\r\n ما اثار حفيظة الاتراك هو قيام مسلحي حزب العمال الكردستاني بقتل 12 جنديا تركيا وخطف ثمانية آخرين خلال غارة شنوها قبل الفجر قرب الحدود العراقية مؤخرا، تظاهر عشرات الآلاف من الاتراك للاعلان عن غضبهم وتنامت النعرات القومية الى مستويات لم تشهدها تركيا منذ الحرب التي شنت على اليونان في عام 1974. الكثير من النساء التركيات تجمعن امام مراكز التجنيد وطالبن بتدريبهن وارسالهن للاشتراك في القتال ضد المتمردين في الجبهة. ما يوجد قرب «سرناك» اصبح بالفعل اقرب ما يكون للجبهة حيث تحلق الطائرات الحربية النفاثة فوق القوافل العسكرية التي ملئت على آخرها بالجنود وهي تتهادى في طريقها للجبهة. \r\n \r\n السؤال الذي يطرح نفسه الآن هو الى اي مدى ستذهب تركيا في حربها؟ وهل ستقتصر الهجمات على عناصر حزب العمال الكردستاني؟ ام هل سيتم استهداف اكراد العراق ايضا؟ \r\n \r\n الكثير من الاتراك يشعرون بالضيق من الاستقلال الذاتي الذي يتمتع به اقليم كردستان العراق مما قد يفتح عيون الاكراد الاتراك ويدفعهم للتطلع الى تحقيق اشياء مماثلة. الصقور في الجيش التركي يعتقدون ان الطريقة الوحيدة الكفيلة بوضع حد لهذا التهديد هي «تسوية اقليم كردستان العراق بالارض وتحويله الى كومة من الركام». \r\n \r\n في محاولة لاقناع تركيا بعدم التسرع في شنها الحرب دعا مسعود برزاني رئيس اقليم كردستان العراق استجابة للضغوط الاميركية القوية التي مورست عليه متمردي حزب العمال الكردستاني لوضع نهاية للعنف الذي يمارسونه عبر الحدود. تبع ذلك بيان اصدره رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي امر بموجبه بإغلاق جميع مكاتب حزب العمال الكردستاني الموجودة على التراب العراقي. \r\n \r\n في المقابل تقول تركيا انها لن ترضى الا اذا اغلقت معسكرات حزب العمال الكردستاني الى الابد وتم تسليم قادة الحزب لها، واذا لم يتم الاستجابة لهذين المطلبين فإنها ستستمر في تصعيد تحركاتها العسكرية بل وربما تفرض عقوبات اقتصادية ضد اكراد العراق ومن الخيارات التي قد تأخذ بها تركيا اغلاق حدودها امام اكراد العراق وهي الحدود التي تعتبر البوابة الوحيدة التي تربط بين الاكراد وأوروبا والتوقف عن بيع الكهرباء لهم التي تغطي 10% من احتياجات الاكراد. يتوقع ان يعرض رئيس الوزراء التركي رجب طيب اردوغان موقف بلاده على الرئيس الاميركي بوش الذي يتوقع ان يلتقيه في واشنطن في الخامس من نوفمبر. ومن الواضح ان تركيا ثائرة وقد لا تصفي للدعوات الاميركية بضبط النفس. \r\n \r\n موقف اردوغان حاليا يتسم بالتحدي ولم يعد يظهر اي تردد في شن عمليات عسكرية عبر الحدود كما كان في السابق بالرغم من انه يدرك في قرارة نفسه ان السلاح الامثل ضد المتمردين الاكراد ليس الحرب بل الديمقراطية. \r\n \r\n حقق الاكراد تحت حكم ارودغان بعض المكاسب وسمح لهم بتعلم لغتهم الأم في مدارس خاصة وليس في المدارس الحكومية، كما تم تقديم بعض المساعدات للاكراد العاديين مما ابقى الكثيرين منهم خارج دائرة الفقر وجفف في المقابل التأييد الشعبي لحزب العمال الكردستاني. \r\n \r\n يقول البعض ان حزب العمال استأنف انشطته العسكرية بعد الانتخابات من اجل اعادة تلميع صورته لدى اكراد تركيا من خلال استفزاز الدولة التركية للقيام بأعمال وحشية ضد الاكراد العاديين مما سيؤدي في النهاية الى حدوث استقطاب كردي كردي وبالتالي القضاء على المكاسب التي حققها حزب العدالة والتنمية. \r\n \r\n ويقدم روسن كاتير وهو خبير تركي في الشؤون الاسلامية والكردية تفسيرا آخر فيقول «ان حزب العمال الكردستاني يأمل في تدويل القضية الكردية من خلال دفع تركيا لعبور الحدود الى شمال العراق» واي عبور تركي للحدود الى العراق سيلحق ابلغ الاضرار بالمحادثات التركية الاوروبية بشأن العضوية التركية للاتحاد الاوروبي: دعوة فرنسا لمنح تركيا وضعا امتيازيا في الاتحاد بدل العضوية الكاملة اثار غضب الاتراك مما ادى الى تراجع التأييد للانضمام الى الاتحاد من 74% في 2004 الى 50% هذا العام. \r\n \r\n عضوية الاتحاد الاوروبي احيت آمال الاكراد بأن يصبحوا مواطنين في دولة عضو في الاتحاد مع ما يعني ذلك من حرية ورخاء اقتصادي. \r\n \r\n لا يمكن القول ان ربع تركيا الواقع في الشرق هو