\r\n لقد ظهر تنظيم الارهاب الدولي بأبشع اشكاله، فهو يتمتع بالاكتفاء الذاتي، ولا يرتبط بأية دولة، ويصبو الى كسب دور ما يشبه «اللاعب» على الصعيد الدولي. وبهذه الصورة بالذات بدا امام العالم تنظيم «القاعدة» الارهابي. وقد ادت التفجيرات التي اعقبت 11 سبتمبر في بلدان أخرى وحصدت ارواح مئات الناس الى تكريس القناعة أكثر بأن «القاعدة» تمد اذرعها الاخطبوطية الى اوروبا وآسيا وقارات أخرى. \r\n لكن لا يخفى على أحد، وللأسف، ان الكثيرين في العالم ما زالوا لا يدركون مدى خطر الارهاب الدولي على جميع الدول والبشر في كوكبنا بأسره. والكثيرون لا يدركون هذا الخطر تماما، فهم يعيشون في بلدان اسلامية ويعتقدون بأن هذا يحميهم ، وبأن رأس حربة الارهاب الدولي موجهة نحو العالم غير الاسلامي، وبصورة أساسية، نحو الولاياتالمتحدة وحليفاتها. \r\n وهذا ضلال كبير، وبعد عن الحقيقة. ولنأخذ هنا ايديولوجيا التنظيم الرئيسي للإرهاب الدولي، أي تنظيم «القاعدة». ويكشف جوهر تلك الايديولوجيا الهدف الذي اعلنه اسامة بن لادن زعيم «القاعدة» وهو: اقامة دولة الخلافة الاسلامية الموحدة في اماكن اقامة الشعوب الاسلامية. لكن المسألة هي كيف تعتزم «القاعدة» تأسيس دولة الخلافة هذه ؟ \r\n دولة الخلافة لا تقام في ارض خاوية. وتوجد في المناطق المفترض اقامتها فيها العديد من الدول. فماذا سيكون مصيرها؟ الجواب واضح: «القاعدة» تقترح تطهير المكان «الذي ستقام فيه دولة الخلافة عن طريق تصفية الانظمة العلمانية (مثلا، تركيا) والانظمة المعتدلة (مثلا، المملكة العربية السعودية) في البلدان التي يقطنها مسلمون. ولا يتبين هذا من اقوال قيادات «القاعدة» فقط ، وإنما يتراءى بدقة من أفعاله أيضا. ففي المملكة العربية السعودية وتركيا تم تنفيذ اكبر عدد من العمليات الارهابية الوحشية. فهل كان ذلك وليد الصدف ؟ \r\n في المقابل، وفي الوقت نفسه، أعلن بن لادن «حربا لا هوادة فيها» على الولاياتالمتحدة بحجة أنها تدعم هذه الانظمة العلمانية والاسلامية المعتدلة عسكريا واقتصاديا وسياسيا. \r\n أما الهدف الآخر للعمليات الارهابية فهو البلدان التي تقف ضد الجماعات الاسلامية المتطرفة، والتي تبشر بالافكار الانفصالية، ومنها روسيا. فالانفصاليون الشيشان حصلوا، كما هو معروف على دعم كبير ومساعدات مادية من «القاعدة». وتلقى مئات المقاتلين الشيشان التدريب في قواعدها في افغانستان. وكان بين الذين تلقوا التدريب افراد ارتكبوا افعالا ارهابية وحشية ، مثل تفجير المباني السكنية وعمليات التفجير في اماكن تحشد الناس، كالاسواق ومحطات مترو الانفاق وقطارات الضواحي. وحصدت هذه الافعال الارهابية ارواحا كثيرة، وشوهت آلاف الناس من نساء واطفال وشيوخ. وكان المرتزقة الاجانب ، وما زالوا ، يتعاونون بشكل وثيق مع «القاعدة»، وبعضهم شغل مناصب قيادية في العصابات المسلحة الشيشانية. \r\n وبالتالي فإن الخط الفاصل بين «القاعدة» والآخرين (لا تدعم «القاعدة» رسميا أية دولة) لا يمتد على أساس ديني متحضر ، كما يزعم البعض في الغرب ، وقد بلغ الأمر بالبعض هناك