\r\n فمن الشق اليميني مثلا، بدأ اللفتنانت جنرال المتقاعد ويليام أودوم، يروج لفكرة أن الاحتلال يعد أمراً فاشلاً سلفاً، وأن الوقت قد أزف لسحب القوات الأميركية الموجودة في العراق. أما في الشق اليساري من الحياة السياسية الأميركية، فهناك كل من جيمس شتاينبرج، نائب مستشار الأمن القومي للرئيس بيل كلينتون، ومايكل أوهانلون المحلل السياسي لدى مؤسسة بروكنجز، وكلاهما يؤمن بضرورة أن تقطع الولاياتالمتحدة موعداً لانسحابها من العراق، في وقت ما خلال العام المقبل 2005، وألا تبقى بعد ذلك إلا إذا طلبت منها الحكومة العراقية الجديدة تحديدا البقاء. \r\n \r\n بل إن في تيار الوسط كذلك، من يعتقد أن على الولاياتالمتحدة أن ترضخ لحل تقسيم ثلاثي للعراق، على أساس السنة والشيعة والأكراد. وأبرز ممثلي هذا الرأي هو ليزلي جليب، الرئيس الفخري لمجلس العلاقات الخارجية. وبين هذا الموقف وذاك، هناك من النقاد- نذكر منهم الجنرال المتقاعد أنتوني زيني- من يأخذ بعملية الغزو الأميركي للعراق، باعتبارها مما يوصف بالفشل مباشرة، ويرد أسباب هذا الفشل إلى جملة أسباب وعوامل، من أهمها، ضعف التخطيط، ونقص الموارد، وسوء التنفيذ. إلى ذلك فقد أثار البعض حجة أن تحويل العراق إلى ديمقراطية فاعلة، هو من نوع المهام التي تقع خارج قدرات الولاياتالمتحدة من الأساس. \r\n \r\n صحيح أن هناك صعوبة ملموسة في الوصول إلى هدف تحويل العراق إلى بلد مستقر موحد، ولا يمثل تهديداً قومياً أو إقليمياً لأحد. غير أن للتخلي عن هذا الواجب تداعيات وعواقب وخيمة هو الآخر. أضف إلى ذلك أن انسحاب الولاياتالمتحدة أمام الضغوط والهجمات التي يشنها الإرهابيون، سوف ينظر إليه على أنه هزيمة استراتيجية تاريخية، لا تتناسب ووزنها العسكري والسياسي. وفيما لو انسحبنا في الوقت الحالي، فإن الرسالة السياسية التي نكون قد بعثنا بها لكافة دول وشعوب العالم هي، أن في مقدور حفنة من القنابل والمتفجرات المزروعة على جانبي الطرقات والشوارع العامة، والقليل من الهجمات الإرهابية الانتحارية المتفرقة هنا وهناك، إضافة إلى القليل من مشاهد قتل المواطنين المدنيين، وقطع رؤوسهم أمام الملأ، أن تكفي لمواجهة الولاياتالمتحدة الأميركية ومنازلتها، بل تكفي أيضا لإثناء أي حكومة عن الوصول إلى غاياتها وبرامجها المخططة. \r\n \r\n لذا فإن أي نجاح يحرزه الإرهابيون في طرد الولاياتالمتحدة وإرغامها على الخروج، إنما يعني رصيدا سياسيا وإعلاميا مباشرا لصالح الإرهابيين. وعندها نكون قد حفزنا المزيد من الحماس والرغبة، في انضمام متطرفين جدد إلى صفوف الإرهاب، وفتحنا شهية الإرهاب لتنفيذ المزيد من العمليات والهجمات على نطاق العالم كله. وعلينا ألا ننسى أن في الانسحاب من العراق في الوقت الحالي، مخاطرة كبيرة بتحوله إلى دولة فاشلة على عكس ما أردنا. ذلك أن مغادرة القوات الأميركية في ظل الظروف الراهنة، سوف تنشأ عنها حالة