\r\n لقد انفقت السنوات الخمس والعشرون الاخيرة من عمري في دراسة النزاعات, وحالات الطوارىء الانسانية وكوارث انتهاك حقوق الانسان في افريقيا والكتابة عنها. وانا مطلع جدا على الانواع المتعددة من التبريرات الرسمية التي تقدم كذرائع للتقاعس والقعود عن العمل والتي يجري تقديمها في اوقات يموت فيها الملايين من المدنيين. ومن دواعي حزني ان اجد من بين الاسباب التي تحملني على تفضيل العمل كمحام عن السجناء الذين ينتظرون الحكم بالموت على العمل كمحلل للسياسة الخارجية كون العمل الاول اقل مدعاة للاحباط والقنوط من محاولة تغيير السياسة الامريكية ازاء افريقيا. \r\n \r\n ولم يفلح الجدل الدائر حول ما يجب فعله في دارفور واستخدام خطاب مناهضة الابادة الجماعية لاثارة قلق الجمهور الا في تعميق مآخذي على الطريقة التي تستجيب بها الولاياتالمتحدة للازمات الافريقية. \r\n \r\n خلال الفترة من ايلول 2004 الى تموز ,2005 عملت كمدير للدفاع للشؤون الافريقية في منظمة »هيومان رايتس ووتش«, وقد بذلت كل جهدي للمساعدة في نشر ما توصلت اليه المنظمة في دارفور. حيث تمكن الباحثون التابعون للمنظمة, اعتبارا من شهر شباط ,2004 من توثيق حالات انتهاك شنيعة وقدموا الادلة التي تثبت مسؤولية الحكومة السودانية عن تلك الحالات. \r\n \r\n لا توجد هناك تقديرات موثوقة عن عدد الافارقة الذين لقوا حتفهم في دارفور. ومن المرجح ان يصل مجموعهم الى 200 الف شخص بضمنهم اولئك الذين قتلوا نتيجة الهجمات واولئك الذين ماتوا نتيجة الاصابة بالامراض او سوء التغذية. \r\n \r\n وكما هي الحال مع الكثير من المآسي التي تقع في افريقيا, فان احدا لم يكن قد سمع بدارفور قبل ان تشرع المنظمات الانسانية التابعة للامم المتحدة بنشر تقارير تفيد بان مئات الالاف من المدنيين قد تم اجلاؤهم عن قراهم. ولو ان العالم قد احاط القضية باهتمامه وتصرف بناء على ذلك في مطلع عام ,2003 عندما قامت الحكومة السودانية لاول مرة بتسليح جماعات العرب المترحلين المعروفين بالجنجويد وتوجيههم الى مهاجمة القوى التي يشتبه بايوائها للمتمردين المناوئين للحكومة, لما كان لقضية الابادة الجماعية ان تثار اصلا, ولكان بالامكان انقاذ حياة الالوف. \r\n \r\n لكن التحذير من كارثة انسانية داهمة لم ينطلق من قبل مسؤولي الاغاثة في الاممالمتحدة الا بحلول شهر كانون الاول 2003 . بعد ذلك بوقت قصير اوردت منظمة العفو الدولية ومنظمة هيومان رايتس ووتش ان الجنجويد بالتنسيق مع وحدات عسكرية سودانية يقومون بذبح القرويين وتهجيرهم. \r\n \r\n وقد حثت المنظمتان على الفور الاممالمتحدةوالولاياتالمتحدة وغيرها من الدول الكبرى على ممارسة الضغط على الحكومة السودانية لغرض ايقاف تلك الهجمات وتقديم العون للضحايا الذين كانوا يتدفقون على مخيمات اللجوء في تشاد. لكن المحامين والباحثين داخل منظمة هيومان رايتس ووتش (وربما داخل منظمة العفو الدولية ايضا) توصلوا الى استنتاج يفيد بان الاحداث في دارفور لم ترق الى مستوى الابادة الجماعية استنادا الى عدم وجود دليل على »نية لتدمير كلي او جزئي ضد جماعة دينية او عرقية او اثنية او قومية«. \r\n \r\n لكن ذلك لم يمنع الناشطين من استخدام الطاقة المثيرة لكلمة »الابادة الجماعية« لاغراض تعبئة الاسرة الدولية. وقد عملوا على تدعيم قضيتهم بتوجيه الانتباه الى تزامن تسليط الاضواء على الفظائع المرتكبة في دارفور مع احتفال العالم باحياء الذكرى السنوية العاشرة للمذابح الجماعية التي ارتكبت في رواندا. \r\n \r\n في شهر ايلول