رفع الجلسة العامة لمجلس النواب ومعاودة الانعقاد غدا    جامعة الزقازيق تعقد ندوة تعريفية ببرنامج رواد وعلماء مصر    بعد قائمة الأساقفة المعترضين.. الكنيسة الأرثوذكسية تعلن تأجيل السيمنار العاشر    دمياط تعلن استعدادها لزراعة 35 ألف فدان من القمح    أمين مساعد الأمم المتحدة: مبهورون بمستوى التنمية فى مصر ونشكر الرئيس السيسى    لمواجهة الفقر المائي.. الرئيس السيسي: أنفقنا مبالغ ضخمة لتشييد محطات معالجة للمياه    الاشتباه في عنصر مخابرات أمريكي سرب وثائق سرية عن تحركات إسرائيل لضرب إيران    لحظة مقاومة "السنوار" لجنود الاحتلال تتصدر غلاف "صوت الأزهر" - صورة    وزير الصحة العراقي: التعامل مع النازحين كان أول ملفاتنا بعد تحرير البلاد    حزب الله يعلن قصف قاعدة عسكرية في صفد بشمال إسرائيل    المجلس الوطنى الفلسطينى:انتهاكات المستوطنين باقتحام الأقصى إرهاب منظم    السوبر المصري.. تشكيل بيراميدز لمواجهة الزمالك في نصف النهائي    المشدد 3 سنوات لمتهم انضم لجماعة إرهابية وإدراجه على قوائم الإرهاب    واقعة دهس عامل الدليفري.. قرار جديد من محكمة جنايات الإسكندرية- صور    رصاصة طائشة تنهي حياة شاب في قنا    إصابة 8 لاعبين دراجات بطريق مصر إسكندرية الصحراوي    "نافذة على فلسطين".. برنامج أفلام خاص في مهرجان الجونة السينمائي    نحتاج مليون وظيفة سنويًا.. السيسي: انخفاض معدل البطالة إلى 6.5%    فيلم "196 متر" ل شكيب بن دياب ينافس في مهرجان الجونة السينمائي    صلاة واحدة تغفر الذنوب مهما بلغت.. مرة في الشهر أو العمر تكفيك    في هذه الحالة..الرئيس السيسي : مراجعة الموقف مع صندوق النقد الدولي    نظام غذائي متوازن لصحة الجهاز الهضمي    إعلام إسرائيلي: سماع دوي انفجارات عدة في الجليل الغربي    ندب الدكتور حداد سعيد لوظيفة رئيس جهاز التفتيش الفني على أعمال البناء    «الداخلية» تستقبل وفد سفراء الدول الإفريقية لتدريب القوات الخاصة    رد الجنسية المصرية ل24 شخصًا.. قرارات جديدة لوزارة الداخلية    «القاهرة» الأولي على إفريقيا في تصنيف "ليدن" الهولندي    وزارة الداخلية تواصل جهودها لتحقيق الأمن ومواجهة كافة أشكال الخروج عن القانون    وكيل أوقاف الدقهلية ورئيس جامعة المنصورة يفتتحان معرض الكتاب بالمكتبة المركزية    محافظ أسيوط: بدء أعمال رصف طريق ترعة بهيج بمركز أبنوب    حداد سعيد رئيسا لجهاز التفتيش على أعمال البناء بالإسكان    «شبح الإكس يطاردهم».. 3 أبراج تعتقد أن شريكها السابق أفضل    مهرجان القاهرة الدولي للطفل العربي يكشف عن أعضاء لجنة تحكيم مسابقة عصام السيد    استشهاد 759 فلسطينيًا برصاص الاحتلال في الضفة المحتلة منذ أكتوبر الماضي    وزير الطاقة القبرصي: مصر شريك مهم داعم للأهداف العادلة لاستغلال الثروات الطبيعية    بعد الاستبعادات.. استمرار المنافسة في السباحة بين قائمتي ياسر إدريس ورؤوف نور    صحة الدقهلية: الكشف على 1806 مرضى ضمن فعاليات القوافل العلاجية    قوافل طبية لعلاج المواطنين مجانا بالشرقية    حكم استخدام زخارف المصحف في ديكورات الأفراح.. الأزهر للفتوى يوضح    الفنان محمد فوزي.. ذكرى وفاة عبقري الموسيقى    أحمد شوبير يستنكر تجاهل استاد العاصمة الإدارية لمباريات الدوري    هاتريك ميسي يقود إنتر ميامي لرقم قياسي في الدوري الأمريكي    «كيفية التأسي بالنبي».. ندوة توعوية للمنظمة العالمية لخريجي الأزهر في مالي    ما معنى «والله يعلم وأنتم لا تعلمون»؟.. أسرار الآية (216)    مفتي الجمهورية يوضح حكم عمليات تجميل الأنف    براتب 14000 جنيه.. «العمل» تعلن 12 وظيفة في مجال السياحة بجنوب سيناء    «ارتفاع عز وهبوط الاستثماري».. أسعار الحديد والأسمنت اليوم الأحد 20 أكتوبر 2024    السكك الحديدية تنقل السائحين من محطة بشتيل لأسوان لمشاهدة تعامد الشمس    استشاري: السيدات أكثر عرضة للإصابة بهشاشة العظام «المرض الصامت»    التشكيل المتوقع لمواجهة ليفربول ضد تشيلسي يوم الأحد    اليوم.. نظر قضية ميار