د.مازن النجار \n\n البول السكري مرض مزمن لا شفاء نهائياً منه، وهو يؤثر على جوانب متعددة من حياة وأداء المرضى، خاصة إذا لم يتمكنوا من ضبط مستويات غلوكوز الدم. فينعكس ذلك سلباً على القدرات العقلية والبدنية والنفسية في المدى القريب؛ بينما ينعكس في المدى المتوسط والبعيد في صورة مضاعفات تطال البصر والفشل العضوي وأمراض القلب والشرايين والوفاة المبكرة.\nوكانت دراسة قام بها باحثون بجامعة فرجينيا قد وجدت أن ارتفاع مستويات السكر في الدم، لدى مرضى السكري المنتجين وغير المنتجين للإنسولين، يعوق عمليات التفكير، ويؤثر سلبا في قدرة المريض على أداء وظائف الحياة اليومية البسيطة. وتتكرر هذه الظاهرة لدى مرضى السكري بنوعيه، المنتج وغير المنتج للإنسولين.\nارتفاع سكر الدم يعوق التفكير\nأجرى المشاركون اختبارات لمهارات عقلية سريعة، لاكتشاف أي علاقة بين مستويات سكر الدم والأداء العقلي، سلباً أو إيجاباً. فكان يطلب منهم تذكر أكبر عدد ممكن من مفردات تبدأ بحرف "A". ثم اختبرت قدراتهم على إجراء عمليات \"طرح\" حسابية عقليا بدون ورق أو قلم أو آلة حاسبة، ثم قياس فترات ردود فعلهم.\nلم يتمكن 55 بالمائة منهم التفكير بوضوح معتاد، عندما كانت مستويات سكر الدم لديهم \"مرتفعة جدا\". فقد كانت استجاباتهم للاختبارات العقلية أبطأ أو وقعوا في أخطاء لغوية وحسابية أكثر، عندما كانت مستويات سكر الدم \"مرتفعة\". وهذه المهارات ضرورية للحياة اليومية، كحساب جرعة الإنسولين، وأداء متطلبات الدراسة والعمل. لكنهم لم يتأثروا جميعاً بنفس الطريقة، فكانت التأثيرات فردية جداً. \nكما وجد الباحثون ارتباطا بين انخفاض سكر الدم وبطء عمليات التفكير. وهذا يعني أن أجود مستويات التفكير تتطلب ضبط سكر الدم عند مستوياته المثلى. فينبغي مراعاة ذلك عند الحاجة إلى تعظيم القوة العقلية للشخص.\nفمثلا، الطلاب الذين يستعدون لدخول الامتحانات ينبغي أن لا يعتمدوا على الأغذية الغنية بالسكريات والكربوهيدرات الخفيفة. فتناولها المفرط قد يجلب نتائج عكسية ضارة، إذا ما أدى ذلك إلى ارتفاع سكر الدم. كذلك، يعتبر اضطراب التفكير أحد المؤشرات الهامة لمرضى السكري على ارتفاع مستوى سكر الدم، ومؤشرا على الحاجة إلى الإسراع بفحصه وضبطه.\nمخاطر الفشل العضوي والوفاة المبكرة\nأظهرت دراسة أخرى أن مرض البول السكري يزيد مخاطر نشوء أمراض خطيرة والوفاة المبكرة بثلاثة أضعاف مقارنة بغيرهم، بينما لا تؤدي البدانة دون الإصابة بالسكري لهذه المخاطر.\nوعلى عكس التوقعات، وجد الباحثون أن البدناء غير المرضى بالسكري معرضين لنفس مستوى مخاطر الوفاة أو الإصابة بأمراض خطيرة التي يتعرض لها غير البدناء وغير مرضى السكري. وهي نتائج مفاجئة نظراً لارتباط البدانة بالسكري. وهذا يعني أن العلاقة بين البدانة ومرض السكري والأمراض الخطيرة علاقة مركبة، وأن البدانة بحد ذاتها قد لا تنذر بالضرورة بنفس العواقب البائسة للسكري.