أخيرا برح الخفا وبان المستور! فقد أصبحت الرسالة الآن أكثر وضوحا! فالمشير طنطاوي كان قد أعلن يوم 24 يناير الماضي، أنه سيعطل تفعيل قانون الطوارئ إلا في حالات مواجهة البلطجة، وهو ما كان يعني في حينها أن يبقى الحال كما هو عليه بدون تغيير. أما الوضع الآن فقد أصبح أكثر وضوحا ومعاني الرسالة وصلت مكتملة. فلأن الفترة من 25 يناير إلى 29 يناير مرت بدون كوارث، بخلاف ما توقعه الجميع، كان لا بد من إظهار عين البلطجة الحمراء للشعب، حتى يرتمي في أحضان المجلس العسكري، ويكيل الغزل لقوانين الطوارئ. ففجأة تحدث مواجهات وإصابات بين متظاهرين وشباب من جماعة الإخوان المسلمين، والشرطة لا تتدخل! فجأة يكتشف اللصوص إمكانية عمل سرقات مسلحة في كل مكان وعلى كل لون (يا باتيستا) بل وفي كل وقت! ويبقى دور الشرطة أن تأتي متأخرة دائما! فجأة يقرر طرف ما إنهاء حياة عشرات الشباب في بورسعيد، والشرطة حاضرة تتفرج وتصور! ما يحدث يا سادة هو محاولة حثيثة لتركيع الشعب، وإعادة إدخاله الحظيرة التي عاش فيها طوال الأعوام الماضية! ما يحدث هو حماية لحالة الإنفلات الأمني وترويع الشعب! وأيا ما كانت الأسباب وراء ما حدث في مذبحة بورسعيد، فإن النتيجة دائما واحدة. عشرات من الشهداء بين شباب مصر الأبي ذنبه الحقيقي أنه يحلم بوطن أفضل! وفي كل مرة، يقتل العشرات ولا نسمع إلا تبريرات سخيفة ووعود كاذبة وأحاديث عن لجان تقصي حقائق وتعويضات مللناها جميعا. ما يحدث هو سيناريو منظم لم نشهد فيه بعد لقطة النهاية. مازال في المسلسل حلقات لم تعرض. قد تكون حلقة بعنوان فتنة طائفية، أو أخرى بعنوان مواجهة مباشرة مع الشرطة أو الجيش، أو لعلها ستكون بعنوان حرق مباني ومؤسسات للدولة. المهم أن مشهد النهاية - كما يحلمون به - هو سقوط كامل للدولة بين يدي الحكم العسكري سواء كان ذلك باستمرار الوضع الحالي أو بعمل طبخة سريعة تضمن لهم تمسكهم بكراسيهم، تحت عنوان حكم مدني تحت السيطرة! ألم يسأل عاقل نفسه: لماذا لم تحدث ربع هذه الأحداث في الفترة التي انسحبت فيها وزارة الداخلية أجهزة وأفرادا من كل شوارع مصر، وكان الأمر مهيئا تماما لكل من يريد أن يعبث بأمن ومصير البلاد؟! الموضوع ببساطة أن الأحداث كانت متلاحقة والسيناريو لم يكن قد اكتمل! أما بعد مرور عام كامل على بداية الأحداث، واطمئنان كل فاسد وسارق إلى إفلاته من العقاب، أصبح هناك متسع من الوقت للترتيب ووضع سينايوهات الفوضى وتنفيذها في ظل تواطؤ مِن أغلب القابضين على مقاليد الحكم أو من يفترض بهم فرض الأمن والحماية. لذلك لن يكون الحل أبدا بسحب الثقة من حكومة أو مساءلة مسئول مقصّر أو متواطئ! الحل قرارات ثورية: لن يقوم بها من فقدنا ثقتنا بهم منذ زمن طويل، وبرهنوا كل يوم على تواطئهم. الحل قرارات عاجلة: لن يتخذها من أدمن المماطلة واعتاد التراخي بحكم الشيخوخة السياسية والبيولوجية. الحل قرارات ناجزة: لن يوقعها من يعلم تماما أنه سيكون أول من تطبق عليه العدالة بحكم فساده. الحل الوحيد هو إنهاء الحكم العسكري وتسليم السلطة بشكل عاجل لرئيس وطني منتخب يتحمل المسئولية، ويواجهها ومعه حكومة إنقاذ وطني حقيقي، لها كل الصلاحيات التي تمكنها من تطهير وإعادة هيكلة الداخلية. الحل يا سادة ثورة حقيقية على الظلم والقهر والفساد الذي نخر عظامنا وأفسد عقولنا وقتل أولادنا. الحل في أيدينا!