. فأنت بحاجة الآن إلى قدر من الحكمة التي كان يتميز بها والدك. ربما لم يكن لدى والدك، الرئيس الحادي والأربعين للولايات المتحدة، ذلك الشيء الذي يسمونه الخيال.. ولكن مما لا شك فيه أنه كان يمتلك ذلك الشيء الذي يسمونه التعقل والحكمة. لقد أدرك والدك أنه لن يستطيع أن يطرد صدام حسين من العراق، دون وجود تحالف حقيقي يضم مصر وسوريا والمملكة العربية السعودية وغيرها من الدول العربية الرئيسية، كما يضم أيضا حلفاء الناتو والأممالمتحدة. \r\n \r\n والشيء الذي كان مناسبا لطرد صدام من الكويت، كان مناسبا ثلاث مرات لطرد صدام من العراق، وهو مناسب الآن أربع مرات لطرد البعثيين العنيدين من الفلوجة، وطرد الراديكاليين الشيعة من النجف. \r\n \r\n عندما كانت الأمور تمضي على ما يرام في بغداد بالنسبة للعملية السياسية، فإن أميركا كانت قادرة على المضي قدما في طريقها عن طريق شراء الولاء بالمال، أو فرضه بالعضلات. أما حين تقوم أميركا الآن بالحديث عن قتل الشباب العراقي المتمرد، ورجال الدين، فإنها يجب أن تعرف أنها لن تستطيع شراء الشرعية التي تمكنها من القيام بذلك، كما أنها لن تستطيع فرضها فرضا. أما المعتدلون العراقيون، فهم خائفون إلى درجة تحول بينهم وبين الوقوف، والدفاع عن تلك الشرعية من تلقاء ذواتهم. أن ما سيحدث في الواقع فهو أن هؤلاء المعتدلين سوف يهربون بعيدا عن الولاياتالمتحدة، ولن يستطيع أحد أن يعزز موقفهم سوى تحالف يضم الأممالمتحدة، والعرب والدول الإسلامية، وأوروبا- أي تحالف بوش الأب نفسه. إنني سعيد بأن دولة مثل السلفادور معنا الآن، ولكن يجب علينا أن نعرف أنه عندما يحصل العراقيون على أطباق فضائية، فإنهم لن يقوموا بضبط اتجاهات تلك الأطباق على تلفزيون السلفادور، وإنما على تلفزيون الجزيرة. \r\n \r\n إذا ما وقفت أميركا بمفردها أمام الشارع العراقي، فإننا سنخسر. أما إذا ما وقف العالم ضد هذا الشارع، فإن هناك فرصة أمامنا كي نكسب. \r\n \r\n علاوة على الحوارات التي أشرت إليها في بداية المقال، فإننا بحاجة إلى حوارين آخرين. \r\n \r\n الحوار الأول مع الأكراد. أنا في الحقيقة لا أحمل لأكراد العراق سوى الاحترام، لأن هؤلاء الناس لديهم روح ديمقراطية في الحقيقة. مع ذلك فإن الحاصل أنهم وفي الحوار الذي يدور في مجلس الحكم العراقي حول دستور العراق المؤقت يقومون بتجاوز حدودهم. وفي الحقيقة أن فريق بوش قد ارتكب غلطة كبيرة عندما أتاح لهم تلك الفرصة، وذلك عندما منحهم حق فيتو فعلي بشأن تقرير دستور العراق النهائي. إنني أعتقد أن الأكراد يحتاجون- ويستحقون- نوعا من الحماية. ومن ناحيتي فإنني سوف أقوم بتأييد أية ضمانات تمنحها الولاياتالمتحدة لهم. ولكن المشكلة فيما يتعلق بهذا الموضوع، هي أن هناك أعدادا كبيرا من الشيعة المعتدلين الذين يقودهم آية الله السيستاني، يشعرون بأن دستور العراق المؤقت يميل بشدة لصالح حقوق الأقليات ويجور على حقوق الأغلبية (الشيعة). وإذا ما كان لدى هذا الدستور المؤقت أي أمل في النجاة من هذا الصراع، والحصول على قبول من الأغلبية الشيعية المعتدلة، فإنه بحاجة إلى إعادة معايرة للوضع، وذلك من خلال إجراء حوار (وهذا هو الحوار الثاني) بين قادة الطوائف العراقية، وحوار معنا. بخلاف ذلك فإن تحقيق نقل للسلطة بشكل مستقل سيكون أمرا مستحيلا. \r\n \r\n القادة العرب أيضا لهم مصلحة حيوية في العمل مع الولاياتالمتحدة من أجل إخماد الاضطرابات في العراق، ومن أجل إعادة تمكين الأغلبية التي يمكن أن تكون معتدلة في هذا الشعب. وعلى رغم أن القيام بمساعدة إدارة بوش الآن قد لا يكون شيئا مستساغا بالنسبة لهم، وعلى رغم أن إجراء انتخابات في العراق قد يكون شيئا مقلقا بالنسبة لهم، على اعتبار أنهم قادة غير منتخبين، فإن ترك العراق الغني بالنفط كي يسيطر عليه البعثيون المتعصبون السعداء بالعمل مع تنظيم القاعدة، والشيعة الراديكاليون السعداء بالعمل مع إيران، سوف يكون أسوأ لهم من كل هذا. سيكون أسوأ لأنه سيؤدي إلى زيادة قوة الراديكاليين عبر العالم العربي، وإلى تجميد عملية الإصلاح الوليدة هناك. \r\n \r\n هذا تحديدا هو السبب الذي جعلني أقول في بداية المقال إن الزعماء العرب في حاجة إلى الحديث مع أبنائهم وبناتهم. فإذا ما فقد العرب عقداً آخر من الإصلاح بسبب خروج العراق عن نطاق السيطرة، في الوقت نفسه الذي يمضي فيه العالم بسرعة إلى الأمام، فإن معنى ذلك هو أن هؤلاء الأبناء والبنات سيجدون أنفسهم خارج المنظومة العالمية، ومضطرين إلى التعامل مع العديد من (فالوجاتهم). تحدثوا للشباب العربي اليوم، وسوف تجدون أن العديدين منهم يشعرون باليأس والقنوط بسبب الأوضاع السائدة في مجتمعاتهم. إن هؤلاء الشباب يجدون أنفسهم اليوم واقفين في مهب الرياح وسط عاصفة رملية هوجاء تتضاءل فيها فرص تحقيق آمالهم المنشودة. \r\n \r\n إن ما يحدث في العراق اليوم ليس حربا بين الإسلام الراديكالي وبين أميركا، إنها، وهذا هو الأكثر أهمية، حرب داخل الإسلام ذاته. إنها حرب بين هؤلاء الذين يريدون إسلاما ذا وجه تقدمي وإنساني، وقادر على الاندماج مع العالم..وبين أولئك الذين يريدون إسلاما يقوم على النفي والإقصاء ومعاداة الآخر. لذلك كله أقول إننا بحاجة إلى كل ما يستطيع العرب والمسلمون تقديمه -وما نستطيع الحصول عليه- من دعم كي نتأكد أن العراق سوف يصل في النهاية إلى محصلة لائقة. ولكن يجب علينا أن نعرف، ونحن نقوم بذلك، أن العالم العربي – الإسلامي يحتاج إلى محصلة لائقة في العراق بالدرجة نفسها التي نحتاج بها نحن إلى ذلك.. إن لم يكن أكثر. \r\n \r\n ينشر بترتيب خاص مع خدمة \"نيويورك تايمز\"