\r\n الآن, وبعد اكثر من ثلاثة عقود, تواجه الولاياتالمتحدة عاصفة من الانتقادات , وبخاصة في الخارج, حول استخدامها للمرة الثانية لسلاح حارق , وهو الفوسفور الأبيض ضد المقاومة العراقية, خلال معركة الفلوجة في نوفمبر عام 2004. والفوسفور الأبيض الملقب بدبليو بي أو( ويلي بيتي) يشتعل تلقائيا عند تعرضه للهواء ويستمر في الاحراق بشدة الا اذا حجب عنه الأكسجين. والجزيئات المتوهجة تعلق بالبشرة المكشوفة, وتذيب اللحم حتى العظم وينتج عنها حروق كيماوية من الدرجة الثالثة اذا لم تكن فتاكة , كان من الصعب البرء منها. \r\n وقد بررت ادارة بوش استخدام الجيش الأميركي للفوسفور الأبيض على الأرض والذي يعد سلاحا مؤثرا من الناحية التكتيكية بقدراته الواسعة وتأثيراته النفسية, ومن الملاحظ ان الفوسفور الأبيض محرم من قبل اي معاهدة اشتركت فيها الولاياتالمتحدة. ولكن هذه المجادلات ومحاولات اضفاء الشرعية تثير غموضا حول القضية الحقيقية. \r\n ان استخدام سلاح حارق في الفلوجة التي كان يختلط بها المدنيون وعناصر المقاومة كان خطأ كبيرا من عدة اتجاهات : فمن الناحية الأخلاقية يعد خطأ فادحا , حيث انه لم يكن في صالح ولايخدم بأي حال اهداف الولاياتالمتحدة في العراق , كما انه يعد نفاقا صارخا , مما يشعل الغضب الدولي ضد الولاياتالمتحدة وهذا الغضب يعد اداة قوية لتجنيد مزيد من المعادين للولايات المتحدة. \r\n اولا, إذا أردنا التفصيل من الناحية الأخلاقية. نجد أن من السمات المميزة للدول المتحضرة الاقتناع بأن انواعا معينة من الحروب لا يمكن ان تغتفر, اما بسبب انها غير شرعية ومن المحتمل ان تضر المدنيين اكثر من المقاتلين أو ربما لأنها تجلب معاناة بشعة وغير ضرورية ولا تفيد القيم العسكرية لتلك البلدان. ان مقدمة بروتوكول جنيف عام 1925, الذي حرم استخدام الأسلحة الكيماوية والبيولوجية, اوضحت ان تلك الأسلحة قد ادانها تماما الرأي العام في العالم المتحضر, مع الوضع في الاعتبار الاعتقاد السائد بأن الحرب باستخدام الغازات السامة والجراثيم محظورة, فقد تمكن برتوكول جنيف من وضع القانون الدولي العرفي, الذي يعني انه ملزم قانونيا لكل دول العالم حتى في الدول التي لم توقع ولم تصدق على تلك الاتفاقية. \r\n اليوم, نجد الولاياتالمتحدة واحدة من بين الديمقراطيات الغربية القليلة التي رفضت المعاهدات التي تحظر الألغام الأرضية المضادة للأفراد وتمنع استخدام الأسلحة الحارقة مثل النابالم والفوسفور الأبيض في مناطق من بينها المدن التي يتعرض فيها المدنيون للخطر. ولكن واشنطن لا يمكنها التملص من مسؤوليتها الأخلاقية بكل سهولة. اذا رغبت الولاياتالمتحدة في وضع نموذج للدول الأخرى, فلابد لها ان تقبل بعض القيود على تحركاتها حتى اذا كان هذا الأمر يعني رفض استخدام الأسلحة التي لها فائدة عسكرية في بعض المواقف. \r\n السبب الثاني الذي يقول ان استخدام الولاياتالمتحدة للفوسفور الأبيض خاطئ بكل المقاييس هو انه قد اطاح بكل جهود الادارة للفوز بقلوب وعقول الشعب العراقي والهب حماس المقاومة. ان توظيف سلاح غير شرعي وغير ادمي خلال حرب مدنية ليس له غير معنى واحد الا وهو عدم الاهتمام بأرواح الشعب العراقي البريء وهذا الادراك من شأنه ان يقوي عزيمة الجهاديين حول اشرار الاحتلال الأميركي لبلادهم وما يجلبه وجودهم من وبال عليهم. \r\n واخيرا, ان رفض الولاياتالمتحدة مرتبط بالحظر الدولي على استخدام الفوسفور الأبيض في مناطق محيطة بالمدنيين يعكس سياسة الكيل بمكيالين التي يجدها بقية العالم غير مقنعة تماما وتتسم بالغرور. سواء كان الفوسفور الأبيض قد تم اطلاقه من نيران المدفعية , او اسقطته طائرة وهو الأمر غير المسموح به, فإن له مغزى قانونيا للولايات المتحدة ولكنه لا علاقة له بالرأي العام العالمي او الأخلاقيات الأساسية التي لا تقبل باستخدام مثل هذه الأسلحة في مناطق عمرانية. \r\n لقد زعمت ادارة بوش ان السبب الرئيسي لغزوها العراق هو الاطاحة بنظام صدام حسين لامتلاكه اسلحة محظورة وهو ما يتنافى مع اتفاقية جنيف وانه كان يقوم بتخزين اسلحة بيولوجية وكيماوية في تحد للأمم المتحدة وقراراتها. ولهذا نجد انه من النفاق ان تدعي واشنطن ان لها حقا في استخدام هذا النوع من الأسلحة المحرمة دوليا كالفوسفور الأبيض بطريقة يراها غالبية العالم المتحضر انها غير شرعية في الوقت الذي تتشدق فيه امام العالم بحمايتها لحقوق الانسان والحفاظ على حقوق المدنيين. \r\n جوناثان تاكر \r\n زميل معهد مونتيري لدراسات منع انتشار الأسلحة \r\n خدمة لوس انجلوس تايمز خاص ب(الوطن)