\r\n فممثلو الجانب الاول المؤيد لامريكا ولخيار الحرب والغزو والاحتلال لا يزالون متمسكين بمواقفهم الخاطئة وبنظرتهم لواقع الحال الذي يسود العراق حاليا حتى بعد تسلم العراقيين زمام الامور في بلدهم فهؤلاء الممثلون يؤكدون مقولتهم المعلنة: »سنبقى في العراق لنفس الاسباب التي بقينا من اجلها في كل من كوسوفو وافغانستان وفي مناطق اخرى عديدة من العالم, فنحن نقوم ونؤدي مهمة انسانية ونشعر بكل الفخر لقيامنا بذلك, لاننا ان بقينا في العراق, فسيكون الهدف من وراء هذا البقاء اقامة مجتمع ديمقراطي حر بعد مراحل طويلة ومضنية من المعاناة والعذاب بهذه الكلمات المثالية الرنانة حاولت ولا تزال بعض الدول الاوروبية الاعضاء في الاتحاد الاوروبي المؤيدة لخيار الحرب وغزو العراق وبخاصة بريطانيا وايطاليا, تحاول الدفاع عن موقفها الموالي والمؤيد للولايات المتحدة ولادارتها المحافظة بزعامة جورج بوش فيما يخص الحرب على العراق. \r\n \r\n ومن جانب آخر فإن الجميع تقريبا يعرف موقف بريطانيا وايطاليا من جهة, وفرنسا والمانيا من جهة ثانية تجاه هذه الحرب وما رافق ذلك من اختلافات جذرية في وجهات النظر, ومع ان حكومات كل هذه الدول اصبحت اليوم متفقة حول ما تحقق من انجازات على صعيد تولي العراقيين حكم انفسهم بانفسهم وضرورة ان تتولى الاممالمتحدة مهمة الاشراف على المراحل المتعلقة بمستقبل العراق, فإن من يدرس الطرح الاوروبي التفصيلي للملف العراقي, سرعان ما يجد تباعدا كبيرا في الاراء واختلافا واسعا حول طبيعة الحل الذي يراه كل منها هو الانسب والانجح لمواجهة الفوضى والفراغ الامني وحرب التفجيرات ومسلسل الاختطافات على الساحة العراقية. \r\n \r\n ومما يثير الدهشة والاستغراب والتساؤل في هذا الصدد كون ان الجميع في اوروبا, حتى اولئك الذين انضموا اليها حديثا من »اوروبا الجديدة« على يقين تام بأن اي اخفاق امريكي في حفظ الامن والاستقرار والامان في العراق لا بد وان يصل تأثيره الى اوروبا, اذا ما تم الاخذ بعين الاعتبار امتداد ساحات المواجهة مع الارهاب الدولي الى العمق الاوروبي, تماما كما حصل في اسبانيا. \r\n \r\n ومع ذلك فإن كبار السياسيين والدبلوماسيين في اوروبا لا يزالون يعيشون انقسامات جلية وواضحة المعالم وعدم اتفاق حول طبيعة الحلول الممكنة للوضع المتأزم والمتردي في العراق, وفي هذه الاثناء يمكن لأي انسان سياسي او مراقب ان يعتبر انسحاب القوات الاسبانية نوعا من رجحان كفة وجهة النظر الالمانية - الفرنسية حول هذا الموضوع في الوقت الذي تجدد فيه دول تسير في الركب الامريكي مثل بريطانيا وايطاليا, اصرارها على انه »لو كانت اوروبا موحدة بشكل فعلي وجدي فيما يتعلق بالمسألة العراقية, ولو وافقت على الانضمام الى هذه الحرب, لما كان القرار الامريكي لهذه الحرب احادي الجانب. ولما اصبح بالامكان وصف الولاياتالمتحدة بأنها تريد قيادة العالم« ومثل هذا الرأي المحبط للعزائم يعبر في واقع الحال عن التوجهات السلبية لتلك الدول المؤيدة