وقد تذكرت ذلك الدرس المبكر الذي تلقيته إثر وصولي إلى واشنطن لأول مرة، الأسبوع الماضي، عندما وجه صحفي سؤالاً عاماً لي، عما أعتقد أنه أهم الإنجازات التي حققتها الجالية العربية الأميركية خلال العقود الثلاثة الماضية من نشاطها، وما هي التحديات الكبرى التي واجهتها وما تزال تواجه عملها ومسيرتها؟ \r\n وكانت إجابتي على السؤال أننا حققنا إنجازات ومكاسب كبيرة، على رغم التحديات والمصاعب الجمة التي لا تزال تعترض سبيلنا. وتتمثل هذه الإنجازات في بناء الجالية ومؤسسات الدعم اللازم لها، في وجه كثير من التحديات والمصاعب المستمرة. فمنذ بدايات عملنا قبل نحو ثلاثة عقود، كان الهدف الرئيسي هو تأسيس جالية عربية أميركية، قوية فاعلة وقادرة على أن تحظى بالاحترام والاعتراف والمشاركة في مجرى التيار الرئيسي للحياة السياسية الأميركية. وبالطبع فإنه لم يكن غريباً أن نواجه صعوبات وتحديات أمام تحقيق هذا الهدف، سواء من داخل الجالية أم خارجها. فعلى المستوى الداخلي، كانت ولا تزال هناك صعوبات كبيرة تتمثل في انقسام قاعدة الجالية على نفسها من حيث الانتماء الديني والقطري، ومن حيث تجارب وانتماءات الأجيال المتعاقبة من المهاجرين العرب للولايات المتحدة. ذلك أن هوية المولودين من هؤلاء في الولاياتالمتحدة، قد تحددت بموجب الميلاد والخبرة الأميركية. وفي المقابل فإن ذلك يعني أن ارتباطهم باللسان العربي والوطن الأم، هو مجرد ارتباط اسمي بالثقافة والجذور والتراث لا أكثر. أما المهاجرون الحديثون فقد تحددت هوياتهم وانتماءاتهم في الوطن الأم الذي هاجروا منه، بكل ما يعنيه ذلك من انتماءات فكرية أيديولوجية ومعتقدات دينية وغيرها. \r\n أما على الصعيد الخارجي، فمما أذكره أننا وحين بدأنا العمل حينها في تأسيس الجالية قبل ثلاثة عقود خلت، كانت أميركا على مشارف نهضة ثقافية كبيرة تنحو إلى التعدد الثقافي والديني والعرقي. وكان من نتائج هذه النهضة، نشوء الحركات المعبرة عن الهوية الثقافية لمختلف فئات المجتمع الأميركي، كما هو حال حركة الأميركيين الأفارقة وغيرهم من الجاليات الكثيرة التي تضاف إلى اسمها الجغرافي، صفة انتمائها الأميركي. وما أن شرع العرب الأميركيون في تنظيم أنفسهم، حتى اندلعت الحرب الأهلية في لبنان، وطردت مصر من عضوية جامعة الدول العربية. لكن وعلى رغم المصاعب والتحديات الكبيرة المترتبة على تلك الأحداث، فقد عقدنا العزم على ألا نسمح للمؤثرات الخارجية أن تمنعنا من المضي في بناء جالية عربية أميركية تلبي حاجات أعضائها المقيمين في الولاياتالمتحدة. \r\n وما إنْ تمكنا من تجاوز مرحلة البدايات وبدأت الجالية تنمو وتكبر، حتى واجهنا مصاعب وتحديات من نوع آخر. فقد نظرت إلينا الجماعات الموالية لإسرائيل على أننا ''نبتة غريبة'' في تربة المجتمع الأميركي، الذي لا يوجد فيه شيء اسمه ''العرب الأميركيون''. واستخدم هؤلاء كل ما لهم من نفوذ وتأثير، من أجل تشويه سمعتنا ونعتنا بأننا صنيعة لدولار النفط، قُصد من إنشائها مساندة منظمة ''التحرير الفلسطينية'' التي كانوا يدمغونها بالإرهاب. وبالنتيجة فقد تم عزل الجالية من التحالفات السياسية وجرى إقصاؤها من مجرى التيار الرئيسي للحياة السياسية الأميركية. \r\n ولكننا لم نهزم أمام هذه الضغوط، وواصلنا مسيرتنا في بناء الجالية ومؤسساتها وقاعدتها الانتخابية، التي باتت تحظى اليوم باعتراف كافة القوى والأحزاب السياسية في البلاد، ويتنافس المرشحون -بما في ذلك المرشحون الرئاسيون- لنيل دعمها ومؤزارتها وأصواتها. وها هي مسيرة المكاسب والمنجزات الكبيرة تمضي، وتمضي معها المصاعب والتحديات. \r\n \r\n