الببلاوي والشيخ محمد أبوبكر    دياب: إعلان مواعيد مباريات الدورى خلال ساعات.. وانتخابات رابطة الأندية نهاية الشهر    أمريكا تُحقق في تسريب المعلومات بشأن خطط إسرائيل لمهاجمة إيران    اليوم.. محاكمة 6 متهمين في «خلية الحدائق»    تامر عاشور يشدو بأروع أغانيه لليوم الثاني بمهرجان الموسيقى    ملف يلا كورة.. قرعة الدوري.. الهزيمة الأولى لأرسنال.. و"يد الأهلي" بطلًا لأفريقيا    هشام يكن: الزمالك سيدخل لقاء بيراميدز بمعنويات عالية    السيارة اصطدمت بالكارتة.. إصابة 3 أشخاص بالمنيا الجديدة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أفضل المتعصبين وأكثرهم تألقاً
نشر في التغيير يوم 18 - 02 - 2010

في بريطانيا وأستراليا، اعتقلت السلطات العديد من الأطباء البشريين والمهندسين المسلمين في أعقاب اكتشاف سلسلة من السيارات المفخخة قبل انفجارها. والحقيقة أن إلقاء القبض على هؤلاء المتخصصين من الحاصلين على تعليم جيد، فضلاً عن الدور الذي يلعبه الدكتور المصري أيمن الظواهري كنائب لرئيس تنظيم "القاعدة"، يثير عدداً من التساؤلات التي تتجاوز مسألة السخط بين المسلمين والعواقب المترتبة على الكوارث الأميركية في الشرق الأوسط.
إن الأطباء والمهندسين أشخاص محترفون، نشأوا نشأة طيبة، وأصبحوا أعضاءً راسخين في المجتمع، وهم ليسوا مجرد شخصيات هامشية كتلك التي قد نتوقع منها أن ترتكب تصرفات عنيفة يائسة. فضلاً عن ذلك فهم ينتمون إلى خلفية علمية، والعلم عادة لا يرتبط بالتعصب الديني أو السياسي.
مما لا شك فيه أن أقلية من المسلمين المتعصبين تعتنق العنف السياسي، وأن عدداً ضئيلاً من أصحاب المهن المتخصصة بين المسلمين يفجرون القنابل. إلا أن انتماء أطباء ومهندسين إلى حركات أصولية متعصبة لابد من أن يستوقفنا. الحقيقة أن زعماء الحركات المتعصبة كثيراً ما ينتمون إلى خلفية مهنية. فالأطباء الذين ينظمون الجماعات استناداً إلى تفسيرات حرفية للنصوص المقدسة، والمهندسون الذين يتزعمون الأحزاب السياسية الإسلامية هم في الحقيقة من بين الشخصيات المألوفة في العالم الإسلامي.
يكمن أحد الأسباب التي تؤدي إلى هذا في الفرق بين ثقافة العلوم الأساسية وثقافة العلوم التطبيقية، ففي كل أنحاء العالم يميل الأطباء وعلماء الأحياء إلى التشكك وليس التدين، إلا أنه ليس من غير المعتاد أن نجد بين المهندسين وعلماء الطب الحيوي بعض المحافظين، بل وحتى المتعصبين دينياً.
ولا ينفرد الإسلام بهذه الظاهرة، ففي الولايات المتحدة قاد مسيحيون، ممن يفسرون النصوص المقدسة حرفياً رغم انتمائهم إلى خلفيات علمية، حملات التصدي لنظرية داروين بشأن النشوء والتطور. والحقيقة أن أنصار التفسير الحرفي للنصوص المقدسة بين الأطباء أكبر عدداً مقارنة بعددهم بين علماء الأحياء.
وعلى نحو مماثل، ليس من غير المعتاد في البلدان الإسلامية أن نجد أساتذة الهندسة يدينون داروين باعتباره محتالاً، كما يؤكد العديد من الأطباء المشهورين أن القرآن أشار إلى العديد من التطورات التكنولوجية والعلمية الحديثة قبل أربعة عشر قرناً من الزمان. وفي العالم الإسلامي تتشابك العلوم التطبيقية بصورة أكبر مع الدين والسياسة. ففي إطار جهودهم الرامية إلى التغلب على قرون من التخلف العسكري والتجاري، سعى المسلمون إلى التصنيع، وتنظيم الإدارة، وتبني الأشكال الحديثة من الحياة السياسية، إلا أن هذه الجهود كانت مصحوبة بحرص دائم على تبني هذه التغييرات من دون مساس بالثقافة الإسلامية أي اكتساب الخبرات التكنولوجية والالتزام بالانتماء إلى الإسلام في ذات الوقت. وفي غمار هذه الجهود حظي أصحاب المهن المتخصصة بالعلوم التطبيقية، باعتبارهم الأشخاص القادرين على مساعدة الدول الإسلامية على اللحاق بالغرب، بقدر عظيم من التبجيل والاحترام. وارتفع الطلب على البرامج الهندسية، واستمتع المهندسون بمكانة تشبه مكانة المحامين والأطباء في الغرب. وعلى هذا فقد سارع أفضل الشباب المسلمين وأكثرهم تألقاً إلى الالتحاق بالعلوم التطبيقية، بينما تضاءل الاهتمام بالعلوم الأساسية.
