ولاحظ الريّس ذلك. فدخل في 6 شباط زنزانة فلورانس اوبينا غاضباً ومستاء من السلطات الفرنسية، وقال لها انّه يريد الاتصال بالنائب ديدييه جوليا. وعرض عليها تسجيل شريط فيديو تدعو فيه النائب جوليا إلى مساعدتها. \r\n \r\n وبعد شهرين من الأسر، وافقت أوبينا على مضض على طلب الريّس. وأطلقت نداءها الشهير الذي بثته قناة «الجزيرة». وطلب رئيس الوزراء الفرنسي، يومها جان بيار رافاران من النائب جوليا التدخّل، ثم عاد عن قراره. وأصيبت الحكومة بالضياع. ففي الواقع، لم يكن جوليا يعلم شيئاً، وكان مجرّد وسيط تمر الرسائل به. وكان «الريس» يبحث عن اتصال غير رسمي مع الفرنسيين، ولم يكن يريد التحدّث الى السلطات. وفي 20 آذار (مارس)، قام خالد جاسم الفرجي، المُقرب من جوليا، وهو تاجر فرنسي – عراقي، بالاتصال ب «الريس»، وأعطاه رقم هاتف جوليا. وفي 23 و 24 آذار اتصل الريّس بجوليا من بغداد، وكانت المكالمة قصيرة. وقامت الأجهزة بتسجيلها، وأقرت بأن المفاوضة تبدو جدّية هذه المرّة. \r\n \r\n ولكنها أرادت إبعاد ديدييه جوليا وخالد جاسم، وسبق لهذا ان ساعد مفاوضاً في أول عملية خطف رهائن فرنسية، عن هذه المفاوضات. فهما متورطان في قضية تجسس. وخضع فيليب بريت وفيليب ايفانو، المقربين من جوليا للتحقيق، ووضعا تحت المراقبة القضائية في هذا الملف. ولذلك احتاجت السلطات الفرنسية الى وسيط آخر. واتصل خالد جاسم برجل أعمال ومنتج تونسي يدعى كريم جلاتي. وانسحب خالد جاسم بعدما أعطى رقم هاتف كريم لل «ريّس» الذي زعم ان اسمه سعد. وفي 25 آذار اتصل «الريّس» بكريم، وشتمه، واسمعه تسجيلاً تتحدث فيه اوبينا بالإنكليزية، وتبكي. وبدا «الريّس» على عجلة من أمره، ويريد التفاوض بسرعة. فحدّد كريم موعداً لل «رّيس» في تمام الساعة الخامسة من بعد الظهر. واتصل «الريس» في الوقت المحدّد، وأعطاه كريم رقم هاتف خلوي يعود الى «محسن»، وهو عميل في مديرية الامن الخارجي (جهاز الاستخبارات الفرنسية)، ومسؤول عن إنهاء المفاوضات باسم الحكومة. وكادت الأمور تجري على ما يشتهي الفرنسيون. ولكن ما لم يكن في الحسبان حصل. ف «الريّس» أحضر رهائن رومانيين، وهم صحافيون قصدوا العراق لمقابلة رئيس الوزراء اياد علاوي، الى زنزانة أوبينا في بداية شهر نيسان (ابريل). وبدأ بممارسة نوع جديد من الخطف، وهو الخطف المموّل من الخارج بواسطة محتالين محليين. ومول خطف الرهائن عمر هيثم، وهو رجل أعمال ثري سوري الاصل يعيش في رومانيا. ومنذ نجاح الرئيس باسيسكو، في نهاية 2004، فقد عمر هيثم، وكان في حماية سياسيين مقربين من الرئيس الروماني السابق إيليتسكو، الدعم السياسي. ووجد نفسه تحت رحمة القضاء المالي في بوخارست. \r\n \r\n واتُهم هيثم بالتهرب من الضرائب، وتبييض أموال مرتبطة بالإرهاب. وواجه احتمال دخول السجن لأكثر من عشر سنوات. ومُنع من مغادرة البلد. فلجأ هيثم الى خطف الصحافيين لتبييض صفحته. وحسب أن إعادته الرهائن أحياء الى رومانيا يجعله بطلا قومياً، وينتزع له عفواً قضائياً. وخطط هيثم لعملية الخطف. وفي 28 آذار كشف المدعي العام في رومانيا ايلي بوتوس، اللعبة. فالشرطة الرومانية تنصتت على عمر هيثم شهوراً، وضعت يدها على أدلة تثبت أنه الرأس المدبر لعملية الخطف. وبدأ الخبر يتسرّب الى الصحف. وانتشرت الفضيحة. وفي بداية نيسان وصل الخبر الى سمع «الريّس»، وذُعر. فالرهائن صاروا عبئاً عليه. فقرّر اعتبار الرهائن الرومانيين رهائن سياسيين، نظراً لمشاركة جنود رومانيين في حرب العراق. \r\n \r\n وفي 5 نيسان أُلقي القبض على عمر هيثم الذي حاول التهرب من القضاء بحجة إصابته بالفصام. وتحسنت ظروف سجن أوبينا بشكل طفيف بعد انضمام الرهائن الرومانيين إليها، ولم تعد ترى «الريّس». وبعد اعتقال الرهائن الرومانيين، ترك الريّس المفاوضات مع باريس، وانصرف الى المفاوضة مع بوخارست، آملاً في التخفف من هذا العبء بسرعة. وفي بغداد، ألقت الشرطة القبض على المشاركين في خطف الرهينة الرومانية ماري جون إيون. واعترف هؤلاء بفعلتهم، وكشفوا عن اسم «الريّس». وفي 11 نيسان توصل المحققون العراقيون الى تحديد متجر في شارع الجمعة ببغداد، يقصده الريّس لشراء هواتف خلوية. ثم تبين صاحب المتجر. وفي خلال ايار وبينما كان الفرنسيون يبحثون عن مفاوضين جدد للإفراج عن أوبينا، تقدم القضاء الروماني في التحقيق. وفي فرنسا لم يعد صمت «الريس» يثير القلق لان المفاوضات الرومانية كانت تتقدم. \r\n \r\n وفي 22 ايار (مايو) أطلق سراح الرهائن الرومانيين. وبقيت اوبينا في الأسر. وقصد رجال الاستخبارات الفرنسية بوخارست لاستجواب الرهائن الرومانيين الذين أكدوا وجود أوبينا معهم في الزنزانة. وفي نهاية أيار المنصرم، اتصل «الريّس» مجدداً بمحسن (رجل الاستخبارات الفرنسية)، وعاود التفاوض على تحرير أوبينا. وحاول محسن السيطرة على «الريّس»، وتقليص قيمة فدية تحرير أوبينا. ونجح محسن في التوصل الى اتفاق. وعوض تنظيم الافراج عن فلورانس بالتعاون مع مفاوضيه، اتصل «الريّس» مباشرة ببرنار باجوليه، سفير فرنسا في بغداد. ومازح هذا الأخير اوبينا عند تحريرها قائلاً: «في المرة القادمة التي تأتين فيها الى العراق، اتصلي بي لننظم عملية خطف زائفة ونتقاسم اموال الفدية». \r\n