\r\n \r\n وقد دفعني إلى الاستقالة من عملي في فبراير 2003 إيماني بأن الحد الأدنى من الهدف كان غير قابل للتحقيق. وكنت متأكداً من أن العراق في عام 2004 سيكون مثل ألمانيا أو اليابان عام 1946. وقبل نشر الصور المروعة من سجن أبو غريب، كنا نفتقر في عيون العالم الإسلامي إلى صفات المحررين، حيث لم تكن لدينا أدوات لبناء الديمقراطية، ولم يكن هناك عدو خارجي لنا ولا \"جيش أحمر\" يشرّع كوننا أهون الشرين. وكانت الانقسامات العراقية أعمق من أن تلائمها الحلول المستعجلة، كما كان العراقيون المتأمركون، الذين تقاطروا وراء دباباتنا، إما مخادعين أو غير ملائمين. \r\n \r\n ويبدو أننا الآن عالقون. فإذا سلّمنا السلطة إلى حكومة عراقية في 30 يونيو، فإننا سنكون قد حكمنا عليها منذ البداية. فالشرعية هنا هي الحلقة المفقودة، وهي الرأسمال الاجتماعي-الأخلاقي المعنوي الذي يجعل جموع السكان تطيع السلطة بالغريزة بدلاً من الإكراه. ولا نستطيع منح الديمقراطية، لا نحن ولا الأممالمتحدة. ومصادر الشرعية في العراق لن تكون كافية. فالعباءة الدينية التي يلبسها السيستاني لا تغطي السنّة ولا الأكراد، ولا حتى كل الشيعة. أمّا الحكام الذين توارثوا عرش العراق ففقدوا قبضتهم هناك منذ زمن بعيد. وليس هناك تهديد خارجي يؤدي إلى حشد التوجه القومي العراقي. \r\n \r\n وإذا أعلنت أميركا انتصارها وسحبت جنودها، فإنها ستترك وراءها حكومة لن تطاع أوامرها، وجماعة متفرقة من الزعماء تستمد شرعيتها من نبع عنف قد لا يجف. فإما أن يصبح العراق كأفغانستان ويتحول إلى تشكيلة من الولايات القبلية المتنافسة التي تشكل أرضاً لتفريخ الإرهاب، وإما أن تتشكل وحدة سنّية- شيعية بفعل حرب أهلية وحشية. لكن قبل أن تجف الدماء، سيحشو الخاسرون العراقيون الغاضبون مدافعهم من جديد لشن جهاد جديد ضد أميركا التي غدرت بهم. \r\n \r\n فهل قرار بوش بالتزام المسار هو حقاً الخيار الوحيد للانسحاب من العراق؟ \r\n \r\n تقول حسابات بريمر إن السكان العراقيين سيتحملون وجود حكومة عراقية تتشكل بوساطة الأممالمتحدة وتضمن الأمن والرخاء. \r\n \r\n لكن الحكومة الجديدة ستتعرض للتحديات. فالقوات العراقية التي درّبناها ستبقى رافضة لإطلاق الرصاص على العراقيين. وعندما تتدخل القوات الأميركية، ستنخلع على الفور عباءة الشرعية عن الحكومة العراقية. \r\n \r\n وليس لدى أميركا 100 ألف جندي إضافي من القوات البرية من أجل نظام أمني يدوم عقداً. والأسوأ أن الوجود الأميركي بحد ذاته يعمّق صدوع المجتمع العراقي. وما دام القول الفصل للجنود الأميركيين، فإن العراقيين لن يطوروا أبداً الوحدة والمسؤولية الضروريتين لدولة قابلة للحياة. ومن دون الوحدة، ستكون أميركا عالقة في العراق بفعل وجود شبح الحرب الأهلية. \r\n \r\n فهل انعدم الأمل من هذا الوضع؟ ليس تماماً. فانتفاضة مقتدى الصدر وجيشه تشكل مؤشراً إلى سير الأوضاع، باعتبار أنها حققت وحدة قصيرة بين المتمردين من شيعة وسنّة. ذلك لأن مقاومته حوّلته من شخص متوسط المقدرة إلى شخصية وطنية. فالصراع ضد الاحتلال الأجنبي يمكن أن يولّد الشرعية الضرورية لتماسك العراق. والزعيم القادر على إخراج الأميركيين يستطيع المطالبة بولاء عدد من العراقيين يكفي لحكم العراق بطرق مقبولة أكثر من طرق صدام حسين. \r\n \r\n ولابد لأميركا من التخلي عن حلمها بالنصر وقبول مظهر المهزوم. ويعني ذلك عملياً أن علينا إلقاء نظرة باردة تحليلية على القوى المحتشدة ضدنا في العراق، ثم نقرر من هو الزعيم الذي ينبغي أن يتاح له تحقيق مجد تحرير بلاده من الاحتلال الأجنبي؛ ثم ينبغي أن تتخلى أميركا له عن انتصارات تكتيكية تحرم منافسيه منها؛ وينبغي أن نفتح قناة اتصالات معه وأن نفرض القواعد لتقييد ميدان المعركة وتقليص الإصابات إلى الحد الأدنى. \r\n \r\n وسرعان ما يحتشد العراقيون متوجهين إلى أي زعيم يرتبط في أذهانهم بتقهقرنا. وينبغي أن نتوارى عن الأنظار، في حين يتولى خصمنا المسؤولية عن الأمن الأغلى لدى العراقيين من الحرية. بعدئذ ننسحب تماماً في الوقت الملائم، ثم يدخل الزعيم العراقي بغداد منتصراً لتحييه الجماهير بالورود التي لم تنهمر علينا إطلاقاً. \r\n \r\n وفي هذا السيناريو صعوبات كثيرة، ومنها أن الرئيس الأميركي قد لا يتحلى بشجاعة كافية للاعتراف بالهزيمة، حتى ولو كانت إسمية. ولن يكون الأكراد معجبين بأي مخلّص لهم من خارج كردستان، وهو ما يعني الحاجة إلى وجود التهديدات التركية والوعود الأميركية لإبقاء الأكراد ضمن الدولة الفيدرالية العراقية؛ ثم إن الكونغرس لن يخصص أموالاً لإعادة إعمار بلد ألحق بنا الهزيمة. \r\n \r\n والهزيمة الفعلية بديل الهزيمة الافتراضية. وأميركا قوية وغنية إلى حد يجعلنا لا نصرّ على تحقيق نصر ما بأي ثمن. وعلى رغم أن النوايا الحسنة الأميركية باتت مدار جدل شديد حول العالم، فإن القوة الأميركية ليست مدار شك. لكن اعترافنا بما هو واضح- أي بأننا لسنا ذوي قدرة كلّية مطلقة- سيجعلنا أكثر أمناً، وسيبعد الشرق الأوسط عن تحميل أميركا المسؤولية عمّا فيه من ركود. \r\n \r\n إن النصر يفرض على المنتصرين التزامهم بالشهامة. وامتناع أميركا عن اتخاذ قرارات سياسية سيحكم علينا بعقد كامل من الخسائر العبثية في العراق. وهناك بديل، وهو ليس أن نلوذ بالفرار، بل أن نقاتل وأن نخسر بمكر مشرّف. فدعونا نرَ ما إذا كان بوش يتحلى بشجاعة كافية لإنهاء ما بدأه، ولمنح أميركا أمناً أكثر بقليل مما كان لها قبل أن يتولى منصبه. \r\n \r\n \r\n جون برادي كيسلينغ \r\n \r\n القنصل الأميركي في أثينا. استقال احتجاجاً على الحرب في العراق عشية اندلاعها. \r\n \r\n يُنشر بترتيب خاص مع خدمة \"لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست\" \r\n