فضلاً عن دورهم المهم في التحديث، شارك العلماء التطبيقيون أيضاً في المناقشات الثقافية. فقد يختار أحد الأطباء مساراً علمانياً، أو قد يحاول الدمج بين الإيمان التقليدي والمبادئ المهنية الحديثة. وارتبطت هذه الخيارات على نحو مباشر بالمناقشات الدائرة بشأن التوجهات التي ينبغي للمجتمع ككل أن يتخذها.
كان علماء الدين المسلمون يكتسبون مكانتهم من خلال إلمامهم بنوع من المعارف المفيدة على المستوى الاجتماعي، والذي يتمثل في الشريعة الإسلامية، إلا أن العلوم التطبيقية اليوم أصبحت تشكل أيضاً معارف مفيدة للعالم المعاصر. ونتيجة لهذا، فقد أصبح بوسع الأطباء والمهندسين، في ظل بيئة معاصرة، أن يصلوا إلى مكانة ذات سلطة دينية، فيديرون جماعات تدريس القرآن وتفسير النصوص القرآنية. إن العالم الإسلامي موطن للعديد من الحركات الناجحة التي تجمع بين الحفاظ على العقائد والظهور بمظهر معاصر يدعم الرأسمالية ويعتنق التكنولوجيا. وكان أصحاب المهن المتخصصة يشكلون جزءاً أساسياً من هذه الحركات، وذلك لأن الحداثة تشجع على العمل والحركة بدلاً من قبول الواقع. والحقيقة أن الأفكار السياسية من السهل أن تترجم إلى لغة دينية، وتحت الظروف القصوى يصبح من الممكن اللجوء إلى الجهاد العنيف كتعبير عن الإحباطات السياسية.
إلا أن إمكانية تبني العنف لا ينبغي لها أن تحوّل انتباهنا عن حقيقة مفادها أن القناعات الأصولية تؤدي أيضاً إلى تحريك أنشطة سياسية إيجابية. إن الإسلاميين (من أمثال المنتمين إلى حركة حماس) يكتسبون الشهرة بين المسلمين بسبب الخدمات الاجتماعية وأشكال الدعم الاجتماعي التي يساعدون على تنظيمها وتقديمها. والحقيقة أن الأصوليين من أصحاب المهن المتخصصة كثيراً ما يبرعون في مثل هذه الأنشطة، ويعبر أسلوبهم الديني المتزمت عن أخلاقيات مثالية ذات قواعد صارمة شبيهة بالقيود والضوابط التي تحكم أي مشروع هندسي، فيتصدى المهندسون لمهمة تغيير العالم طبقاً لرسم هندسي أولي، أو وفقاً لما تعودوا عليه.
إن العنف السياسي، ذا الصبغة الدينية سوف يستمر دوماً في اجتذاب بعض أصحاب المهن المتخصصة، إلا أننا نؤكد مرة أخرى أن عدد هذه الفئة ضئيل للغاية. إن أغلبية المسلمين الواعين مسالمون، ولقد تبنى أغلب الإسلاميين اليوم سياسات أكثر اعتدالاً وميلاً إلى الديمقراطية.
إن النزعة الإسلامية تتحول بالتدريج إلى شكل من أشكال الشعوبية اليمينية. ولكن مثلهم كمثل المسيحيين اليمينيين في الولايات المتحدة، يستطيع الإسلاميون أن يشكلوا جزءاً مشروعاً من الساحة السياسية الديمقراطية. ومن بين فضائل الديمقراطية أنها قادرة على تثبيط الميول العنيفة. وإن كنا راغبين في تشجيع الميول الديمقراطية في الإسلام السياسي، فلابد من أن نتعلم كيف ننظر إلى الإسلاميين باعتبارهم خصوماً سياسيين وليسوا مجرد جماعة من الأعداء الذين قد يكون بينهم من يحملون شهادات في الطب والهندسة.
تانر إيديس*
* ولِد وتعلم في تركيا، وهو أستاذ الفيزياء المساعد بجامعة ترومان في ميسوري بالولايات المتحدة. وأحدث مؤلفاته كتاب بعنوان "وهم الانسجام: العلم والدين في الإسلام" والمقال ينشر بترتيب مع "بروجيكت سنديكيت"


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.