أستاذ بالبحوث الزراعية: مشروع مستقبل مصر إضافة كبيرة للأمن الغذائي    «جي في أوتو» تبدأ تصنيع سيارة كهربائية صينية في مصر خلال 2025    مصادر سيادية تنفي إجراء محادثات هاتفية حول أزمة معبر رفح    "ليس خلاف أفراد بل دول".. أستاذ قانون دولي يرد على كل مزاعم تأخر مصر في التحرك ضد إسرائيل    عاجل.. صلاح يقود تشكيل ليفربول الرسمي ضد أستون فيلا في الدوري الإنجليزي    تجديد حبس عامل بتهمة الاتجار في مخدر الحشيش بالشروق    حجازي: فلسفة التعليم المجتمعي إحدى العوامل التي تعمل على سد منابع الأمية    40 صورة ترصد الحشد الكبير لمؤتمر اتحاد القبائل العربية    «التعليم» تلوح ب «كارت» العقوبات لردع المخالفين    "مدرب الأهلي الحالي".. الاتحاد المصري لكرة الطائرة يعلن عن المدير الفني الجديد للمنتخب    بدء التشغيل التجريبي للتقاضى الإلكتروني بمحاكم مجلس الدولة .. قريبا    "مش هتلمسني إلا لو موتني".. القبض على سائق أوبر متهم بخطف فتاة التجمع    لو بتستعد للإجازة.. مواعيد القطارات الصيفية لمرسى مطروح والإسكندرية    كواليس وضع اللمسات الأخيرة قبل افتتاح مهرجان كان السينمائي الدولي في دورته ال77    إيرادات الأحد.. "السرب" الأول و"فاصل من اللحظات اللذيذة" بالمركز الثالث    ما الفرق بين الحج والعمرة؟.. أمين الفتوى يجيب    أمين الفتوى: لو بتسرح في الصلاة افعل هذا الأمر «فيديو»    بوتين يعقد أول اجتماع لمجلس الأمن الروسي بعد التغييرات في قيادته    ساوثجيت عن تدريب يونايتد: شيء واحد فقط يهمني    إيسترن كومباني بطلًا لكأس مصر للشطرنج    أشرف زكي: «اللي عايز يعرف تاريخ مصر يتفرج على أفلام عادل إمام»    رشا الجزار: "استخدمنا قوة مصر الناعمة لدعم أشقائنا الفلسطنيين"    أفغانستان: استمرار البحث عن مفقودين في أعقاب الفيضانات المدمرة    بعد الإعلان عنها، تعرف على شروط ورابط التقديم لوظائف الجامع الأزهر    هل يدعو آل البيت لمن يزورهم؟.. الإفتاء تُجيب    طرق إنقاص الوزن، بالأطعمة الصحية الحارقة للدهون    رئيس جنايات بورسعيد قبل النطق بالحكم على مغتصب طفلتين: الجاني ارتكب أبشع الجرائم الإنسانية    سينتقل إلى الدوري الأمريكي.. جيرو يعلن رحيله عن ميلان رسمياً    مدرب توتنهام: لا أستمتع ببؤس الآخرين.. وأثق في رغبة المشجعين بالفوز على مانشستر سيتي    وزير التعليم يحضر مناقشة رسالة دكتوراه لمدير مدرسة في جنوب سيناء لتعميم المدارس التكنولوجية    وزير الصحة يبحث مع نظيره اليوناني فرص التعاون في تطوير وإنشاء مرافق السياحة العلاجية    سفير واشنطن لدى إسرائيل ينفي تغير العلاقة بين الجانبين    الغموض يحيط بموقف رياض محرز من الانضمام للمنتخب الجزائري    المفتي للحجاج: ادعو لمصر وأولياء أمر البلاد ليعم الخير    برلماني: السياسات المالية والضريبية تُسهم في تعزيز التنمية الاقتصادية وجذب الاستثمارات الأجنبية    مدير التأمين الصحي بالشرقية يعقد اجتماعا لمكافحة العدوى    «فورين أفيرز» الأمريكية: الناتو لا يمكنه الصمود بدون الولايات المتحدة    تنطلق السبت المقبل.. قصر ثقافة قنا يشهد 16 عرضا مسرحيا لمحافظات الصعيد    ما هو موعد عيد الاضحى 2024 في الجزائر؟    