تركي حيث يقيم به الاكراد وهم احفاد تلك القبائل التي اصطدمت مع الجيش اليوناني في هذه المناطق الجبلية قبل 2500 عام اي قبل ألف عام من اول وصول للاتراك الى المنطقة ولو تم تنظيم استفتاء حول الاستقلال اليوم لوجدنا ان الاكراد الذين يشكلون نحو 20% من اجمالي سكان تركيا البالغ عددهم 73 مليونا سيختارون الانفصال عن هذه الامبراطورية التي ورثتها انقرة عن العثمانيين. \r\n \r\n هناك خوف في تركيا من كل طموح وطني كردي والمشكلة الاخيرة التي نشهدها حاليا على الحدود التركية العراقية يعود السبب فيها الى خوف تركيا على وحدة ترابها الوطني كون اي كيان كردي مستقل في العراق سيكون له تداعيات كبرى على الدولة التركية نفسها. \r\n \r\n تتخوف واشنطن من جانبها من ان يؤدي النزاع التركي الكردي الى زعزعة الاستقرار في كامل المنطقة. \r\n \r\n يقدر عدد السكان الاكراد في اماكن تواجدهم بحوالي 25 مليون نسمة وتقع مناطق اقامتهم داخل تركيا والعراق وايران وسوريا والقوقاز اكبر اعداد لهم تتواجد في تركيا حيث يصل عددهم الى حوالي 12 مليون كردي. \r\n \r\n هناك اصرار تركي قوي على التمسك بالاجزاء الشرقية من الدولة في الوقت الذي تعتمد فيه تركيا على الجيش لتحقيق هذا الهدف. وتمتلك تركيا جيشا قويا يصل عدده الى حوالي 500 ألف جندي في الخدمة وبالتالي فإن تركيا لا تجد اي مصلحة لها في قيام اي كيان كردي شبه مستقل وهو وضع يتواجد الآن في شمال العراق. \r\n \r\n حزب العمال الكردستاني تنظيم ماركسي يوظف الارهاب لتحقيق اهدافه من خلال مهاجمة العسكريين والمدنيين الاتراك داخل تركيا. \r\n \r\n تقدم تركيا معلومات مضخمة عن اعداد حزب العمال الذين فروا الى شمال العراق واصبحوا مصدر احراج لاخوانهم الاكراد ولم تتردد تركيا بالتلويح بالتهديد بشن عمليات عسكرية كبرى في شمال العراق. \r\n \r\n هناك سؤال يطرح نفسه الآن وهو لماذا التهديد بالهجوم الآن؟ لان الجنرالات الاتراك يعيشون حالة يأس ويسعون لاعادة تلميع صورتهم داخل تركيا بعد الضربات الشديدة التي وجهت لهم من خلال الفوز المتكرر لحزب العدالة والتنمية في الانتخابات العامة. حزب العدالة له جذور اسلامية في الوقت الذي تنظر المؤسسة العسكرية لنفسها كحامية للنظام العلماني في البلاد. كان يكفي في الماضي ان يقوم الجيش بتنظيم انقلاب. حدوث انقلاب الآن مستبعد بسبب الدعم الشعبي القوي لحزب العدالة، كما ان الاقتصاد التركي يشهد الآن فترة نمو قوي وليس هناك رغبة لدى اي فرد في تركيا في ان يرى عملا يمكن ان يضر بالاقتصاد الوطني ويدفع تركيا للعيش مرة اخرى في ظل الارهاب والفقر. بكلمة اخرى اصبحت المؤسسة العسكرية التركية ضحية للنجاح الذي حققته تركيا وينظر الجنرالات الاتراك لأي عملية عسكرية في شمال العراق على انها ستحقق هدفين، توجيه ضربة قاسية لحزب العمال الكردستاني وجمع الشعب التركي حولهم من جديد. \r\n \r\n اي عملية غزو ستثير غضب الولاياتالمتحدة. وهذا تدركه تركيا جيدا وتدرك ايضا ان الولاياتالمتحدة بحاجة للوصول الى قاعدة انجرليك الجوية وبحاجة ايضا للعراق التركية لامداد قواتها بما تحتاجه من غذاء وذخيرة وعتاد وهي بالتالي على استعداد لغض الطرف. رد الفعل الاوروبي في نظر انقرة لن يتعدى مجرد احتجاج لفظي. \r\n \r\n هناك مشكلة قد تواجه تركيا اذا ما اقدمت على غزو شمال العراق وهي ان الامور قد لا تسير بالشكل الذي تريده انقرة ذلك ان مقاتلي حزب العمال مسلحون جيدا ومصممون على مقاومة اي تقدم تركي يساعدهم في ذلك الطبيعة الجبلية الوعرة للمنطقة، هذا الشيء قد يتسبب بإحراج المؤسسة العسكرية التركية وسيعمل بالتأكيد على خلق ميزان جديد للقوى في تركيا لن يكون بالتأكيد في صالح العسكر. \r\n \r\n ولو قدر للعملية العسكرية التركية ان تنجح، فإن ذلك قد يفتح شهية تركيا لضم بعض الاراضي اليها مما سيدفع اطرافا اقليمية ودولية للتدخل وسيعمل على اطلاق شرارة عمليات ارهابية كثيرة ضد اهداف تركية. \r\n \r\n في نفس الوقت يعمل القادة الاكراد على اقامة علاقات جيدة مع انقرة، فلا احد في العراق سواء الاكراد او الحكومة المركزية راغب برؤية مغامرة عسكرية تركية على الارض العراقية. \r\n \r\n ان اي غزو لن يحدد مصير حزب العمال الكردستاني وحده بل مصير تركيا أيضا \r\n