِ وصلَ بدرٌ متأخراً فوقفَ مع مجموعةِ الطلاب المتأخرين خجلاً مِنْ كسلهِ معتذراً عنْ تأخّرهِ .. لم يكُنْ بدرٌ يتأخّرُ مِنْ قبلُ .. فأمسكَ المرشدُ الطّلابي بيدهِ وأخذهُ جانباً ثُمّ قالَ له : ما سببُ تأخّرِكَ يا بدر .. إنّ هذهِ ليستْ عادتك ..!! أجابَ بدرٌ قائلاً : المعذرةُ يا أستاذ .. لقدْ سهرتُ الليلةَ أنَا وأصْدقائي نلهو ونلعب الألعابَ الإلكترونيّة .. ونمتُ في وقتٍ متأخرٍ منَ الليلِ .. ابتسمَ المرشدُ الطلابي وقال : ولكنّكَ تعلمُ أنَّ السهرَ ضارٌّ جداً في أيامِ الدّراسةِ، ويجعلكَ قليلَ التركيزِ أثناءَ الدرسِ، إضافةً إلى شعوركَ بالنّعاسِ طيلةَ اليومِ الدراسيّ ، وهذَا يؤثّرُ على مستواكَ العلمي .. أليسَ كذَلكَ يا بُنيّ ؟ نظرَ بدرٌ إلى الأرضِ وهوَ يشعرُ بالخجلِ وقال : أنَا آسفٌ يا أستاذ .. ولنْ أكرِرَ ذلكَ أبداً .. هذهِ الحالةُ يا أبنائي تحدثُ كثيراً، وسببُهَا السّهر وقلّةُ النّومِ منْ أجلِ الألعابِ واللهو .. والنبيّ صلى الله عليه وسلّم كانَ يكرهُ السّهرَ إلا للعلمِ المفيدِ، ويكرهُ الحديثَ بعدَ صلاةِ العشاءِ لينامَ المسلمُ مبكراً ويستيقظَ مبكراً فلا تضيعُ عليهِ صلاةُ الفجرِ ولا ينامُ بعدهَا، ويشعر بالنّشاطِ .. وكانَ عمرُ بنُ الخطابِ إذا رأى جماعةً قد أخّرهُمْ السهرُ عن النّومِ قالَ لهُمْ متعجباً : أسَمَراً أوّلُ الليلِ ونوماً آخرهُ .. ومنْ أعظمِ المصائب التي يسببهَا السَّهرُ عدم صلاة الفجرِ في جماعةٍ في المسجدِ، فهذهِ وحدهَا تكفي لتركِ السهرِ منْ أجلِهَا .. لقولِ النبيّ صلى الله عليه وسلم : ( مَنْ صلى الصبحَ فهوَ في ذمّة الله) .. والمسلمُ يقومُ الليل ويصلي لله ويذكره، ومن نامَ متأخراَ ضيّعَ قيامَ الليلِ .. كما أنّ السهرَ فيهِ إضاعة للوقتِ في غيرِ فائدةٍ، والمسلمُ محاسبٌ على وقتهِ ولا بدّ أنْ يقضيهِ فيما ينفعهُ من أمور الدينِ والدنيا .. كما أنّ السهرَ يضرّ بالصحّة، ويجلب الكسلَ، والله تعالى جعل الليل للنوم والسكينة، قال تعالى : (ألمْ يرَوْا أنّا جعلنَا الليْلَ ليَسْكنُوا فيهِ ).. والنومُ في الساعاتِ الأولى من الليلِ فيهِ فوائدُ عظيمةٌ كما ذكرَ ذلكَ الأطباءُ ، ولا يصحّ السهرُ إلا لأسباب كما قالتْ عائشةُ رضيَ الله عنها : (لا سهرَ إلا لثلاثةٍ : مُصلٍّ ، أو عروسٍ، أو مسافرٍ). فاجتنبوا السهر يا أبنائي، وحافظوا على النومِ المُبكّرِ لتستيقِظوا مُبكّرين ، وتعيشوا هانئين ..