وقد بلغت هذه التدابير ذروتها في عام 1990 عندما وضع ميلوسيفيتش حداً لوضع شبه الاستقلال، وألغى الحكم الذاتي لكوسوفو، وأنشأ شرطة جديدة، وأغلق الصحف الألبانية، وطرد الأساتذة الجامعيين، وأثار الفوضى الاقتصادية والسياسية. \r\n \r\n كانت نية ميلوسيفيتش حينئذ إعادة فرض السيطرة الصربية والأرثوذوكسية على كوسوفو، التي كانت موقعاً لمعركة كبرى في التاريخ بين الصرب والإمبراطورية العثمانية في 1389 (أسفرت عن هزيمة الصرب)، والتي تشكل موطن أقلية صربية مهمة. لكن ما النتيجة؟ هذا الأسبوع، وبعد عقدين من الزمن تقريباً، أعلنت كوسوفو - وهي دولة ذات أغلبية مسلمة ناطقة باللغة الألبانية لن نبالغ إذا قلنا إن الصرب لن يكون مُرحباً بهم فيها، وإنه لا كنيسة أرثوذوكسية فيها ستكون في مأمن من التخريب- استقلالها عن صربيا، في مظهر معبِّر من مظاهر قانون النتائج غير المقصودة. \r\n \r\n لدى رؤية الحشود محتفلة ليلة السبت في شوارع بريشتينا، تساءلت ما إذا كان ثمة درس أعمق هنا بالنسبة لكيانات أخرى في أوروبا قد تسعى إلى الانفصال. ففي النهاية، كان هدف ميلوسيفيتش المعلن هو مجد صربيا (كانت له أهداف غير معلنة أيضا مثل الحفاظ على بنية السلطة القائمة في العهد الشيوعي؛ ولكن لا يهم). فساعد ميلوسيفيتس، الذي رفع شعار القومية الصربية، على تحويل الأقليات الصربية عبر يوغسلافيا إلى ميليشيات صغيرة. وبدورها شجعت هذه الأخيرة على ظهور ميليشيات صغيرة أخرى -كرواتية وبوسنية وألبانية وأخرى- بدأت في محاربة بعضها بعضا ضمن سلسلة من الحروب الصغيرة والمدمرة. \r\n \r\n إذا استقلت أبخازيا وأوسيتيا الجنوبية، وأعقبت ذلك حرب أهلية في جورجيا، فإنه سيصبح للروس في تلك الحالة دولة فاشلة على حدودهم. \r\n \r\n \r\n \r\n يمكنكم أن تتهموني هنا بالإغراق في تبسيط هذا السرد، ولكني أعتقد أنني لا أبالغ إذا قلت إن نتيجة هذا النشاط التي تشمل التمييز، التطهير العرقي، الحرب، كانت كارثة حقيقية بالنسبة لصربيا. فقد ازداد الاقتصاد الصربي تدهوراً، وتبخرت السيطرة الصربية على يوغسلافيا السابقة، وتعرضت العاصمة الصربية بلجراد للقصف. واليوم تبدو صربيا في طريقها إلى التفكك أيضاً: فقد اعترفت بعض البلدان الأوروبية والولايات المتحدة باستقلال كوسوفو، وهو شيء ما كان ليحدث قبل عقدين من الزمن. وعليه، فيمكن القول إن ميلوسيفيتش القومي المتعصب –الذي كان يريد أن يكون زعيما لصربيا جديدة وقوية ومزدهرة – لم يضر ببلد مثلما أضر بصربيا نفسها. \r\n \r\n لنتذكَّر هذا الدرس خلال الأشهر القليلة المقبلة عندما سيحاول آخرون في أوروبا -وربما في أماكن أخرى أيضاً- استعمال نموذج كوسوفو كسابقة. ففي النهاية، فإذا كان بمقدور الألبان الاستقلال عن صربيا، فإن سكان أبخازيا وأوسيتيا الجنوبية سيرغبون أيضاً في الاستقلال عن جورجيا، كما أن \"الباسك\" و\"الكاتالونيين\" لا يرون سبباً لعدم استقلالهم عن إسبانيا. أما في قبرص، فلا أحد يعرف ماذا يمكن أن يحدث هناك. \r\n \r\n في بعض من هذه الحالات، ثمة جيران أكبر آخرون قد يكونون مهتمين بتيسير الانفصال، تماماً مثلما كانت صربيا حريصة على تشجيع الصرب في البوسنة أو كرواتيا. ولعل أبرزهم الروس الذين تصدر عنهم إشارات الوعيد، ملمحين إلى تلك المجموعات الانفصالية الجورجية. والواقع أنه بمقدور المرء أن يفهم منطقهم. فيا لها من طريقة للانتقام من أولئك الجورجيين المحبين للناتو: تشجيع الأقليات العرقية لجورجيا على إطلاق حرب أهلية! وعلاوة على ذلك، فإن التوقيت لا يمكنه أن يكون أفضل. ذلك أننا في الأيام الأخيرة من إدارة بوش، فهل تشغل أبخازيا بال أحد؟ ثم هل سيفكر أحد في أوسيتيا الجنوبية، ونحن في غمرة أكثر الحملات الانتخابية الرئاسية الأميركية إثارة للاهتمام منذ عقود؟ \r\n \r\n بيد أنه إذا استقلت أبخازيا وأوسيتيا الجنوبية، وأعقبت ذلك حرب أهلية في جورجيا، فإنه سيصبح للروس في تلك الحالة دولة فاشلة على حدودهم. وكما نعرف انطلاقاً من أمثلة يوغسلافيا السابقة والشرق الأوسط وأفريقيا، فإن الحروب الأهلية العرقية والدينية تنتشر وتمتد إلى جيرانها كانتشار النار في الهشيم. إن الفوضى في جورجيا قد تخدم المصلحة قصيرة المدى لمجموعة صغيرة من \"البوتينيين\"- نسبة إلى فلاديمير بوتين- التواقين إلى تعزيز شبح الحرب، ومضايقة الغرب، والتمسك بالسلطة، مثل ميلوسيفيتش، في وقت من الأوقات، غير أنها قطعاً ليست في المصلحة بعيدة المدى لروسيا. \r\n \r\n سياسة روسيا تجاه الكيانات التي قد تريد الانفصال خلال الأسابيع القليلة المقبلة ستكشف إذن الكثير بخصوص ذهنية الزمرة الحاكمة في روسيا. وعليه، فإذا كان خير ورفاهية الروس المستقبليان يهمان سكان الكريملن بالفعل، فإنهم سيغلقون أفواههم ويسعون إلى تهدئة الجميع. أما إذا لم يكن الأمر كذلك، فآمل أن يتذكروا أن قانون النتائج غير المقصودة ينطبق عليهم أيضاً. \r\n \r\n \r\n \r\n آن آبلباوم \r\n \r\n \r\n \r\n كاتبة ومحللة سياسية أميركية \r\n \r\n ينشر بترتيب خاص مع خدمة \"لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست\" \r\n \r\n \r\n