رئيس جامعة قناة السويس يتفقد كلية طب الأسنان (صور)    إطلاق مشروع تطوير "عواصم المحافظات" لتوفير وحدات سكنية حضرية بالتقسيط ودون فوائد    وزير الرى: احتياجات مصر المائية تبلغ 114 مليار متر مكعب سنويا    مناظرة بين إسلام بحيري وعبد الله رشدي يديرها عمرو أديب.. قريبا    محافظ سوهاج ورئيس هيئة النيابة الإدارية يوقعان بروتوكول تعاون    افتتاح أول فرع دائم لإصدارات الأزهر العلمية بمقر الجامع الأزهر    الرئيس السيسي: الدولار كان وما زال تحديا.. وتجاوز المشكلة عبر زيادة الإنتاج    معهد الاقتصاد الزراعي ينظم ورشة للتعريف بمفهوم "الزراعة بدون تربة"    تحرير 92 مخالفة متنوعة خلال حملات رقابية على المخابز البلدية والأسواق    توقعات برج العقرب من يوم 13 إلى 18 مايو 2024: أرباح مالية غير متوقعة    شعبة الأدوية توجه نداء عاجلا لمجلس الوزراء: نقص غير مسبوق في الأدوية وزيادة المهربة    محافظ القليوبية يستقبل رئيس جامعة بنها (تفاصيل)    هل يحق للمطلقة أكثر من مرة الحصول على معاش والدها؟.. «التأمينات» توضح الشروط    وزير الإسكان يتفقد سير العمل بمشروع سد «جوليوس نيريري» الكهرومائية بتنزانيا    هيئة التنمية الصناعية تستعرض مع وفد البنك الدولى موقف تطور الأعمال بالمناطق الصناعية بقنا وسوهاج    اليوم.. «صحة المنيا» تنظم قافلة طبية بقرية في ديرمواس ضمن «حياة كريمة»    تعرف على الحالة المرورية بالقاهرة والجيزة    الأقصر تتسلم شارة وعلم عاصمة الثقافة الرياضية العربية للعام 2024    "أوتشا": مقتل 27 مدنيًا وإصابة 130 في إقليم دارفور بغربي السودان    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



في الغزو الأميركي الجديد للعراق
نشر في التغيير يوم 14 - 08 - 2014

بدأت واشنطن توجيه ضربات جوية لمواقع "الدولة الإسلامية" (داعش) في العراق، وحسب التجربة وبالاستشراف السياسي وتحليل المواقف المعلنة والعودة إلى مشروع واشنطن الأصلي في غزو العراق أو سيناريو ما بعد الاحتلال المباشر، فإن المقصود كان دائما يتوجه نحو تركيز وتثبيت سيناريو مشترك مع إيران وعبر ذات الجماعات التي استخدمها الطرفان في تكريس الواقع السياسي بعد الاحتلال.
فواشنطن تخشى من فقدان هذا المشروع التوافقي وانهياره، ودخول العراق في حالة تمرد واستقلال من قواه الإسلامية الوطنية، وليس الخشية من تحويله إلى حالة فوضى عارمة، تضمن فيه واشنطن بقاءه مضطربا أسيرا للأرض المحروقة بين داعش وإيران، فهذا قد يكون مطلبا أصليا لواشنطن لرهن العراق بواقع الجحيم حتى لا يفكّر مطلقا بعودته للمشرق العربي وتهديد مصالح واشنطن أو نفوذها.