فراغ أمني، سرعان ما تسده الجماعات الأكثر تطرفا وتسلحا هناك. \r\n \r\n وليس مستبعدا أن تتصارع المجموعات العرقية والدينية والثقافية من المواطنين العراقيين، من أجل السيطرة على موارد ذلك البلد الغني. وفيما لو حدث ذلك، فإن على الأرجح أن يشهد العراق، حربا أهلية وعمليات تطهير عرقي، تفوق كثيرا ما شهدته جمهورية يوغوسلافيا السابقة. وليس مستبعدا أن يغري نزاع كهذا، دول الجوار مثل تركيا وإيران وسوريا والمملكة العربية السعودية للتدخل. وإن لم يكن هذا تدخلا عسكريا مباشرا، فعلى الأقل من خلال مد التيارات والفصائل الموالية لها، بالمال والسلاح والعتاد الحربي. والسخرية كل السخرية هنا، أن الولاياتالمتحدة ستكون قد انتهت إلى أفغانستان أخرى، شرق أوسطية، وأنها ستكون قد وفرت ملاذا آمنا ومعقلا جديدا هناك للإرهابيين، في الوقت الذي لا تزال تسعى فيه، لتأمين الاستقرار والأمن في أفغانستان الحقيقية، صاحبة الاسم. \r\n \r\n وفي حين أعلنت إدارة بوش عن عزمها البقاء إلى حين اكتمال المهمة التي بدأتها في العراق، فقد أردفت ذلك بإجراء جملة من التصحيحات لسياساتها وخططها المتبعة سابقا. وتتلخص هذه الإصلاحات في الإسراع بنقل السيادة إلى أيدي العراقيين، وتوسيع الدور الذي يمكن أن تنهض به الأممالمتحدة. ووفقا لتلك التصحيحات، فإن العراق سيكف عن أن يكون بلدا محتلا، اعتبارا من تاريخ الثلاثين من يونيو المقبل. ذلك هو الموقف الذي أعلنه بوضوح وزير الخارجية كولن باول بقوله، إن بقاء القوات الأميركية في العراق بعد ذلك التاريخ، سيكون رهناً بطلب من الحكومة العراقية الجديدة بهذا الخصوص. وفيما لو كان خيار الحكومة العراقية الجديدة هو بقاء القوات الأميركية في أراضيها، فإن خيارا كهذا سيطالب الولاياتالمتحدة، بإجراء تغييرات أساسية على خططها العسكرية والحربية هناك، بحيث تتلاءم والتغييرات السياسية التي أجرتها مؤخرا. \r\n \r\n وتتلخص التغييرات والتعديلات العسكرية المطلوبة، في ألا تلجأ القوات الأميركية إلى تدمير القرى العراقية، بغية حفظ الأمن والنظام فيها. ولن يتسنى للمقاتلين الأميركيين، قصف المدن والقرى المأهولة بالسكان، بسلاح المدفعية الثقيلة وسلاح الطيران، بصرف النظر عن حجم ومدى الاستفزاز العسكري الذي تتعرض له تلك القوات. ومعيار الحكم على مثل هذه العمليات والممارسات، ليس كونها تنسجم وقوانين النزاع المسلح أم لا، بقدر ما أن المعيار هو استحالة استخدامها ضد مواطنين، يفترض أنهم حلفاء لنا، ويفترض أننا نحصل على إذنهم ورغبتهم في أن نبقى عسكريا في بلادهم أولا. \r\n \r\n جيمس دوبينز \r\n \r\n مدير مركز الأمن الدولي والسياسات الدفاعية لدى مؤسسة راند \r\n \r\n فيليب إتش. جوردون \r\n \r\n زميل رئيسي لدى برامج دراسة السياسة الخارجية في مؤسسة بروكنجز \r\n \r\n ينشر بترتيب خاص مع خدمة \"لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست\" \r\n