د.مازن النجار \n\n كثيراً ما تنتشر بين الجمهور معلومات أو شائعات حول مخاطر صحية لا صحة لها، ولا تستند إلى أدلة حاسمة أو أي أدلة على الإطلاق. لكن هذه الشائعات تسري في الراي العام سريان النار في الهشيم وتسبب فزعاً لا أساس أو مبرر له علمياً. وكانت السنة المنصرمة قد شهدت انتشار شائعات طبية سببت فزعاً حول مزاعم تتناول \"سُميّات\" و\"مسرطنات\" كامنة في البيئة المحيطة. وكانت إليزايث ويلَنْ، رئيس المجلس الأميركي للعلوم والصحة، قد أجملت أهم هذه الفزاعات الصحية خلال عام 2008.\nوشهدت 2008 إنتاج بعض الشائعات الصحية المفزعة، وتستند عادة لدراسات تجريبية على الفئران، باستخدام جرعات عالية، ويتم تجاهل المبدأ الأساسي لعلم السميات: مصدر السمية (التسمم) هو مستوى الجرعة وليست المادة أو المركب في حد ذاته. وهناك مبدأ يقول بأن التغيرات الكمية تؤدي لتغيرات نوعية.\nتدور الشائعة الأولى حول مُرَكّب كيميائي يستخدم اعتيادياً منذ عقود في تليين البلاستيك، وصناعة الدمى المطاطية، ويسمّى ثاليتات. ويُستخدم المركب في مستحضرات التجميل والشامبوهات والدهونات، ومنتجات بلاستيك أخرى. ليس هناك مطلقاً دليل على أن المنتجات المحتوية للمركب تشكل خطراً على صحة الإنسان. رغم ذلك قامت ولاية كاليفورنيا بمنع استخدامها مما أشاع الهلع. وقالت عناوين الأخبار: \"ستائر الحمامات البلاستيكية تعني كفناً لمستخدميها\"، لأنها تحتوي عادة على هذا المُركب. لكن خلاصة المسألة أن هذه المخاطر غير حقيقية، ولا تستند إلا لبيانات بعض تجارب المختبرات على القوارض. \nتدور الشائعة الثانية حول مركب بيسفينول-إيه، وهو مركب شائع الاستخدام في البلاستيك الصلب، ويوجد تقريباً في كل الأواني البلاستيكية الصلبة من عبوات الماء وقوارير إرضاع الأطفال وأكواب البلاستيك، وغيرها. ومرة أخرى، كما في الشائعة الأولى، وباستخدام بيانات تجارب مختبرية على القوارض أيضاً، زعم بعض الناشطين أن لمركب بيسفينول-إيه ارتباطات بسرطاني الثدي والبروستات، والبدانة، ومشكلات الإنجاب.\nتفاقم الهلع عندما قررت شركة \"نالجين\" عدم استخدام مركب بسفينول-إيه بإنتاج قوارير الماء المصنوعة من البوليكربونات. واستجابت كندا للفزاعة ومنعت استخدام بسفينول-إيه في تصنيع قوارير الرضّع. وبحسب إدارة الغذاء والدواء الأميركية (FDA) وهيئات أخرى، لا دليل علمياً هناك على أن بسفينول-إيه يسبب مشكلات صحية عند مستويات تركيزه المنخفضة.\nالشائعة الثالثة اتخذت مظهراً وكونت انطباعاً أكثر جدية وتأثيراً؛ وتتناول مخاطر الهاتف الخليوي. فبحسب الدكتور رونالد هربرمان، مدير معهد (أبحاث) السرطان بجامعة بتسبرغ ببنسلفانيا، يمكن أن تسبب الهواتف المحمولة سرطان الدماغ. وحذر هربرمان جمهور مستخدمي الهواتف الجوّالة من مخاطر الإشعاع الكهرومغناطيسي، ودعاهم للحد من التعرّض للإشعاع الصادر عن الهواتف الخليوية. ونبه الأهالي للحذر من التأثيرات المحتملة للإشعاع على أدمغة الأطفال بمرحلة النمو. ورغم أن هذا الاستخلاص غير علمي بتاتاً، لكنه استدعى عناوين أخبار رئيسة: \"أطباء السرطان ينصحون بالاستغناء عن هواتفهم المحمولة\". والواقع أنه لا دليل علمياً مقبولاً على أن الهواتف المحمولة تشكل خطراً على صحة الإنسان.\nالشائعة الرابعة في منتهى الغرابة أيضاً؛ وتدور حول أن استهلاك النساء لمشروبات القهوة تقلص الثديين، كما يدعي بعض علماء من السويد، وأضافوا ملاحظة تزيد الأمر غرابة: \"الثديان سيصبحان أصغر، لكنهما لن يختفيا\"!\nالشائعة الخامسة تقول بأن صديرية الثديين التي ترتديها النساء سامة. هكذا جاء في الأخبار عندما زعم ناشطون أن ملابس نسائية داخلية من إنتاج شركة \"فيكتوريا سيكرتس\"، تحتوي فورمالديهايد. وعلّق صحفيون بأن هذا هو السر الذي ينبغي أن تعرفه النساء!