ولكن واشنطن أيضا لا تضمن بقاء دائرة الأرض المحروقة في حدود محاصرة وإن سعت لذلك، وعليه فإن مخاوفها من حريق داعش حقيقي كما هي مخاوفها من تحول فكرة ثورة العشائر إلى مشروع وطني يُثبّت على الأرض، وفي كل الأحوال ستعود المهمة لتدعيم جماعات إيران فيه لاستكمال مهمة الحصار الآني للعراق، وإن كانت واشنطن لا تستطيع أن تُبقي هذا الخيار متاحا للأبد كما تظهر صورة الوضع الأمني والسياسي المتفجرة في العراق.
"يهدف التدخل الأميركي لتدعيم جماعات إيران لاستكمال مهمة الحصار الآني للعراق، وإن كانت واشنطن لا تستطيع أن تُبقي هذا الخيار متاحا للأبد كما تظهر صورة الوضع الأمني والسياسي المتفجرة في العراق"
ولذلك تُلح واشنطن على إيران بصورة غير مباشرة من خلال تقريع المالكي المستمر أو من خلال رسائلها للتحالف الطائفي الشيعي الحاكم في العراق، بضرورة الخروج من هزائمهم السياسية الكبرى وفشلهم المتواصل وعجزهم عن تحويل الكيان الطائفي الذي سُلّم لهم إلى مشروع دولة حتى ولو كانت تخفي وراءها طموحها وخطابها الطائفي.
ويتضح ذلك من خلال معايير التمييز من الوظيفة إلى القتل الذي تمارسه حكومات هذا التحالف الطائفي الكريه والغبي بحسب تقديرات أصدقائه في واشنطن، ولا تزال واشنطن تحاول تدريبه لخدمة مشاريعها الاستعمارية وإعطائه مساحة لنزواته الطائفية لكن تحت غطاء دولة، لكنها تفشل ويفشل معها هذا التحالف باستمرار.
ولذلك أعقبت واشنطن إعلانها للضربات الجوية ومشاركة فرنسا معها، باشتراط وجود حكومة جديدة للاستمرار في هذه الضربات وتفعيلها، وهي الضربات التي سعى لها هذا التحالف المرعوب من واقعه أمام زحف داعش أو بزوغ ثورة العشائر، وحكومة الوحدة الوطنية التي تشترط واشنطن وجودها هي مشروع وهمي لا حقيقة له فاعلة في الأرض، لكنه يتطلب بعض الانفكاك الضروري من الشبق الطائفي للتحالف وفتح مساحة لسياسيين سنّة لن يغيروا من المعادلة، لكنهم سيعطون مبررا لواشنطن أمام العالم ودول الخليج بتغيّر العقلية الطائفية لدى حلفائها.
وفي هذا التوقيت الحسّاس فإن غزو واشنطن الجديد يأتي كحبل إنقاذ مهم لطهران التي استنزفت مؤخرا في أكثر من موقع واضطرت لاستخدام مليشياتها في لبنان والعراق بكثافة في سوريا، لدعم نظام الأسد واتحدت مع واشنطن في وقف وبعثرة الثورة السورية، لكن ذلك بدأ يرتد عليها، ومجددا تعود أزمتها إلى العراق بعد ثورة العشائر من جهة وداعش من جهة أخرى.
وعليه فإن هذا الغزو الجديد وإن صدّرت طهران بعض الضجيج المعتاد ضد حليفها "الشيطان الأكبر" الذي تُمضي معه الصفقات، فهو فرصة لالتقاط الأنفاس وإعادة تدوير قوّاتها ومليشياتها في المنطقة، والاستعداد لحصاد سياسي جديد بعد ضمان الخلاص وعبر الشريك الأميركي من صعود خصومها من جديد.
غير أن اللوحة والصورة الشاملة في المشرق العربي معقدة جدا، ولا تضمن لواشنطن وطهران هذا التقاسم بسهولة كما جرى في مواسم سابقة، وحتّى رهان واشنطن على تحييد داعش عن آبار النفط في الخليج وتعطيل فوضى زحف حريقه جنوبا، لا تملك فيه واشنطن مؤشرا حاسما، لكنها وفي كل الأحوال قررت خوض التجربة من جديد، وعودة سلاحها لضمان قمع أي تمرد سني سواء كان ثوريا منضبطا لوطنه وأمته، أو تكفيريا فوضويا، فهي بحاجة إلى تعديل هذه الموازين التي خسرت فيها.
