\r\n البلد الذي التحق مؤخراً بحلف شمال الأطلسي، أما الهجمات فهي تستهدف فضاء الإنترنت. وإذا كان المسؤولون عن الهجمات معروفين إلى حد ما، فإنه من الصعب إثبات هوياتهم، وهو ما يقود إلى معضلة، أو بالأحرى إلى معضلات عديدة. فمثلاً هل يمكن التعامل مع هجمات الإنترنت على أنها \"هجمات مسلحة\"؟ وهل يتعين بالتالي على \"الناتو\" الرد عليها؟ وإذا كان الجواب بنعم فكيف يمكن القيام بذلك؟ لا يوجد جواب شافٍ لتلك الأسئلة. وإذا كنت تعتقد أن الإرهابيين غير التابعين للحكومات هم أسوأ مشاكلنا، فقد حان الوقت لمراجعة هذا الرأي. \r\n ولإضافة بُعد آخر من التعقيدات على القصة من المهم إدراك أن جذور المشكلة لا تكمن في مستقبل الإنترنت عالي التقنية كما يتوقع البعض، بل في ماضي الحرب الباردة، الذي مازال قائماً. فقبل أسابيع خلت قررت الحكومة الإستونية إزالة تمثال برونزي لجندي سوفييتي من ساحة في وسط العاصمة \"تالين\" إلى مقبرة خارج المدينة مع رفات الجنود السوفييت الذين دُفنوا تحت التمثال. وبرغم أن ذلك القرار لا يمكن أبداً التعامل معه على أنه ذريعة للتدخل في البلد، فإن الأقلية الروسية في إستونيا التي وصل أغلبها إلى البلاد بعد دخول الجيش الأحمر إلى البلد وطرده الألمان في عام 1945 اعتبرت التمثال رمزاً لتواجدها وحقها في الاستمرار في البلد. بيد أن الإستونيين الذين هُجر عشرهم إلى سيبيريا إبان العهد السوفييتي يشكل التمثال بالنسبة لهم رمزاً للقمع والاستبداد الشيوعي. \r\n وما أن أزيل التمثال من وسط الساحة في العاصمة حتى أعقبته مظاهرات أسفرت عن مصرع أحد المتظاهرين الروس، وإقدام مجموعة من المشاغبين على مهاجمة السفارة الروسية في إستونيا، ليعقب تلك الأحداث تعطل مواقع الإنترنت التابعة للحكومة والبنوك والصحف. ولو كانت الهجمة على الإنترنت التي تعرضت لها إستونيا قد طالت مكاناً آخر لما انطوت على كل هذه الأهمية، فكما أطلعني خبير في مجال الدفاع بإحدى الدول الملتحقة مؤخراً بحلف شمال الأطلسي، لم تكن هذه الهجمة لتلحق ضرراً بالغاً ببلاده لغياب بنية تحتية إلكترونية متطورة فيها. لكن إستونيا التي يطلق عليها مواطنوها إستونيا الإلكترونية (e-Stonia) تمارس نوعاً من الحكومة الإلكترونية يعد متقدماً حتى بالقياس إلى المعايير الموجودة في أوروبا الغربية، حيث يدفع الإستونيون الضرائب على الإنترنت، ويصوتون على الإنترنت، كما ينجزون معاملاتهم البنكية إلكترونياً. هذا وتضم بطاقات هويتهم رقائق إلكترونية، وعندما يلتقي أعضاء الحكومة يستخدم الوزراء أجهزة الكمبيوتر المحمول. لذا ليس غريباً أن تشكل الهجمات التي تتعرض لها المواقع الإلكترونية مشكلة حقيقية للبلد. \r\n وبالطبع، وكما هو الحال في مثل هذه الحالات، يصعب تحديد -على وجه الدقة- المصدر الذي تأتي منه الهجمات، إذ خلافاً للإرهاب الكلاسيكي تتميز حرب الإنترنت المعاصرة بانعدام التوقيع، أي يصعب تحديد من الذي يشنها. وبرغم أن بعض الهجمات جاءت من أجهزة كمبيوتر يُقال إنها تعود إلى جهات حكومية في روسيا، فإن هجمات أخرى جاءت من البرازيل وفيتنام. والنتيجة أنه حتى الخبراء الإستونيون تحفظوا عن توجيه اتهامات مباشرة إلى الحكومة الروسية لانعدام الإثباتات اللازمة على ذلك، لاسيما وأن قراصنة الإنترنت يستطيعون تشكيل سلسلة مترابطة تعمل في نقاط متعددة عبر العالم لتخريب المواقع الإلكترونية. وما علينا سوى أن ننظر إلى المخربين الصينيين الذين يستغلون هذه النقطة ويستخدمون أجهزة كمبيوتر في أماكن مختلفة من العالم لإرسال فيروسات إلى المواقع الإلكترونية التابعة للحكومتين الأميركية واليابانية عندما تسوء علاقاتهما مع الصين. \r\n وقد يشكل عنصر انعدام التوقيع والطابع الجديد الذي تتميز به الهجمات الإلكترونية حافزاً للاستمرار في تبنيها، لاسيما إذا كانت تلك الهجمات، كما يعتقد البعض في \"الناتو\" بمثابة اختبار لمدى استعداد الغرب لخوض حرب الإنترنت، ومدى التزام حلف شمال الأطلسي بالدفاع عن أعضائه الجدد. ويعتقد البعض أيضاً أن الحكومة الروسية تجرب أنواعاً مختلفة من التضييق والتحرش لمعرفة أفضلها نتيجة: أهي الهجوم الكلامي على إستونيا، أم استخدام خطوط الأنابيب التي تمر عبر ليتوانيا، أم فرض حصار على صادرات بولندا من اللحوم ومنتجات جورجيا من الخمور؟ وإذا كان ذلك هو غرض روسيا فإن الحرب الإلكترونية أثبت فعلاً نجاعتها، بحيث لا تخلف سجالاً واسعاً، ولا تتسبب في انتقام اقتصادي، كما أنها لا تبدو \"حقيقية\" ولا تثير مخاوف البعض في أوروبا من التزود بمصادر الطاقة على المدى البعيد. \r\n \r\n كاتبة ومحللة سياسية أميركية \r\n \r\n ينشر بترتيب خاص مع خدمة \"لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست\" \r\n