د.مازن النجار \n\n المعلوم أن مرض اضطراب الوسواس القهري يتبدى في صورة أعراض وأفكار وتصورات، متكررة وملحة وقهرية، لا يستطيع المريض مقاومتها أو الإقلاع عنها. ويعالج المرض اعتيادياً بعقاقير مضادات السيروتونين (SSRI)، والعلاج السلوكي المعرفي (CBT). وتختلف درجات الاضطراب من شخص لآخر، وتتجلى فيه السمات الشخصية بدرجة أو أخرى.\nتتدرج مستويات الإصابة بهذا الاضطراب حتى تدخل في نطاق أمراض العصاب، وربما تتفاقم حتى تبلغ مراحل الذهان أو الاختلال المرضى العقلي، فلا يعود مرضاً نفسياً ويصبح عند ذلك مرضاً عقلياً، رغم عدم ظهور أعراض مرض الذهان الشائعة كالهلوسات والضلالات. وعند هذه المرحلة يعالج الاضطراب بعقاقير مضادات الذهان والعلاج بجلسات الصدمات.\nيعوق هذا الاضطراب النفسي و/أو العقلي حياة المرضى المصابين به أكثر من أي مرض ذهاني (عقلي) آخر. ويعتقد أن له أصولاً عضوية عصبية (تشريحية فسيولوجية) تقع في منطقة العقد القاعدية بالمخ. لذلك، تنحو بعض الأبحاث العلاجية الجديدة باتجاه علاجه جراحياً عن طريق قص الوصلات الموجودة بين العقد القاعدية المسؤولة عن المرض. \nأشد الحالات حدة\nفي ضوء الخريطة العلاجية المركبة لهذا الاضطراب المعقد وتغاير صوره باختلاف حالات وشخصيات المرضى، يمكن القول مؤكداً بأن هناك مرضى باضطراب الوسواس القهري الحاد أكثر مما يمكن القول بأن هناك مرضاً محدداً باثولوجياً.\nوهناك فئة من المصابين الاستثائيين بالمرض يستعصي علاجهم باستخدام كافة الأساليب العلاجية المتاحة والمستخدمة تقليدياً، مما دفع الأطباء والعلماء إلى استحداث وسائل أو أساليب علاجية خاصة وغير تقليدية للتعامل مع هذه الحالات المرضية المستعصية.\nفي هذا السياق تقريباً، أقرت إدارة الغذاء والدواء الأميركية (FDA)، المسؤولة عن تقنين وترخيص المنتجات والأدوات والأجهزة الطبية والغذائية في الولاياتالمتحدة الأميركية مؤخراً استخدام جهاز يتم زرعه في الدماغ لعلاج مرضى اضطراب الوسواس القهري الحاد.\nجهاز تنشيط الدماغ العميق (DBS)، هو من إنتاج شركة مِدترونكس لإنتاج الأجهزة الطبية الأليكترونية، وسوف يستخدم كخط علاجي أخير لمعالجة المرضى الذين أخفقت معهم كافة العلاجات التقليدية الأخرى المتاحة للتعامل مع اضطراب الوسواس القهري الحاد.\nتنظيم إيقاع نشاط الدماغ\nيعمل هذا الجهاز في الدماغ كمنظم لإيقاع نشاط الدماغ. فهناك قطب كهربائي مزروع في الدماغ وأسلاك تمتد تحت سطح الجلد، متصلة بمولد (كهربائي) مزروع أيضاً في جسم المريض، حيث يتمكن الأطباء المعالجين من التحكم في زيادة أو خفض التنشيط (التحفيز) الكهربائي.\nأجازت لجنة ‘‘استثناء الأجهزة [لظروف] إنسانية'' استخدام هذا الجهاز لعلاج أشد حالات اضطراب الوسواس القهري حدة. في الولاياتالمتحدة، هناك أقل من أربعة آلاف مريضاً باضطراب الوسواس القهري الشديد المقاوم للعلاجات المعتادة.\nجاء هذا القرار بناء على دراسة إكلينيكية تحليلية لنحو 26 مريضاً من ثلاثة مراكز طبية بالولاياتالمتحدة.\nوفي بيان صحفي، أفاد الدكتور بنجامين غرينبرغ، قائد فريق البحث الذي أجرى الدراسة، أن جهاز تنشيط الدماغ العميق سيتيح معالجة واعدة لقسم من مرضى اضطراب الوسواس القهري الذين استمرت حالاتهم المرضية الحادة، رغم الاستخدام القوي للأدوية والعلاج السلوكي الإدراكي.\nونظراً لأن زرع الجهاز بالدماغ ينطوي على مخاطر حقيقية، فهذه المعالجة لا تستهدف معظم مرضى اضطراب الوسواس القهري، بحسب خبراء مطلعين على الجهاز. فالمرضى المستهدفون بالجهاز هم أكثر المرضى مرضاً.\nفهم يعانون من إعاقة بالغة بسبب اضطراب الوسواس القهري، لدرجة أنهم فقدوا كثيراً من مظاهر وعناصر الحياة. فأصبحوا عاجزين عن العمل، وغدا بعضهم عاجزاً عن الاستمرار في أي علاقات، بل إن البعض منهم لا يستطيعون حتى الخروج من البيت.\nبعض المخاطر أيضاً\nلكن بعض المرضى المشاركين في دراسة غرينبرغ أظهر تحسناً ملحوظاً. البعض يمكنهم العودة إلى العمل، وبعضهم يمكنه الدخول في بعض العلاقات، والمشاركة في الحياة مرة أخرى.\nلكن الأهم من ذلك، أن بعض المرضى يمكن أن يشارك في العلاج السلوكي الإدراكي أيضاً، ومن المرجح أن يكون لذلك دور في تقدم علاجهم بشكل عام.\nلكن كان هناك بعض المخاطر الجسيمة ايضاً.\nفمن بين 26 مريضاً شاركوا في الدراسة، تعرض 23 مريضاً لأحداث سلبية جسيمة، بيد أنه تم استدراكها بدون أضرار دائمة. لكن هذا الإجراء العلاجي (الكهربائي) ينطوي على مخاطر نزف والتهاب في الدماغ تهدد الحياة.\nالمعالجة باستخدام تنشيط الدماغ العميق تتطلب فريق خبراء متعدد التخصصات من أجل اختيار المرضى الملائمين لها، وزرع الجهاز، وضبط (تعديل) التنشيط الكهربائي في الدماغ، ورعاية ومتابعة المرضى على المدى البعيد.\nيماثل جهاز تنشيط الدماغ العميق أجهزة تنشيط أخرى تستخدم لعلاج مرض الشلل الرعاشي (پاركِنسُن) واضطرابات الحركة (الشلل) الأخرى. لكن نظراً لأنها تنشط جزءاً آخر من الدماغ، فقد طوّرت شركة مدترونكس أقطاباً كهربائية خاصة لاستخدمها في علاج اضطراب الوسواس القهري.\nيذكر أن اختبارات تُجرى حالياً لفاعلية الجهاز مع مرضى الاكتئاب بالغ الشدة في تجربة بحثية بالولاياتالمتحدة.