وسينظر الى الانتخابات باعتبارها تبرئة لقادة واشنطن ولندن الذين ايدوا هذه الحرب الدموية والوحشية وعملوا على الاطاحة بصدام حسين، ومن المصادفات اللافتة انه بينما يتجه الناخبون العراقيون الى صناديق الاقتراع، سيكون صدام حسين في قفص الاتهام مع استئناف محاكمته. ولكن هذه المحاكمة ذاتها تستند شأنها شأن غزو العراق إلى أخطاء، وفي الشهر الماضي، اوردت صحيفة "اندبندنت" اللندنية عشرة أسباب تحول دون تحقيق العدالة لصدام، ومن بين هذه الاسباب "طول فترة اعتقاله ومستوى الأدلة وعدم نزاهة المحاكمة وحقيقة ان المحاكمة يمكن ان تكون محاكمة صورية تنتهي بإصدار حكم الاعدام. والأمر الذي لا يرجح ان تحققه المحاكمة هو الكشف عن الأسباب الحقيقية لخوضنا هذه الحرب". \r\n وقد بدأت الأكاذيب المرتبطة بهذه الحرب تتهاوى واحدة تلو الأخرى. وفي ما يلي امثلة لهذه الأكاذيب التي تساقطت: فقد قيل لنا ان هذه الحرب ترمي الى تدمير أسلحة الدمار الشامل العراقية وهو أمر نعرف الآن انه غير حقيقي وان العراق لم تكن فيه أسلحة دمار شامل. وقد شاهدنا اسقاط تمثال صدام في ساحة الفردوس باعتباره لحظة رئيسية في تحرير العراق. ولاحقاً عرفنا ونعرف الآن ما كنا نرتاب فيه لفترة طويلة وهو ان العملية برمتها رتبتها القوات المسلحة الأمريكية، وان الذي وضعها هو فريق العمليات النفسانية الذي شجع العراقيين على المشاركة فيها. \r\n ولكن فريق العمليات النفسانية أدرك سريعاً الضرر الدعائي البالغ الذي حدث عندما تم رفع علم أمريكي على التمثال المحطم ولم يتم رفع علم عراقي. ويتذكر الرقيب برايان بليسيتش رئيس فريق العمليات النفسانية التكتيكية رقم 1153 تلك اللحظات قائلا: "كنا نعرف منذ ايام مدرسة العمليات النفسانية ان هذه عملية سيئة ولها تأثيرات سلبية، ولم نكن نريد ان نبدو كقوة احتلال". ولكن القوات الأمريكية والبريطانية أصبحت قوة احتلال. \r\n وقد قيل للصحافيين مراراً في بداية الغزو انه لن تكون هناك رقابة، ولكننا نعرف الآن ان امريكا كانت لديها سياسة متعمدة لاستهداف الصحافيين الذين لا ترضى عنهم ولا سيما "قناة الجزيرة"، ولم تكتف القوات الامريكية فقط بقتل مراسل الجزيرة في بغداد طارق أيوب في ابريل/ نيسان ،2003 ولكننا نعرف الآن ان الرئيس الأمريكي جورج دبليو بوش عزم على قصف مقر قناة الجزيرة في قطر خلال ذروة الاجتياح الامريكي لمدينة الفلوجة علماً بأن "الجزيرة" كانت بين قلة من وسائل الاعلام التي عرضت فظائع الاجتياح الامريكي للمدينة. وتوجد مذكرة من خمس صفحات توضح تفصيلياً ما أراد بوش تنفيذه ولكن حكومة رئيس الوزراء البريطاني توني بلير اسكتت الصحافة البريطانية ومنعتها من نشر الوثيقة الأمر الذي يتنافى وفكرة عدم وجود رقابة. \r\n وفي الواقع ان جميع الأمور التي روتها لنا السلطات عن غزو العراق تبين لاحقاً انها أكاذيب. ونصل الآن الى الكذبة الكبرى وهي كذبة ان غزو العراق ليست له علاقة بالنفط