"نحن أمام حلقة فوضى جديدة عبر هذا الغزو، لم تكتمل قراءة معالمها، وهل لدى ثورتي العراق والشام قدرة على تجنب موجتها ثم العبور لمشروعها الوطني، أم أن حروب الفوضى ستعيد كل المشاريع لنقطة الصفر؟"
إن المدخل العام للغزو الذي لن يطول كثيرا على الصعيد البري، هو محاولة استنساخ مشروع ضرب المقاومة العراقية 2006 و2007 ثم خنقها بذات التحرك مع تعديل نسبي، تضمن واشنطن استغلال فوضى الأرض المحروقة الذي تتيحه داعش لقمع حواضن الثورة الشعبية العشائرية وتدمير بنيتها التحتية، وقصف هذه المناطق والمجاميع الوطنية ونسبة ذلك لداعش، لإحباط آمال أنصار المقاومة بإقامة دولة استقلال وطني، عبر الضربات الجوية واقتحامات بعض المدن وتفرّغ القوات العراقية لاستهداف شخصيات الثورة والتضييق على حواضنها السنية.
في ذات الوقت فإنها ستركز على تشتيت داعش وبعثرتها من جديد كما جرى سابقا مع أصول داعش في قاعدة العراق، وهو أمر ممكن كون أن داعش تعتمد عند القصف الجوي الشديد والمكثف على الانسحابات وإعادة تجميع قواتها باستدعاء جديد لشباب الخليج والمغرب العربي، ثم العودة إلى المواقع بزحف مفاجئ، سواء في العراق أو سوريا، في ذات الوقت الذي تتفرغ فيه واشنطن والمليشيات الإيرانية لمحاصرة واقتحام البناء السني المقاوم الذي سيكون منفردا في حينه إن لم تطعنه داعش من الخلف كما هي عادتها.
وتقدير المراقب العربي هنا أن واشنطن تدرك كليا صعوبة هذا الخيار وصعوبة ضمان حصيلة لها تبني عليها إستراتيجيا خطة الترتيب الجديدة للمنطقة، لكن رهان واشنطن اليوم هو على بعثرة هذا المشهد القائم وإعادة القدرات لجماعاتها وجماعات إيران مرحليا ثم النظر في إمكانية السيناريو المُكمّل أو البديل.
أمّا على الصعيد العربي فإن فكرة الخلاص من داعش لن تتحقق مطلقا، وتحوّل تنظيم التوحيد والجهاد (الزرقاوي) إلى قاعدة العراق ثم تأسيس داعش وابتلاعها للقاعدة في سوريا والعراق يثبت أن هذه التنظيمات تتشظّى وتتطور، لأن أصل منشئها هو الغلو الفكري والظلم والاستبداد العربي والإرهاب الغربي والإيراني، وهي عناصر التغذية التي تولّد هذه الحالات بل وتطور من فيروس التكفير والتطرف وعشق القتل والنحر واستباحة المجتمعات المدنية والآمنين.
أي أننا أمام حلقة فوضى جديدة عبر هذا الغزو والتدخل لم تكتمل قراءة معالمها، وهل لدى ثورتي العراق والشام قدرة على تجنب موجتها ثم العبور لمشروعها الوطني، أم أن حروب الفوضى ستعيد كل المشاريع لنقطة الصفر؟
بقي أن نؤكّد أن مستويات ممانعة المنطقة من آثار مغامرات واشنطن لم تعد هي ذاتها، بل تنخفض بشدة في ظل صعود الاستبداد وآثار الثورة المضادة الدامية لإسقاط الربيع العربي والمطاردات الأمنية العنيفة للإصلاحيين، ولا يعرف أين مواقع الهشاشة التي يغطيها وهمُ الاستقرار، وبالتالي لا تدري واشنطن هل هي تُخمد بركانا أم تُفجّره في كل مكان.
رابط المقال:
في الغزو الأميركي الجديد للعراق


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.