\nحلل الباحثون مؤشر كتلة الجسم (مقياس البدانة) للمشاركين، وموقفهم من مرض السكري بنوعيه، وتاريخهم مع الفشل العضوي، والوفيات الحادثة خلال ثلاث سنوات. فظهر أنه في غياب مرض السكري لدى البدناء، فإنهم غير معرضين لزيادة مخاطر الإصابة بفشل عضوي حاد أو الوفاة بسببه، مقارنة بغير البدناء.\nلكن مرضى السكري أكثر تعرضاً بثلاث أضعاف لأسقام تؤدي لفشل عضوي حاد، وللوفاة بسبب ذلك أو أي سبب آخر، مقارنة بمرضى غير مصابين بالسكري، بصرف النظر عن مؤشر كتلة الجسم، كمقياس للبدانة. فمرض السكري مؤشر قوي ومستقل للتنبؤ بالفشل العضوي الحاد والوفاة المترتبة عليه، أو الوفاة لأي سبب آخر.\nأمراض القلب والشرايين\nوتوصل باحثون آخرون لضرورة ضبط مستويات سكر الدم لدى مرضى النوع الأول من السكري (المعتمد على الإنسولين) لتقليل احتمالات إصابتهم بأمراض القلب والشرايين؛ إذ يساعد ذلك على خفض تلك المخاطر إلى النصف. وكانت أبحاث سابقة قد ربطت الضبط التام لمستويات سكر الدم بانخفاض مخاطر انسداد الشرايين، وعطب العيون والأعصاب والكلى.\nتلفت الدراسة لأهمية صحة القلب والشرايين إجمالاً، خاصة وأن كثيراً من مرضى السكري لم يحققوا الضبط المطلوب لمستويات سكر الدم. يصيب النوع الأول من السكري ملايين الأطفال والشبان حول العالم، بحيث يفقد الجسم قدرته على إنتاج هرمون الإنسولين الضروري لمعالجة سكر الدم.\nأراد الباحثون أن يعرفوا احتمالات إصابة المشاركين في الدراسة من مرضى النوع الأول من السكري بأمراض القلب مع تقدمهم في السن. وطلبوا منهم الضبط التام لمستويات سكر الدم بما يقارب المستوى العادي (6 بالمئة بمقياس هيموغلوبين A1c)، وهو مؤشر على مستوى سكر الدم في الشهور الثلاثة الأخيرة.\nمخاطر مضاعفة\nتابع المرضى مستويات سكر الدم لديهم وتعاطوا -على الأقل- ثلاث حقن إنسولين يومياً أو استخدموا مضخة إنسولين ملحقة بالجسم؛ رغم أن المعتاد في هذه الحالات أن يتعاطى المرضى قدرا أقل من حقن الإنسولين. وبعد ست سنوات، أوصى الباحثون المرضى الذين قاموا بضبط تام لمستويات سكر الدم والذين لم يفعلوا ذلك، أن يضبطوا بعناية هذه المستويات في كل الأحوال. على مدى السنوات، جاءت معدلات نسب مستويات سكر الدم بمقياس هيموغلوبين A1c نحو 8 بالمائة بالنسبة للمجموعتين.\nرغم تقارب معدلات سكر الدم في المجموعتين، فإن ست سنوات من الضبط التام لسكر الدم لدى إحدى المجموعتين في الثمانينات قد آتت نتائج إيجابية لمرضى هذه المجموعة. فقد ظهر أنهم أقل تعرضاً -بمقدار النصف- للإصابة بأزمات قلبية، وسكتات دماغية، وذبحات صدرية، وعمليات توسيع أوعية دموية أو اجتياز الشريان التاجي.\nأهمية هذه النتائج في أن مرضى النوع الأول من السكري عموماً أكثر تعرضاً بعشرة أضعاف للأزمات القلبية من غير المرضى بالسكري.