\r\n دخلنا بعد ذلك الى قطاع غزة وبمجرد ان تضع رجلك في هذا القطاع البائس المحاصر تبدأ رائحة المجاري التي تتدفق في الشوارع وهي تزكم الأنوف إضافة الى رؤية الكثير من المنازل المحترقة والمحال التجارية المحطمة وهي كلها ليست سوى مؤشرات بأن الجيش الإسرائيلي مر من هنا. \r\n \r\n \r\n الاجتياحات العسكرية الإسرائيلية لقطاع غزة خلفت في الفترة الأخيرة أكثر من 140 قتيلا، فلسطينيا كان أكثر من نصفهم من المدنيين وقسم غير قليل من الأطفال الرضع وهو ما تؤكده منظمات حقوق الإنسان. \r\n \r\n الجيش الإسرائيلي لا يبدي الكثير من الاهتمام تجاه أرواح الفلسطينيين وخير مثال على ذلك قرار المدعي العام العسكري بعدم اتخاذ أي إجراء تأديبي ضد الجندي الإسرائيلي الذي تورط في إطلاق قذائف مدفعية من عيار 155 ملم مما أدى الى مقتل 21 فلسطينيا في بيت لاهيا الواقعة في شمال قطاع غزة في نوفمبر 2006، وقرر المدعي العام ان ما حصل كان مجرد «حادث». \r\n \r\n أثار ذلك القرار حفيظة منظمات حقوق الإنسان العالمية ومنظمة بيتسليم الإسرائيلية، التي خلصت الى القول إن ثقافة اقتراف الجرائم والخروج منها دون عقاب اصبحت شيئا «مألوفا»، في قوات الأمن الاسرائيلية. كان رئيس الاركان في حينه دان حالوتس سيئ الصيت الذي اجبر على الاستقالة عقب الهزيمة المنكرة التي لحقت بالجيش الاسرائيلي في لبنان في حرب صيف 2006. \r\n \r\n غزة لا تواجه الاجتياحات العسكرية الاسرائيلية شبه اليومية التي زرعت القتل والتدمير في الارواح والممتلكات فحسب، وانما تعاني فوق ذلك كله من الآثار الخانقة للحصار الدولي المفروض على القطاع. \r\n \r\n أخذ الحظر التجاري المفروض شكل التوقف عن امداد معظم السلع الأساسية ومنع المرضى والجوعى من تلقي الأدوية والأغذية على حد سواء. \r\n \r\n حتى سيارات الاسعاف لم تعد تجد ما يكفي لتقديم خدماتها لمن يحتاجها، كما ان المستشفيات شبه معطلة ولا يعمل بها سوى اقسام الطوارئ التي توفر الطاقة لها من خلال مولدات صغيرة الحجم من أجل ابقاء حاضنات الأطفال تعمل وآلات غسيل الكل. \r\n \r\n عندما توجه بي سائق التاكسي الى مقر الهلال الأحمر الفلسطيني بدا لي ان الكثير من سكان القطاع القريبين من الحدود قد هجروا منازلهم تجنبا للتدمير واراقة الدماء. وعندما اقتربت من غزة وجدت ان الشوارع مليئة بالحفر، وان عدد سيارات الأجرة قليل والشيء المنتشر هو استخدام العربات التي تجرها الحمير. هذا يعني ان اسرائيل أعادت غزة وسكانها إلى الوراء عشرات السنين تستخدم اسرائيل طائرات الأباتشي المروحية وطائرات إف 16 النفاثة ودبابات المركافا وقذائف المدفعية الموجهة بالرادار. \r\n \r\n في الأسبوع الماضي، شنت إسرائيل هجوما صاروخيا على منزل في مخيم البريج للاجئين مما أدى إلى مقتل ثمانية أشخاص من عائلة فياض منهم أحد قادة «الجهاد الإسلامي» أيمن فياض (41 عاما) وزوجته مروة (35 عاما) وابنته بسمة (13 عاما) وابنه أيوب (5 سنوات). \r\n \r\n ويقول شهود العيان ان المنزل استهدف بصاروخ اسرائيلي في الوقت الذي انكرت اسرائيل قيامها بشن أي هجمات، بعدها تراجع الإسرائيليون عن انكارهم وأكدوا أنهم استهدفوا فياض، أما الانفجار الذي حدث فأرجعوه إلى كونه «حادثا» نتج عن انفجار ذخائر كانت مخزنة في البيت، الغارة الإسرائيلية تلك قتلت الكثيرين وتسببت في أن يصبح الكثير من الأطفال يتامى. \r\n \r\n يقول شقيق احدى النساء اللواتي قتلن في الهجوم «كان بامكانهم قتل ايمن لوحده كونه عسكريا فلماذا استهدفوا المنزل كله بمن فيه من سكان مدنيين عزل من النساء والاطفال؟». \r\n \r\n قمت بزيارة علي فياض البالغ من العمر 17 عاما وهو يرقد غائبا عن الوعي في مستشفى الشفاء في غزة نتيجة لاصابته بعدة اصابات شديدة في الرأس نتجت عن نفس الغارة. \r\n \r\n من اجل الوصول الى معبر رفح اضطررت لاستخدام سيارة اسعاف والمرور عبر الطريق الساحلي الاطول من اجل تجنب عمليات اطلاق النار التي يقوم بها الجيش الاسرائيلي ضد السيارات المدنية. \r\n \r\n كان قد تم اقتحام معبر رفح من قبل سكان غزة الذين لم يعودوا يجدون الغذاء او الدواء فكسروا الحدود وتدفقوا الى مصر بمئات الآلاف من اجل ان يشعروا بالحرية ولو لحين وشراء ما يحتاجونه. \r\n \r\n سارت بنا سيارة الاسعاف على طول الحدود الفلسطينية المصرية ورأيت جنودا مصريين مشغولين بكهربة الجزء المصري من السياج الحدودي. \r\n \r\n كان هناك اعداد كبيرة من قوات الامن المصرية التي تسلح افرادها بالهراوات والاسلحة مستعدين لاستخدامها ضد الفلسطينيين فيما لو حاولوا اختراق الحدود الى مصر مرة اخرى. \r\n \r\n توقفنا التالي كان في بيت لاهيا غير البعيدة عن الحدود الإسرائيلية في معبر ايريز حيث حصدت القذائف الإسرائيلية التي «اطلقت بالخطأ حياة 21 فلسطينيا خلال دقائق، كانت شوارع بيت حانون يسودها صمت القبور ويظهر للعيان التدمير الواسع النطاق، كما كان بالإمكان رؤية الجرحى من أصحاب الأطراف المبتورة. لم يكن بنا حاجة لنكلمهم حيث كانت تعابير وجوههم تحمل أكثر الاجابات فصاحة. \r\n \r\n في بيت حانون، شاهدنا بقايا منزل كان قد تحصن به بعض المقاتلين الفلسطينيين الذين رفضوا الاستسلام، فما كان من نساء بيت حانون إلا أن هاجمن بأنفسهن الجيش الإسرائيلي وهن عزل وتمكن من فتح الطريق أمام المحاصرين للمغادرة. \r\n \r\n الكثير من النساء قتلن في تلك المحاولة مما يثبت ان الخوف لم يعد له وجود في حياة الفلسطينيين، فالحياة والموت أصبحا بالنسبة لهم سيان.