عام ,2004 وبعد الاستماع الى فريق من المحامين والمحققين ارسلته وزارة الخارجية الامريكية الى دارفور, اعلن وزير الخارجية الامريكي انذاك كولن باول تصريحه المشهور الذي قال فيه »ان الابادة الجماعية ترتكب في دارفور«. اما الكونغرس الامريكي فكان قد سبقه الى اعلان مماثل. \r\n \r\n لكن نمط الانتهاكات التي ترتكب ضد حقوق الانسان في دارفور يختلف كثيرا عما جرى في رواندا. تبعا لما تمكن اليسون دي فورج, المستشار الاعلى في القسم الافريقي من منظمة هيومان رايتس ووتش, وآخرون غيره من توثيقه فان عمليات القتل في رواندا قد خطط لها بعناية وتم تنفيذها بقسوة فائقة خلال بضع اسابيع, وكان الغرض الواضح منها هو تصفية سكان رواندا المنتمين الى قبائل التوتسي. وقد تجاوز عدد الذين قتلوا في تلك العمليات ال ̄ 800 الف شخص. \r\n \r\n في دارفور, استهدفت الحكومة السودانية القرويين الافارقة لكن من غير الواضح وجود نية مبيتة لدى الحكومة للقضاء على اولئك القرويين. حيث كانت الهجمات قد جاءت ردا على مجموعة من العمليات المسلحة التي نفذها المتمردون ضد مؤسسات عسكرية حكومية. وكانت الحكومة حين اطلقت الجنجويد على قواعد الاسناد التي يعتمدها المتمردون تستخدم نفس الاساليب المضادة للتمرد التي استخدمتها في حربها ضد المتمردين الجنوبيين على مدى عقود من السنين. والحكومة السودانية هي بالتأكيد ليست اول حكومة تقوم بمواجهة التمرد عن طريق مهاجمة القرى المتعاطفة مع المتمردين وتشريد ابنائها. \r\n \r\n وحين يطلق اسم »الابادة الجماعية« على ما يجري في دارفور فان ثمة خطرا من ان يؤدي هذا الوصف الى مفاقمة الوضع السيىء هناك عن طريق وضع الصعوبات امام محاولات تهيئة الاجواء الضرورية لعودة المدنيين الى قراهم والعيش فيها بسلام. \r\n \r\n كتب اليكس دي فال, وهو ناشط وخبير في شؤون دارفور ومستشار في الاتحاد الافريقي, ان الخطوط العرقية والعشائرية والاثنية التي تميز الجماعات التي تسكن دارفور هي خطوط مرنة لا تشبه الخطوط الحادة التي ترتبط عادة بحالات الابادة الجماعية. فقبل دارفور, كانت هناك صدامات بين عرب الجنجويد الرحل والقبائل الرعوية الافريقية التي تؤيد المتمردين. لكن تلك الصدامات كانت بالدرجة الاولى حصيلة ضغوط بيئية وعمليات تنافس على الارض ولم تكن ناتجة عن عداوات عنصرية واثنية عميقة. وقد ظلت دارفور تعيش في سلام نسبي حتى عام 2003 . \r\n \r\n وبخلاف الحال في دارفور, فان الابادة الجماعية التي حدثت في رواندا كانت مسبوقة بتاريخ طويل من محاولات قبائل الهوتو والتوتسي تصفية احداهما الاخرى. ويرجع باحثون متعددون تلك العداوة المتأصلة الى السياسات الاستعمارية التي عززت البعد العرقي في المنافسة السياسية والاقتصادية. \r\n \r\n ان السلام في دارفور سوف يستدعي من العرب والافارقة ان يتعايشوا معا. ووصف النزاع القائم بينهما بانه »ابادة جماعية« يساعد في تحقيق ذلك الهدف. \r\n \r\n وهناك ايضا مجازفة كبيرة في اللجوء الى اثارة شبح الابادة الجماعية من اجل استقطاب اهتمام العالم بانتهاكات حقوق الانسان التي تقع في دارفور, اذ تميل الاسرة الدولية الى التقاعس عن الرد على انتهاكات خطيرة ما دامت تلك الانتهاكات لا تصل الى مستوى الابادة الجماعية. ومكمن الخطر هنا هو ان الطريقة الوحيدة لتجنب الوصول الى الابادة الجماعية هي في التحرك عند ظهور اول علامات الخطر الذي يتهدد المدنيين. ولعل احدى مآسي دارفور ان يحتاج الامر فيها الى ان يصنف ابادة جماعية قبل ان يتحرك الساسة والناشطون لمنع الاذى. \r\n