\r\n وأنا شخصياً أعتقد أن وسائل الإعلام مُحقة في الاهتمام بهذا الموضوع، الذي قد يبدو بسيطاً في حين أن الحقيقة هي أن له تداعيات كبيرة، علاوة على أن التوقيت الذي جاء فيه يشهد تغييراً في طبيعة العلاقات بين الدولة المضيفة وهي المملكة المتحدة والجالية الإسلامية التي يزداد عددها باطراد حيث يقال إنه قد وصل الآن إلى ما يقارب 1,5 مليون نسمة. \r\n \r\n ومما أضفى على الموضوع أهمية هو أنه كان قد أثير بواسطة جاك سترو، وهو سياسي كبير وجاد يسعى إلى تولي منصب نائب رئيس الوزراء، عندما يتخلى نائب رئيس الوزراء الحالي الذي يتعرض إلى سخرية شديدة \"جون بريسكوت\" عن منصبه العام القادم. وجاك سترو يتحرك في الوقت الراهن عبر حقول الألغام السياسية بحرص وحذر شديدين، نظراً لأن 20 في المئة من ناخبي دائرته في بلاكبيرن هم من الآسيويين المسلمين الذين يعتمد سترو على دعمهم في الانتخابات. \r\n \r\n وكان جاك سترو قد أصبح وزيراً للخارج عندما استقال روبن كوك من المنصب بسبب غزو العراق ولكن الأمر تطلب منه فترة طويلة حتى تمكن من الوقوف على قدميه وأصبح صديقاً حميماً لكوندوليزا رايس وتمكن من لعب دور دولي رئيسي في التفاوض مع إيران بشأن سياستها النووية. وهناك إشاعات متداولة مؤداها أن موقفه الصلب ضد ضرب إيران قد أغضب \"المحافظين الجدد\" في واشنطن وأنه كان السبب في إقناع بلير بنقله من وزارة الخارجية. \r\n \r\n وهناك عدد من النقاط التي يبدي سترو الرغبة في مناقشتها وإبداء وجهة نظره بشأنها: فهو يقول أولاً: \"إن أهمية اللقاء المباشر، عند المقارنة بالرسائل أو حتى بالمحادثة الهاتفية هو أنك تستطيع في اللقاء المباشر أن ترى ماذا يعني الشخص الآخر وليس فقط سماع ما يقول\". \r\n \r\n وهو يعتقد أن ارتداء الحجاب الكامل (النقاب) يجعل \"العلاقات الإيجابية الأفضل بين الجاليات أكثر صعوبة... وأن إخفاء الوجه هو بيان واضح عن الرغبة في إظهار الاختلاف والانفصال\". \r\n \r\n وفيما بعد، وفي حديث لإذاعة \"بي.بي.سي\" من لانكشاير تحدث سترو عن ذلك الموضوع وقال إنه: \"موضوع يحتاج إلى مناقشة لأننا قادرون في مجتمعنا على التواصل، خصوصاً مع الأجانب، وذلك من خلال القدرة على قراءة تعبيرات وجوههم لأننا إذا لم نستطع قراءة وجوه الناس، فإن ذلك يؤدي إلى نوع من الانفصال\". \r\n \r\n وهو يوضح بجلاء أنه يدافع عن حق المرأة في ارتداء غطاء الرأس، وهو الأمر الذي أثير حوله لغط كثير في فرنسا خلال العام الماضي، كما يزعم أنه يفهم السبب الذي يجعل بعض النساء راغبات في تغطية رؤوسهن. \r\n \r\n وفي الحقيقة أنني قد اندهشت بسبب ردود الفعل غير المتزنة على ما جاء في مقال سترو الذي أرى أن ما جاء فيه كان منضبطاً ومتروياً. وقد كشفت تلك الردود السريعة عن أن الجالية المسلمة منقسمة بشدة على نفسها بشأن موضوع الحجاب. أما الجاليات غير الإسلامية فيمكن أن يقال إنها -في مجملها- قد أثنت على موقف سترو ووجهة نظره حول هذا الموضوع خصوصاً وأنه يلاحظ أن هناك زيادة في أعداد النساء اللائي يرتدين الحجاب في بريطانيا