\r\n فاذا نظر المرء الى خطايا الادارة التي ارتكبتها حكومة جورج بوش بما في ذلك التلاعب في المعلومات الاستخبارية في وقت الأزمة وتحيزها الغريب على نحو بشع للأثرياء على حساب الطبقات الأخرى واضاعتها بشكل متغطرس الهيبة والنفوذ الأميركي في الخارج وتبديدها المتهور لموارد العالم اذا نظر الى تلك الخطايا على أنها اسوأ من جرائم اقتحام المنازل والسرقة القذرة وعمليات التعتيم والتضليل الاعلامي التي سادت خلال ال 30 عاما الماضية، فان الرئيس بوش لن يتم تصنيفه الا ضمن زمرة هؤلاء مثل هاردينغ وفيلمور وبيرس وبوكانان. \r\n \r\n الا ان معظم المتحدثين أثناء المؤتمر الوطني للحزب الديمقراطي احجموا عن تناول تلك النقطة. وباستخدام اللغة الغريبة التي غلبت على الألسنة خلال الفترة الماضية، فانه يمكن القول ان «ازدراء بوش» على الاقل من قبل هؤلاء الذين تحدثوا بخجل اثناء أوقات ذروة المشاهدة بطلب من شبكات الاذاعة التلفزيونية كان أمرا محظورا. فالتأكيد على شيم ومناقب كيري الحميدة امام الناخبين كان هدفا تقريبا لكل من ذهب الى منصة الحديث ليخاطب الحضور. \r\n \r\n وفي داخل غرف الاستعداد للبث الخاصة بمركز فليت ببوسطن الذي اقيم فيه المؤتمر، قام المسئولون عن وضع خطب الحزب وصياغتها بحذف اي عبارات رنانة كان من شأنها ابعاد الحضور والناخبين عن الانحياز لصف الديمقراطيين لا سيما وأن هؤلاء الناخبين ظلوا لمدة 13 اسبوعا من يوم الانتخاب غير قادرين على تحديد موقفهم الانتخابي. \r\n \r\n ولقد كانت المكتبات من مختلف ارجاء المدينة تموج بأعداد هائلة من الكتب التي تستعدي بوش مثل «كتيب بوش الكاره» و«أنا أكره جورج دبليو بوش » و«اكاذيب جورج دبليو بوش» غير انه لم ترد الا تلمحيات بسيطة الى حالة الغضب هذه ضد بوش في فعاليات مؤتمر الحزب الديمقراطي. \r\n \r\n وكيري وفريقه لديهما اسبابهما الخاصة بالسيطرة على وتيرة الحديث أثناء المؤتمر ووأد أي غلو في التعبير عن بغض بوش. فمهاجمة بوش والتطاول عليه والتسبب في احداث سخرية جماعية منه هي كلها أمور ستكون بمثابة هدية تقدم للجمهوريين، وهناك درس تم تعلمه من المؤتمرات الحزبية السابقة يفيد بأنه من الاسهل التنديد ومهاجمة الانشقاق وعدم الوحدة بين صفوف الطرف الآخر عندما لا تقوم بالتركيز عليها وعرضها على الملأ. فلغة الحديث اثناء المؤتمر كانت تهدف الى تقوية مركز كيري وانتقاد بوش فقط من خلال المقارنة بينهما، وهي المقارنة التي تمت بشكل مؤذ لبوش. \r\n \r\n وليس المقصود هنا ان المقارنات والايحاءات والاشارات كانت بارعة بشكل ينم عن خبث كبير. فلم يكن هناك احد بحاجة الى اداة لحل الالغاز كي يفهم او يدرك لماذا كان جيمي كارتر يتذكر الايام التي قضاها على متن غواصة نووية، او لماذا يتحدث كلينتون الآن بسعادة عن حقيقة انه اختار ألا يخدم في حرب فيتنام في الوقت الذي اختار أحد رجال الحزب الديمقراطي ان يتطوع للخدمة في تلك الحرب. \r\n \r\n إن محاولة اثبات المصداقية هي أمر موجود في سياسة كل دول العالم فاسحق رابين لجأ اليها في حين لم يفعل شيمون بيريز الامر نفسه، وقام آيزنهاور بتلك المحاولة، في حين لم يفعلها ستيفنسون