الى حد زعم بعض الباحثين بان الخلافات بين المسيحيين والمسلمين تشكل التناقض الرئيسي في زماننا. وليس ببعيد ذلك الزمان ، مع مثل هذا الطرح ، الذي ينقسم فيه العالم الى مسلمين وغير مسلمين بما ينجم عن ذلك من عواقب وخيمة وكارثية. \r\n واذا ما تحدثنا عن التناقض الفعلي، وخط المواجهة الفعلي، فالواقع يقول أن يواجه احدهما الآخر. فمن جانب، تكون هناك الحركة المتطرفة المغامرة، التي تبشر بالتعامل مع البشر والشعوب والبلدان بمعايير القرون الوسطى الوحشية، فيما يكون على الجانب الآخر بقية العالم الذي يتوجه نحو قيم الحضارة العالمية ، بغض النظر عن الديانات التي يعتنقها الناس فيه. والحضارة العالمية تتطور على أساس الحضارات المختلفة ومنها الحضارة الاسلامية طبعا. \r\n ومما يدل على مدى ضرورة ووجوب مواجهة الارهاب الدولي ، الافعال الارهابية الفظيعة التي تنفذ في مختلف البلدان. لقد أثر الارهاب الدولي تأثيرا سلبيا للغاية على ما يسمى بالاخطار «التقليدية»، وجعلها «اكثر وخامة»، وأكسبها سمات مدمرة اكثر، وسأورد بعض الامثلة: \r\n لقد تفاقم خطر انتشار السلاح النووي وغيره من اصناف أسلحة الدمار الشامل من حيث احتمال اندماجه مع الارهاب الدولي. \r\n ان عدم تسوية الأزمات الاقليمية ، وبينها ازمة الشرق الاوسط، يخلق التربة المغذية المناسبة لنمو واشتداد الارهاب الدولي. ولقد تحول النزاع في الشرق الاوسط الى ما يشبه «جهاز التفريخ» المولد للإرهاب ، ويبدو انه، وبدون تسوية هذا النزاع عموما ، فسيستحيل تحقيق النصر على هذه الظاهرة البشعة التي تهدد البشرية بأسرها. \r\n كما ان وجود «الدول العاجزة»، أي تلك الدول التي لا تستطيع السلطات فيها درء وقوع الكوارث الانسانية وافعال ابادة البشر المؤدية الى قتل الناس بالجملة ، ونزوح مئات آلاف اللاجئين، يمثل جانبا مهما لتحولكثر خطورة من حلال بعضهم الى فريسة سهلة للإرهاب الدولي. \r\n والى ذلك يتفاقم خطر آخر تشكله تجارة المخدرات، بعد أن أصبحت المصدر المالي الخطير الذي يغذي نشاط الارهاب الدولي وذلك في مقابل تلاحم التطرف الديني (ليس النهج السلفي، بل التطرف) في عدد من البلدان مع الارهاب. ويمكن ان تشعل شرارات هذا التلاحم نيران النزعة المتطرفة. وهذا يقود الى خلخلة الوضع في بعض الدول، وقد يؤدي الى عواقب سلبية أكثر. \r\n وأذا اخذنا بنظر الاعتبار هذه السياقات ، فالاستنتاج بأن الارهاب الدولي يعتبر من ألد اعداء البشرية جمعاء، ومن ضمنها المسلمون ، يغدو أمرا لا يقبل الجدل، ومن المهم للغاية ادراك هذه الحقيقة. فبدون ذلك لا يمكن تكوين جبهة تضم جميع القوى السلمية في العالم ، وأراها جبهة ضرورية ومفصلية في الجهد المبذول من اجل مواجهة الإرهاب الدولي. ولكن ، وفي المقابل ، لا يمكن لأعمال هذه الجبهة ان تنجح بدون مشاركة الدول الاسلامية فيها بصورة فعالة. وبالإضافة الى كل ذلك، أعتقد بأن الانتصار على الارهاب الدولي يفترض، في نهاية المطاف، توفر المشاركة المباشرة للدول الاسلامية في عمليات مكافحته. \r\n \r\n * رئيس وزراء روسيا السابق خاص ب«الشرق الأوسط»