في أثناء الزيارة التي قام بها الرئيس الصيني «هو جينتاو» إلى باريس في أوائل العام الماضي‚ قال له «شيراك» إن «حظر تصدير الأسلحة إلى الصين لم يعد له معنى»‚ وانضم إليه فيما بعد المستشار الألماني «غيرهارد شرودر» الذي أخبر رئيس الوزراء الصيني بأنه هو أيضاً يؤيد رفع هذا الحظر‚ كما انضم إليهما كذلك رئيس الوزراء البريطاني توني بلير‚ الذي تدفع حكومته باتجاه رفع حظر تصدير الأسلحة إلى الصين‚ قبل أن تتولى بريطانيا رئاسة الاتحاد الأوروبي في شهر يوليو المقبل (حتى لا تكون مسؤولة أخلاقياً عن ذلك العمل القذر)‚ \r\n \r\n وإذا ما قام الاتحاد الأوروبي برفع الحظر عن الصين‚ فإنه سيكون شريكاً كاملا في تحديث جيش التحرير الشعبي الصيني‚ كما أن رفع هذا الحظر‚ قد يؤدي إلى إطلاق شرارة سباق تسلح على درجة كبيرة من الخطورة في منطقة المحيط الهادئ‚ وأكثر المعدات والأجهزة التي يحتاجها جيش التحرير الشعبي الصيني من أوروبا‚ هي تلك المتعلقة بنظم القيادة والسيطرة والاتصالات والاستخبارات والرصد والاستطلاع‚ ورفع الحظر عن تلك المعدات والأجهزة سيعني أنه في أي اشتعال للموقف مع الصين في المستقبل‚ فإن الجنود الأميركيين سيجدون أنفسهم في مواجهة عدو يتمتع بقدرات تقنية مثل تلك التي يتمتع بها حلف «الناتو»‚ \r\n \r\n والهدف المباشر لجيش التحرير الشعبي الصيني - كما هو معروف- هو إخضاع تايوان سواء كان ذلك عن طريق الترويع أو العمل العسكري المباشر‚ أما الهدف الأبعد مدى فهو الولاياتالمتحدة‚ ومكانتها كضامنة للحرية والاستقرار في المنطقة‚ والذي تطلق عليه الحكومة الصينية «الهيمنة الأميركية»‚ \r\n \r\n من الصعب علينا في هذه المرحلة أن نعرف ما إذا كان الأوروبيون يتصرفون كأغبياء أم كأوغاد في هذه الدراما؟ فجاك شيراك‚ الذي لا يخفي حلمه بتكوين اتحاد أوروبي يعمل ك «معادل» للقوة الفائقة الأميركية‚ قادر في معظم الأحيان على إقناع شرودر بأن ما هو صالح لفرنسا صالح لألمانيا أيضاً‚ كما أن أوروبا وإن كانت غير قادرة بمفردها على القيام بالكثير لموازنة القوة الأميركية‚ إلا أنها تستطيع - دون شك- تقليص الفترة التي تستطيع خلالها الصين البروز كي تقوم بهذا الدور‚ \r\n \r\n إن الصناعات الدفاعية الأوروبية تتحرق شوقاً للعقود الصينية‚ والسبب في ذلك أن عقود مشتريات القارة البالغة الضآلة من الأسلحة والمعدات‚ غير قادرة على خلق فرص العمل والبيع الكفيلة بإبقاء مصنعي الأسلحة الأوروبيين على قيد الحياة‚ كما أن عقود مبيعات الأسلحة للشرق الأوسط لم تعد على ما كانت عليه‚ وما يجيء منها يتم اختطافه من قبل الشركات الأميركية‚ ومن المعروف أن مبيعات الأسلحة للصين‚ هي التي أبقت على البقية المتبقية من قاعدة صناعة الأسلحة الروسية‚ والأوروبيون على ما يبدو يتخيلون أن نفس الشيء يمكن أن يحدث مع صناعاتهم العسكرية‚ \r\n \r\n وفي نطاق استعدادهم لرفع الحظر على بيع الأسلحة للصين‚ يبدو أن الأوروبيين لم يحسبوا حساباً للرد الأميركي‚ وقصر النظر الأوروبي هذا مفهوم‚ إذا ما عرفنا أن أميركا لم تفصح عن العواقب التي قد تتعرض لها أوروبا إذا ما قامت برفع الحظر على مبيعات الأسلحة للصين‚ لأن كوندوليزا رايس لم تكن على استعداد للدخول في مواجهات بهذا الشأن أثناء زيارتها الأخيرة إلى أوروبا‚ ولأن إدارة بوش ذاتها قد أصدرت العديد من التصريحات المتفائلة عن العلاقات الأميركية-الصينية‚ ومنها ذلك الذي جاء على لسان وزير الخارجية السابق كولن باول‚ الذي وصف هذه العلاقات بأنها قد وصلت «إلى أفضل حالاتها» خلال الثلاثين عاماً الماضية‚ \r\n \r\n وفي غمار تعجلهم لبيع أسلحة للصين‚ أعاد الأوروبيون دون قصد إطلاق الجدل مجدداً في واشنطن حول نوايا الصين‚ فالولاياتالمتحدة غير راضية عن بناء القدرات العسكرية الصينية‚ ولا عن قيامها ببيع أسلحة لبعض الدول مثل باكستان والسودان‚ كما أنها تشعر بعدم رضا متزايد تجاه سياستها نحو كوريا الشمالية‚ وحيال ملفها في انتهاك حقوق الإنسان‚ \r\n \r\n ما يمكن قوله في الختام هو أن رفع الحظر على مبيعات الأسلحة للصين من قبل أوروبا‚ سيؤدي في المدى القصير إلى تقويض التعاون العسكري بين جانبي الأطلسي‚ على أساس أن أميركا سترى أن أية تقنيات عسكرية متطورة تقوم بنقلها إلى أوروبا‚ ستنتهي في أيدي الصين‚ \r\n \r\n أما التداعيات الجيو- سياسية طويلة الأمد فهي أعمق أثراً‚ وتتمثل في أن وجود الأسلحة الأوروبية المتطورة في أيدي الجيش الشعبي الصيني‚ سيؤدي إلى الإخلال بميزان القوى في مضيق تايوان‚ وسيصب زيتاً على جمر العلاقات اليابانية- الصينية الكامن تحت الرماد‚ \r\n \r\n لا يزال هناك وقت لتدارك الموقف وسيادة التعقل‚ والرئيس بوش بالذات أمامه فرصة هذا الأسبوع للحديث عن تكلفة وعواقب رفع الحظر على الصين‚ والقيام باقتراح إجراء حوار استراتيجي مع أوروبا‚ ولفت الانتباه إلى التهديد الصيني للأمن الإقليمي‚ وسجلها في مجال انتهاك حقوق الإنسان وانتشار الأسلحة‚ أما أوروبا من جانبها‚ فيتعين عليها أن تقوم بتأجيل قرارها الخاص برفع الحظر على تصدير الأسلحة‚ \r\n \r\n إن فتح مثل هذا الحوار هو الذي سيساعد على المحافظة على العلاقات بين جانبي الأطلسي‚ التي تقوم - على حد وصف كوندوليزا رايس- على «القيم التي توحد بين الجانبين»‚ \r\n