وهو الشيء الذي لا يلقى تقديراً من قبل أغلبية الناس، وإن كانت الإحصائيات تشير إلى أن أعداد من يرتدين الحجاب من النساء المسلمات تقدر بالآلاف فقط وأنها لا تزيد على ذلك. \r\n \r\n لكن نائب البرلمان البريطاني \"سايمون هيوز\"، زعيم الديمقراطيين الليبراليين، عبَّر عن وجهة نظر العديد من أعضاء البرلمان عندما قال في تصريح له: \"إنه لشيء مثير للدهشة أن يعتقد جاك سترو أنه من الملائم أن يطلب من النساء المسلمات رفع الحجاب عن وجوههن لأن مسألة التعليق على الزي الذي يرتديه أفراد أي جالية من الجاليات المكونة لدائرة انتخابية معينة، والتي تنتمي إلى خلفيات ثقافية متنوعة، تعتبر من الأمور التي تتصف بدرجة عالية من الحساسية\". \r\n \r\n مع ذلك فإن داود عبدالله عضو مجلس المسلمين في بريطانيا والذي ينحدر من منطقة الكاريبي يعتقد أن مسألة ارتداء الحجاب أو عدم ارتدائه من المسائل الشخصية التي ترجع لكل امرأة على حدة. \r\n \r\n وهو يقول عن ذلك: \"حتى داخل الجالية الإسلامية نجد خلافاً بين علماء الدين حول مسألة الحجاب ورأيي أنا الشخصي هو أنه إذا ما كان ارتداء الحجاب ستترتب عليه متاعب يمكن تجنبها فإنه يجوز خلعه، وإذا لم تكن هناك مثل هذه المتاعب فإن ارتداء الحجاب الذي يغطي الرأس أوْلى\". \r\n \r\n وهناك خلفية سياسية لملاحظات جاك سترو. ففي الفترة الأخيرة تحدث كل من الدكتور \"جون ريد\"، وزير الداخلية، و\"روث كيلي\" زميلته في المجلس وكذلك \"ديفيد كاميرون\" زعيم \"المحافظين\" عن الحاجة إلى تجنب تطوير الجاليات المختلفة على أسس متوازية. \r\n \r\n فمصرع 52 شخصاً في صيف 2005 في مواصلات لندن في أعقاب عمليات تفجير قنابل قام بها متطرفون دينيون جعل السياسيين وغيرهم مدركين لأخطار حدوث نوع من التباعد الكبير بين المجموعات الإثنية والدينية الأمر الذي قد يؤدي على حدوث انفصال فعلي بينها في نهاية المطاف. \r\n \r\n ومما لاشك فيه أن جاك سترو كان يعرف أن \"كانون كريس تشايفرز\" من كاتدرائية بلاكبيرن قد اشتكى منذ عدة أيام من أنه لم يتم بذل جهود كافية في مجال التقريب بين الجاليات مع بعضها بعضاً. \r\n \r\n لبعض العقود كان مفهوم التنوع الثقافي داخل المجتمع المتعدد الأجناس مقبولاً على نطاق واسع في بريطانيا إذا استثنينا طبعاً الجناح اليميني المتطرف. أما في \"ويست مينيستر\" فإن ما يبدو هو أن المزاج العام يمر الآن بمرحلة تغيير. \r\n \r\n وموقف المملكة المتحدة اللين والليبرالي في نفس الوقت تجاه هذا الموضوع ينظر إليه الآن من قبل البعض على أنه يؤدي إلى تباعد الجاليات عن بعضها بعضاً أكثر من ذي قبل بدلاً من أن تتقارب فيما بينها تدريجياً كما هو مفترض، وهو أمر له مدلولات خطيرة على المدى الطويل. \r\n \r\n \r\n والمملكة المتحدة باعتبارها دولة ديمقراطية غربية علمانية يوجد فيها في الوقت الراهن حوار جاد يدور حول البحث عن أفضل الطرق للتواصل مع الجالية الإسلامية المتزايدة عدداً التي تعيش فيها. وهذا الحوار في نظري حوار عاقل وصحي وضروري في الوقت ذاته. \r\n \r\n