وكان هذا الامر يمثل عبئا بشكل خاص على الديمقراطيين الذين منذ 1968 كان يتم وضعهم بشكل روتيني من قبل خصومهم على انهم يمثلون حزب الضعفاء الذين يكثرون من تناول المشروبات الكحولية. \r\n \r\n ويتفق أصحاب وضع الاستراتيجيات في الحزب الديمقراطي على ان مصداقية كيري تكمن في قوة فترة شبابه. ولقد كانت هناك نقطة أضفت فعالية بشكل لا يمكن انكاره على المؤتمر وهي اضفاء الطابع العسكري على تلك التظاهرة، فوجود هذا العدد من الجنرالات المتقاعدين ورفاق السلاح وهم يقفون على مسرح المؤتمر ليشهدوا على الشجاعة التي أبداها كيري وهو على خط النار أثناء الحرب قد كان ميزة في صالح كيري. \r\n \r\n كما ان هذا الطابع العسكري الذي تم اضفاؤه على المؤتمر قد ألقى الضوء بالتأكيد على الفارق بينه وبين بوش في هذا المضمار ليس فيما يتعلق بوضع بوش وحضوره غير المناسب في الهيئة مع الحرس الوطني وحسب، ولكن فيما يتعلق أيضا بزيه الخاص بسلاح الطيران عندما ارتداه ومشى به بشكل مختال متبجح ودعوته وقتها ل «احضارهم الى العدالة». \r\n \r\n ان التشابه الأكبر بين جي إف كنيدي الاول والمرشح الحالي لا يكمن في اشتراكهما في الانتماء الى رابطة أيغي، ولا فيما يعقدانه من اجتماعات سياسية لإثارة الحماسة الجماعية ولكن من حقيقة ان الاثنين بنيا الحملة الانتخابية الرئاسية على قصص البطولة في سلاح البحرية. غير ان عرض المؤتمر وتأكيده للقيم العسكرية كان أمرا يثير قليلا من القلق. فالمرء يمكن ان يتساءل ما اذا كان سيقدر أم لا الديمقراطيون في المستقبل، في هذا العصر الذي يغلب على الجيش الطابع الاحترافي والتطوعي، على تحدي حزب جمهوري محافظ من دون وجود أوراق الاعتماد الاخلاقية المتمثلة في «القلوب القرمزية» الثلاثة «ونجم فضي» و«نجم برونزي». \r\n \r\n وما ينتقص قليلا من أداء كيري أثناء المؤتمر هو كيف انه لم يحد قيد أنملة عن التكتيكات التي قد استخدمها من سبقوه، سواء أكانوا ديمقراطيين أم جمهوريين، عند أدائهم لأحاديثهم الخاصة بقبول ترشيحات أحزابهم طوال العقود العديدة الماضية. فتقريبا كل هؤلاء المرشحين التزموا بالصور المجازية نفسها وأسلوب التعهدات نفسه. \r\n \r\n فهناك دائما ذلك التأكيد على ان الحزب هو حزب الوحدويين وليس حزب الفرقاء ودعاة الفتنة. ودائما ما يكون هناك كذلك وقت اثناء تلك الخطب يحاول فيه المتحدث التقليل من نفسه « في 1988 قال بوش سأحاول ان احجم من جاذبيتي لدى الجماهير» وفي 2000 قال آل غور: «اعلم انني لن اكون دائما اكثر سياسي مثير للاهتمام» وهناك كذلك عبارات التفضيل التي يقولها هؤلاء. \r\n \r\n في 1988 قال بوش: «اكره الحرب وأحب السلام» كما ان هناك تلك المحاولات الرامية لاجتذاب النواب، مثل تلك التي يقول فيها المرشح: «هل تتخيلون؟» و«نعم!!» و«هل ستدعهم يفعلون...؟» و«لا!!». كما ان هناك صورا مجازية للاستعانة بقصص اطفال صغار مليئة بالأمل والاحلام وتطاردها مآسي الماضي، ولا يجدون الا صدر امهات يتسمن بالبطولة والشجاعة، ثم يتبين ان هاته الامهات لسن الا المرشح نفسه الذي يتلو الحديث امام الحشود. \r\n \r\n ثم اخيراً هناك جسور لصور مجازية تفوق عدد