العراقي، وقد تكرر الحديث عن هذه الكذبة كثيرا. ففي نوفمبر/ تشرين الثاني 2002 على سبيل المثال تحدث بلير من راديو مونت كارلو موضحاً: "ان فكرة ان هذه الحرب تتعلق بالنفط فكرة سخيفة. وإذا كان كل ما نريده هو زيادة امدادات النفط كان بإمكاننا ابرام صفقة مع العراق أو أي دولة اخرى للحصول على تلك الزيادة". \r\n وهذا هو بالضبط الذي تفعله شركات النفط البريطانية والأمريكية، أي ابرام صفقات سرية تتيح لها الوصول الى النفط العراقي، ونهب مليارات الدولارات امام انظار الشعب العراقي. \r\n وكانت شركات النفط الغربية تتوق منذ أمد بعيد الى نفط العراق الذي يملك عشرة في المائة من احتياطات العالم النفطية، وتمثل احتياطاته بالتالي ثالث اكبر احتياطات في العالم. والأمر المهم هو ان العراق يملك احتياطات محتملة غير مكتشفة في صحرائه الغربية الشاسعة تفوق الاحتياطات غير المكتشفة في أي بلد آخر. وتسعى الشركات الغربية جاهدة الى وضع أيديها على هذه الاحتياطات. وعلى سبيل المثال، قال أحد كبار بارونات النفط الامريكيين قبل وقت قصير من غزو العراق: "نحن نعرف اين توجد افضل الاحتياطات العراقية ونتوق الى فرصة الحصول عليها يوما ما". \r\n وساعد حلفاء امريكا في الحكومة العراقية على ترتيب الصفقات. فعندما تولى رئيس الوزراء المؤقت السابق إياد علاوي السلطة اقترح ان يتم تطوير حقول النفط ال 17 القائمة في العراق بوساطة شركة النفط الوطنية العراقية وان يتم منح ال 43 حقلاً نفطياً الأخرى الى شركات خاصة. ويعني هذا ان شركات النفط الأجنبية متعددة الجنسيات يمكن ان تسيطر على نحو تسعين في المائة من احتياطات نفط العراق. \r\n وحيث ان العقود محددة بهذه الفترة الزمنية، لا تستطيع الحكومات التي ستتشكل مستقبلاً ان تغير الاتفاق حتى وان لم تكن راضية عنها. ولذلك تطغى العقود على أي قوانين آجلة تهدد ربحية الشركات الأجنبية من خلال تطبيق قوانين سلامة أو لوائح بيئية اكثر صرامة. وتنص العقود ايضاً على ألا يتم حل أي نزاع ينشأ بين الحكومة وشركة نفط أجنبية في العراق إلا امام هيئة تحكيم دولية ستكون منحازة للشركات. \r\n ولن يكون نفط العراق للشعب العراقي بل لشركات النفط الغربية. ويقول جريج موتيت من منظمة "بلاتفورم" البريطانية "ان امريكا وبريطانيا ترتبان هذه الصفقات مع الحكومة العراقية. وان مصير نفط العراق اكثر أهمية من ان يتقرر وراء أبواب مغلقة، ومن المهم ان تتسم تلك القرارات بالشفافية وان يعرفها شعب العراق ويعلق عليها. ودولياً، نريد ان نعرف تلك الصفقات أيضاً في ضوء الجدل العام المكثف الذي دار حول اسباب شن الحرب على العراق". وهكذا، نعرف الآن ان سببب غزو العراق هو النفط وإذا قال أحد ما أي سبب آخر فهو يكذب، ولكن الكذب هو الأمر الذي تتعلق به جميع الحروب. \r\n \r\n * كاتب مستقل متخصص في قضايا البيئة والصحة والعولمة ويشارك في تحرير موقع "سين ووتش" لرصد التضليل الاعلامي. \r\n