لخيار الحرب والغزو والاحتلال خارج نطاق الشرعية الدولية الممثلة في الاممالمتحدة, والتي تعتبر من الدول المؤثرة في الاتحاد الاوروبي. ومثل هذه المواقف وهذه الاراء تعبر عن موقف حكومات هذه الدول وليس عن رأي شعوبها والرأي العام الشعبي فيها. \r\n \r\n لكن هذه الدول لا تستطيع القول غير ذلك, بعد ان وجدت نفسها متورطة في هذه الحرب وبعد ان اصبحت قواتها غارقة في اوحال هذه الحرب وتواجه حرب عصابات ومقاومة شرسة من العراقيين الرافضين للاحتلال الاجنبي مهما كانت مبرراته. وهنا يعود المرء الى النقطة التي توقف عندها دوما, وهي ان كل الجهات وبخاصة الاوروبية, الداعية الى انسحاب الجنود الامريكيين وقوات التحالف الاخرى من العراق, وتدعو في الوقت نفسه الى بقاء هذه القوات مع فارق قد لا يبدو بسيطا لكنه يمكن ان يحدث تغييرا جذريا في الوضع العراقي, وهو ان تحمل هذه القوات صفة قوات حفظ السلام التابعة للامم المتحدة, اي ان هذه الجهات لا تنفي وجوب وضرورة التواجد الاجنبي المؤقت في العراق لسبب بسيط هو ان امريكا الان اصبحت هي المشكلة في العراق وهي في الوقت نفسه الحل: فاذا بقيت هذه القوات فان الوضع الامني والعسكري والمعيشي المتردي سيبقى على حاله وكما هو عليه الحال الان, والذي من المتوقع ان يزداد سوءا وتعقيدا مع مرور كل يوم جديد على بقاء هذه القوات. \r\n \r\n اما اذا غادرت القوات الامريكية وقوات الدول المتحالفة معها الاراضي العراقية وانسحبت منها تدريجيا وضمن جدول زمني محدد ومعلن, فان من المرجح ان يدخل العراق الجديد بلا ريب في معارك وحروب اهلية داخلية دموية بالنظر لوجود هذا الفراغ الامني والسياسي. ولوجود كل هذا التنوع الاثني السياسي والايديولوجي في العراق فإن اوروبا تختلف وتتفق وتتوحد في مسائل اخرى وتغفل عن اشياء اخرى قد تكون اكثر واكبر اهمية من غيرها, الا ان الوحدة الحقيقية تبقى في اطار دعوة الجميع الى عودة سريعة وحقيقية لمنظمة الاممالمتحدة الى العراق. \r\n \r\n لكن احدا لا يعلم متى ستحين هذه الساعة غير ان الشيء المؤكد ان العراقيين في غالبيتهم وكل دول العالم يحبذون بأن يكون للامم المتحدة دور اكبر واقوى, ليس في العراق فقط, بل وفي كل اماكن النزاعات والازمات والحروب في العالم. \r\n \r\n صحيح ان المنظمة الدولية في ظل النظام العالمي الجديد احادي القطبية قد اصبحت بما يشبه »النمر بدون انياب« واصبحت غير قادرة على القيام بالدور المناط بها في حفظ الامن والسلام في العالم بسبب الضغوط التي تتعرض لها من جانب بعض القوى العظمى, والتي كانت سببا قويا في اخفاق المنظمة الدولة في العديد من المهمات السلمية, الا ان الصحيح ايضا بأن العالم لا يمكن ان يستغني عن هذه المنظمة وان الوقت قد حان الان وفي ضوء الاستفادة من تبعات حرب العراق, للعودة مجددا الى مظلة الاممالمتحدة وتفعيل مؤسسات وتعزيز دورها ونفوذها واعادة تشكيل اجهزتها وجعلها قادرة على التدخل لحل اية ازمة دولة عابرة.0 \r\n \r\n »ديرشبيغل« الالمانية.