\nالشائعة السادسة تنقل عن بعض العلماء أن مستحضرات صيدلانية (دوائية) موجودة بمياه الشرب. وجاءت عناوين الأخبار: \"مياه الشرب بها آثار أدوية\"، بينما لم يكن لها أثر على الصحة العامة للسكان. في هذا الزمان يمكن أن نجد آثار أي شيء في أي شيء آخر باستخدام التقنيات الحساسة.\nالشائعة السابعة زعمت أن بعض ألعاب أو دمى الأطفال المطروحة بالأسواق \"سامة\"، وقد أصبحت هذه الشائعة فزاعة سنوية لموسم الأعياد، ترافقها مزاعم بظهور عناصر الرصاص والكادميوم والزرنيخ السامة، وكيماويات ضارة أخرى بتلك الدمى. لكن الواقع أن هذه الدمى \"آمنة\" لأن هناك معايير حكومية صارمة تضمن ذلك.\nالشائعة الثامنة أن بعض \"لقاحات الأطفال (المضادة للأوبئة) تسبب مرض التوحد\" وهي شائعة قديمة ومتكررة، لكنها أطلت برأسها مجدداً في 2008. لكن الحقيقة ليست فقط أن لقاحات الطفولة آمنة، بل ضرورية لوقاية الأطفال والسكان عموماً من الأمراض.\nالشائعة التاسعة تقول أن بعض اللحوم الإيرلندية (المُصَدّرة للولايات المتحدة) ملوثة بمادة ديوكسين، وولدت الفزاعة عناوين أخبار، بينما الحقيقة أن مستوياتها منخفضة جداً لدرجة أن لا تؤثر سلباً على صحة البشر.\nالشائعة العاشرة ذهبت إلى أن أسطح خزانات المطابخ المصنوعة من صخور الغرانيت خضعت للتدقيق والفحص كمصدر لإشعاع خطير مزعوم. وهي مثال آخر لتسليط وسائط الإعلام الضوء على خرافات بدون أساس علمي، كوسيلة لجذب الانتباه.\nأساطير طبية يسلم بها الأطباء\nوكانت دراسة طبية قد وجدت أن بعض الأطباء يقبلون مفاهيم طبية لا أساس لها. تعرضت الدراسة لبعض الأساطير الطبية الأكثر شيوعاً.\nأولاها أن القراءة في الضوء الخافت تعطب البصر؛ أسطورة تداولها أجيال من الآباء والأمهات حول العالم، بدون سند علمي. فالقراءة في الظلام تجهد العين مؤقتاً، لكن ذلك يزول سريعاً بالعودة إلى الضوء الساطع. ودرجت العادة على تحميل الضوء الخافت مسؤولية زيادة حالات قصر النظر، وهي ادعاءات بلا أساس.\nالأسطورة الثانية هي خطورة استخدام الهواتف الخلوية في المستشفيات. فرغم التحذيرات من استخدامها في معظم غرف انتظار الطوارئ، لم تجد الدراسات دليلاً حول تداخل الهاتف المحمول مع الأجهزة الطبية.\nالأسطورة الثالثة نمو الأظافر والشعر بعد الموت، رغم أن هذا النمو عملية حيوية هرمونية بالغة التركيب، ولا يمكن حدوثها بعد الموت. مصدر الخرافة انكماش الجلد بعد الموت مما يوهم بنمو الأظافر.\nالأسطورة الرابعة أن الإنسان يستخدم 10 بالمائة فقط من دماغه، وهي بدورها لا تستند لشيء. فالدراسات التصويرية للدماغ لا تظهر تعطلاً لأي جزء بالدماغ. وقد تعود الأسطورة لبائعي \"زيت الأفعى\": مشروب كان يروج بأوائل القرن العشرين كمحفز للطاقة العقلية.\nالأسطورة الخامسة ضرورة تناول على الأقل 8 أكواب ماء يومياً، وقد وردت سنة 1945 بمقال لمجلس الأبحاث القومي؛ يقول أن الاحتياج المناسب من الماء للبالغين لتران ونصف يومياً، ومعظمه موجود بالطعام فعلاً. تشير الدراسات الراهنة لأننا نحصل على كفايتنا من السوائل يومياً من العصير واللبن والشاي والقهوة، وأن زيادة استهلاك الماء تسبب التسمم المائي وربما الوفاة.\nالأسطورة السادسة أن حلق الشعر يعيد نموه أسرع وأخشن. لكن سواء أزيل الشعر بالشمع أو الحلق أو القص، فلن يغيّر ذلك من قوامه أو سرعة نموه. لكن شعر الساق سيبدو أخشن لدى بدء عودته للنمو. فالشعر يبدأ بالعودة غليظاً ولم يتح له الوقت ليَبدو ناعماً، لهذا قد يظهر غامق اللون. لكن عندما يطول ويتعرض للشمس يعود تماماً لسيرته الأولى.