فالكتب الصادرة حديثا، تقدم معلومات مفيدة جدا عن هذا الأمر، ومن بين هذه الكتب، كتاب بيل كلينتون الذي يحمل عنوان \" حياتي\" وهو عبارة عن سيرة ذاتية لمؤلفه، وفيه نجد ما يفيد في إطلاعنا على دوره في مفاوضات السلام، التي كانت قد جرت إبان توليه للرئاسة. كما أن هناك كتابا آخر على درجة أكبر من الأهمية، يتوقع صدوره قريبا، وهو من تأليف دنيس روس، المبعوث الأميركي لإدارة كلينتون لمنطقة الشرق الأوسط. ويحمل الكتاب عنوان \" السلام المفقود: خفايا الصراع من أجل سلام الشرق الأوسط\". كما يضم أكثر من 800 صفحة، وهو مترع بالتفاصيل والمعلومات. \r\n \r\n صحيح أن الكثيرين من العرب، لن ينظروا إلى روس باعتباره مصدرا موثوقا به للمعلومات، طالما أن الشائع عنه على نطاق واسع، هو انحيازه إلى الجانب الإسرائيلي.وأنا شخصيا، أجد خلافا كبيرا معه، في الكثير مما توصل إليه من استنتاجات في كتابه هذا. ومما أختلف معه فيه.. نقده الحاد لياسر عرفات، وتحميله القدر الأكبر من وزر ومسؤولية فشل مفاوضات كامب ديفيد وما بعدها. إن ذلك لا يقلل من غنى الكتاب بالمعلومات القيمة والمثيرة، ولا يقلل من إمكان المرء تعلم الكثير من الدروس والعبر منه. وهذا ما سوف أحاول القيام به، سواء فيما يتصل بمسار السلام الإسرائيلي- الفلسطيني، أم بمسار السلام الإسرائيلي- السوري. \r\n \r\n ولنتناول أولا السلام الإسرائيلي- السوري. فمنذ عام 1992، يوم أن كان اسحق رابين رئيس وزراء إسرائيل، وحتى ساعة وفاة الرئيس السوري حافظ الأسد في العاشر من يونيو عام 2000، كانت هناك جهود كثيرة ومتصلة، بغية التوصل إلى اتفاق سلام إسرائيلي- سوري. وكان الرئيس الأسد، قد أصر مرة، على أن تجري مفاوضات حول هذا الأمر،على النطاق العربي ككل، لكن وبحلول عام 1993، كان واضحا أن منظمة التحرير الفلسطينية، تمضي قدما في عقد صفقتها السرية مع الطرف الإسرائيلي، عبر مفاوضات أوسلو. ومن لحظتها لم يشعر الأسد، بأنه مقيد بأي شكل من أشكال التضامن العربي. وكان ذلك يعني استعداده لإبرام صفقة سلام تخص بلاده، لكن بقيت مشكلة الشروط التي ستبرم عليها صفقة السلام، وكيف يتم الربط بين تلك الصفقة والمسار اللبناني. \r\n \r\n أما من جانبه، فقد كان اسحق رابين أكثر حماسا واستعدادا، للتعامل مع الأسد وليس ياسر عرفات.ورأى رابين المزايا الاستراتيجية التي يعنيها وضع حد لنزاعاته على الجبهة الشمالية من بلاده. وفي أغسطس من عام 1993، أبلغت إسرائيل واشنطن عن استعدادها للانسحاب من هضبة الجولان، فيما لو لبى الطرف السوري المطالب الإسرائيلية الخاصة بالأمن والمياه. والمعلوم أن إخطار سوريا، قد قصد منه أن يأتي عبر الوساطة الأميركية. وفي أثناء الأخذ والرد حول هذا العرض، تساءل الأسد عما إذا كانت لإسرائيل أي مطامع أو مزاعم على الأراضي السورية؟ فجاءه الرد بالنفي من جانب واشنطن،لكن وعلى الرغم من هذه المفاتحات، فقد فضل رابين المضي في الطريق ذاته مع الفلسطينيين أولا. ولا يعني ذلك، أن المفاوضات مع الطرف السوري قد وصلت إلى نهايتها. وفي يناير من عام 1994، كان الرئيس بيل كلينتون قد عقد لقاءه الأول- من بين لقاءات ثلاثة- مع الرئيس السوري حافظ الأسد، في جنيف. وفي ذلك اللقاء، تلقى كلينتون من الأسد وعدا بموافقة سوريا على أن تكون لها علاقات طبيعية سلمية مع إسرائيل، في إطار اتفاقية شاملة تبرم بين الطرفين. وفي السياق ذاته، حصل كلينتون على وعد آخر من الأسد، يتعلق بانسحاب القوات السورية من لبنان، فيما لو تم التوصل إلى اتفاق سلام شامل في المنطقة ككل. \r\n \r\n وبعد تلكؤ استمر بضعة أشهر، عاد الأميركيون مجددا إلى التفاوض الإسرائيلي- السوري. وكان الموضوع الرئيسي لتلك المفاوضات، هو تحديد المساحة التي ستتراجع فيها إسرائيل عن الأراضي السورية المحتلة. وتساءل الأسد عما إذا كان المقصود بتلك الحدود، حدود 4 يونيو 1967، أم الحدود القديمة الدولية التي تم ترسيمها بين البلدين(يومها فلسطين) في عام 1923؟ بالنسبة للأسد، الحدود الوحيدة المقبولة، كانت حدود 4 يونيو.وفي الرابع من يونيو 1994، تمكن الأميركيون من الحصول على وعد من رابين بالموافقة على حدود 4 يونيو 1967. ووضعت تلك الموافقة فيما عرف وقتها ب\" جيب رابين\" إلى حين اتضاح الصورة النهائية لما سوف تكون عليه صفقة السلام الشامل في المنطقة. ومع حلول عام 1995، كان قد نما شعور بأن اتفاق سلام إسرائيلي- سوري على وشك أن يتم، لكن طرأ على موقف رابين تحول، شعر خلاله أنه سوف يكون من الصعب جدا على حكومته، إقناع مواطنيها بتقديم تنازلات كبيرة على الجانبين الفلسطيني والسوري في وقت واحد. ولذلك فضل المضي في إبرام صفقة سلام مع الفلسطينيين أولا. وكانت هذه الخطوة الأخيرة قد أبرمت بموجبها اتفاقات أوسلو 2 في خريف عام 1995 نفسه. \r\n \r\n ولم يكن الأسد ليستعجل الطرف الإسرائيلي، وكان راضيا بالانتظار، إلا أن الذي حدث، هو اغتيال إسحق رابين، بعد تلك الاتفاقات مباشرة. إثر ذلك، حاول شيمون بيريز استعجال عقد صفقة سلام مع سوريا، إلا أنه خسر الانتخابات في ربيع العام التالي 1996. وبذلك تكون قد ضاعت لحظة ثانية، لاحت فيها تباشير السلام بين الجانبين. وخلال السنوات الثلاث من رئاسة نتانياهو لمجلس الوزراء الإسرائيلي، يقال: إن اتصالات سرية قد تواصلت بين الجانبين، عبر وسيط أميركي يدعى رون لودر. ووفقا لشهادة لودر، فقد وافق نتانياهو نفسه على حدود 4 يونيو، رغم نفيه الحالي لتلك الموافقة. والمهم أنه لم يتم التوصل إلى أي اتفاق بين الجانبين خلال فترة نتانياهو. وقد تكرر الشيء نفسه في ظل إدارة إيهود باراك، مع عناد أكبر من جانب باراك، على عدم الانسحاب الكامل إلى حدود 4 يونيو التي تريدها سوريا. \r\n \r\n وبعد، فما الذي يمكن استخلاصه من كل هذه القصة؟ ما يمكن استخلاصه هو أنه كان في وسع المفاوضين الرئيسيين الثلاثة: كلينتون، وباراك، والأسد، أن يديروا التفاوض على نحو أفضل مما فعلوا. ثم انني ما زلت على قناعة شخصية، بأن القادة الثلاثة كانوا حريصين كل الحرص، على إبرام صفقة سلام نهائي للنزاع بين الطرفين، غير أن كل واحد منهم، كان قلقا على جبهة بلاده السياسية الداخلية، إلى درجة عجزوا فيها عن أداء دورهم في تلك المفاوضات، بصفتهم قادة ومسؤولين باسم حكومات ودول. أترككم هنا، وأعدكم بأن أخصص مقالي التالي لمسار السلام الإسرائيلي- الفلسطيني، على أن القصة في هذا المسار الأخير، سوف تكون أكثر تعقيدا، على الرغم من أنها سوف تفضي بنا إلى النتيجة ذاتها: حالة اللاسلام. \r\n