الجسور الموجودة في مدينة مثل البندقية وجلسات صباحية مليئة بالعبارات الرنانة تفوق تلك التي تشهدها مقاهي احتساء القهوة الصباحية. ان قراءة تلك الاحاديث لا تعني ان المرء سيجد كماً متوقعاً من الهراء وحسب، ولكنه سيجد امراً ثابتا لا يتغير كطقوس زواج الهنود الحمر او طقوس صلوات الحداد عند اليهود. \r\n \r\n ولذلك فإنه لم يطلق عليها اسم «خطابات العرف» من فراغ فتلك هي طقوس قد اعدت لتزويد المتحدث بالاسلحة التي تمكنه من مواجهة الهجمات المقبلة بشكل اكبر من كونها احاديث لعرض سياسات الحزب بشكل مفصل، وهي احاديث يتفاخر بها جورج ماكجوفرن بتقديم «درع قوتنا» لحلفائنا الاضعف، ويتحدث فيها جورج دبليو بوش عن «تعلم حماية العالم الطبيعي حولنا» وتغيير» نبرة حديث واشنطن الى نبرة يغلب عليها التمدن والاحترام» غير ان المؤتمرات شأن كل الطقوس تكشف اشياء بشكل اكبر مما يبدو انها تكشفه. \r\n \r\n ولقد برهن كيري اثناء المؤتمر على صحة وجهات نظر الذين قالوا ان كيري في نهاية المطاف يمكن ان يكون صريحاً ومباشراً بشكل قوي وعنيفا فيما يقوله بل ويمكن ان يقاتل من اجل ما يريد. وفيما يتعلق بأدائه فإنه لا يمكنه على الاطلاق مضاهاة لباقة كلينتون او قدرة باراك او باما في احداث تواصل وألفة بينه وبين المستمعين.. فأفضل ما يمكن لكيري ان يقدمه هو التحدث بشكل تقليدي مفعم بالمشاعر والوطنية. \r\n \r\n غير ان ذلك القرار الخاص بتحجيم اندفاع هؤلاء المتحدثين الذين كانوا يريدون النيل من بوش ومهاجمته وجعلهم يركزون على مصداقية كيري وسيرته وشجاعته وتعاطفه مع الحيوانات الاليفة المنزلية هذا القرار جعل حديث كيري اكثر قوة بكثير من خُطب من لا يستطيع هو مضاهاتهم في لباقة الحديث، فهذا الاقتطاع الحذر من عبارات مهاجمة بوش تبين انه صب في فائدة المتحدث الذي تتركز عليه بالفعل اضواء ذلك اليوم. \r\n \r\n لقد قال كيري: «انا سوف أعيد المصداقية والثقة الى البيت الابيض انا سوف يكون لدي رئيس الاركان الذي لن يخدعنا ابدا ويضللنا للدخول في حالة حرب، سوف يكون لدي نائب رئيس لن يقوم مطلقا بعقد اجتماعات سرية مع اطراف تلوث البيئة من اجل اعادة صياغة قوانين البيئة.. انا اريد اميركا معتمدة على عبقريتها وابتكاراتها» وبعد ان فرغ من توزيع تلك الاتهامات العميقة في جميع اركان حديثه، تحول وجه كيري الى الصرامة الشديدة عندما تقدم بطلبه القديم الخاص بأن يتجه خصمه الى القيام بحملة تتسم بالتفكير الراقي «والافكار الكبيرة بدلا من التركيز على الهجوم الذي ينم عن عقلية صغيرة». \r\n \r\n وفي حقيقة الامر كان الحديث بمثابة اشارة الى ان الانتخابات المقبلة ستكون هي نفسها نوعا من الحرب التي لن يحجم عنها أي من الطرفين. \r\n \r\n وقريبا سيظهر كتاب جديد سينافس «كتيب بوش الكاره» هذا الكتاب يحمل اسم «غير صالح للقيادة قدامى سلاح البحرية يرفضون جون كيري» الجهة الناشرة للكتاب هي ريغنرى، وهي الجهة التي صدر لها كتاب حقق أعلى المبيعات منذ فترة ليست بالطويلة يدعي ان موظفي البيت الابيض في عهد ادارة كلينتون كانوا يعلقون الواقي من الحمل على شجرة الكرسيماس الموجودة في البيت الابيض». \r\n \r\n