\r\n وتحيل هذه التغيرات إلى ظاهرة باتت تقلق واشنطن التي تسعى إلى احتواء إيران وعزل سوريا، تتمثل في تطور العلاقات ليس فقط بين حكومتي البلدين، بل أيضاً بين الشعبين على أكثر من صعيد في وقت تعرف فيه المنطقة انتقالاً في النفوذ من أيدي السُّنة إلى الشيعة بزعامة إيران. \r\n وبالطبع يرجع ذلك في جزء منه إلى الولاياتالمتحدة نفسها التي ساعدت على ظهور حكومة عراقية يهيمن عليها الشيعة بعد سقوط نظام صدام حسين وحكومته السنية. غير أن التقارب بين سوريا وإيران يعزى أيضاً إلى الاعتقاد السائد في العواصم العربية بأن إدارة الرئيس بوش على وشك عقد صفقة مع إيران بشأن العراق والأسلحة النووية. لذا شرعت الحكومات العربية التي كانت عدائية تجاه إيران في تليين مواقفها بعد عقود من العلاقات المتوترة مع طهران. فقد التقى الرئيس المصري حسني مبارك مع مسؤول الأمن القومي الإيراني علي لاريجاني في القاهرة مؤخراً، كما قام وزير الخارجية السعودي الأمير سعود الفيصل بزيارة إلى طهران خلال هذا الشهر وأكد علاقات الصداقة بين البلدين. ومن جانبهم بعث المسؤولون الإيرانيون في الآونة الأخيرة برسائل الصداقة إلى العديد من دول الخليج العربي. وفي ظل هذا النشاط المحموم الطاغي على المنطقة استطاعت سوريا تعظيم قوتها من خلال انخراطها في لعبة مزدوجة بين الطرفين. فهي من جهة تمنح إيران فرصة ممارسة نفوذ يمتد من سوريا إلى الأراضي الفلسطينية تحت سلطة \"حماس\" التي تعتبر حليفة لسوريا وإيران. ومن جهة أخرى تعتبر سوريا نفسها، وهي المترعة بالطوائف الدينية والعرقيات المختلفة، لاعباً أساسياً ضمن الجهود السُّنية الرامية إلى الحد من تمدد النفوذ الشيعي في المنطقة. وقد ساعدها التوجه الأخير إلى اجتذاب الاستثمارات العربية من الخليج وتحسين صورتها لدى جيرانها العرب. \r\n وفي هذا الصدد يقول أيمن عبد النور، المحلل السياسي وأحد أعضاء حزب \"البعث\" الإصلاحيين \"إن سوريا تحاول استخدام دورها المحوري للاستفادة بأقصى درجة ممكنة من الإيرانيين والعرب\". وبينما يتفق المراقبون السياسيون على أن استراتيجية سوريا في التعامل مع محيطها سواء العربي، أو غير العربي ساهمت في تعزيز موقفها الإقليمي وسط عزلة أوروبية وأميركية، يحذر البعض الآخر من خطورة هذه الاستراتيجية وأثرها السلبي على دمشق، لاسيما إذا نجحت إيران في عقد صفقة مع الولاياتالمتحدة حول برنامجها النووي وتخلت عن حليفتها دمشق. وهو التخوف الذي يؤكده مروان القبلان، أستاذ العلوم السياسية بجامعة دمشق الذي يعترف بوجود \"قلق لدى المسؤولين السوريين من عقد إيران صفقة مع واشنطن، ومن أن تستخدمهم سوريا كورقة لشراء ما تريده إيران من أميركا\". والأخطر من ذلك أن الجهود السورية لتدعيم المذهب الشيعي في أجزاء من سوريا، خصوصاً في الشمال تأتي في وقت تعرف فيه الأفكار الإسلامية المتشددة انتعاشاً غير مسبوق. \r\n ورغم استناد العلاقات الإيرانية- السورية بالدرجة الأولى إلى البعد السياسي، إلا أن تداخل السياسي بالديني قد يؤدي إلى تنامي التوتر الطائفي في البلاد وتغذية الحساسيات المذهبية التي تعتمل بقوة داخل نسيج المجتمع السوري، ما حدا بالحكومة إلى منع الصحف من تسمية الطوائف العراقية عند تناول موضوع بلاد الرافدين. ويذكر أيضاً أن العلاقات المتنامية بين سوريا وإيران رغم قدمها إلا أنها لم تشهد التطور النوعي الحالي إلا مؤخراً. فقد وقعت سوريا اتفاقيات عسكرية واقتصادية موسعة مع طهران تغطي مجالات كثيرة تتوزع بين مشاريع الاتصالات والتعليم العالي، كما ستقوم سوريا بشراء الصواريخ من إيران مقابل إقدام هذه الأخيرة على بناء معامل الإسمنت وصنع السيارات في سوريا. \r\n ومن ناحيتها بدأت الدول العربية تتقارب مع سوريا بعد سنوات من العلاقات الفاترة. فقد استقبلت سوريا ملك البحرين في الأسبوع الجاري، كما التقى بشار الأسد بالرئيس المصري حسني مبارك، فضلاً عن المكالمة الهاتفية التي أجراها الرئيس السوري مع العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني. ويرجع التقارب العربي- السوري حسب سامي مبيض، المحلل السياسي في دمشق، إلى \"الثقة التي ضختها إيران في دمشق ما جعلها تقف في وجه الضغوط الغربية وتقاومها، ولاشك أن إيران تشير عليهم بالصمود\". ويعتقد الدبلوماسيون الغربيون أن الميل الحالي لسوريا نحو إيران وإدارة ظهرها لأوروبا والولاياتالمتحدة إنما يرجع إلى الصراع الداخلي داخل دهاليز السلطة بين تيارين أساسيين يرى الأول ضرورة انفتاح سوريا على أوروبا، في حين يدفع التيار الثاني الأكثر قوة باتجاه علاقات أوثق بين دمشق والشرق. \r\n وبينما كانت العلاقات السورية- الإيرانية في بداية عهد الثورة الإيرانية لصالح دمشق، حيث اصطف حافظ الأسد إلى الجانب الإيراني في حربها الضروس مع نظام صدام حسين، أصبحت اليوم في يد اللاعب الإيراني بعدما تغيرت الخريطة الإقليمية وبرزت إيران كقوة تحتاجها سوريا لتعزيز موقفها ومجابهة الضغوط الغربية. ولطمأنة السوريين من مخاوف الصفقة المحتملة بين إيرانوالولاياتالمتحدة وتداعياتها على دمشق، صرح السفير الإيراني لدى سوريا محمد حسن أختاري في لقاء صحفي بأن إيران لن تعقد أية صفقة مع الغرب \"إذا كانت تناقض المصالح السورية\"، مضيفاً أن إيران منذ بداية الثورة الإسلامية أتتها فرص عديدة لعقد صفقات مع الغرب \"لكنها لم تفعل، ولم تبعْ أصدقاءها\". \r\n \r\n مايكل سلاكمان \r\n مراسل \"نيويورك تايمز\" في سوريا \r\n ينشر بترتيب خاص مع خدمة \"نيويورك تايمز\" \r\n \r\n