أصبح قصف المدرسة التي تديرها الأممالمتحدة في غزة يوم الأربعاء الماضي بقذائف هاون، والذي أسفر عن مقتل 20 شخصا على الأقل من سكان غزة - من بينهم أطفال - وجرح عشرات آخرين، هو المرة السادسة التي تتضرر فيها منشآت تابعة للأمم المتحدة خلال هذا الصراع. وقد قدم مسؤولو الأممالمتحدة هذه الحوادث على أنها هجمات على المجتمع الدولي ككل. وقال بيير كراهينبول، وهو مسؤول كبير للاجئين بالأممالمتحدة، إن ذلك «مصدر عار عالمي، وهذه إهانة لنا جميعا». وأضاف «اليوم أهين العالم». وبينما لم يعترف المسؤولون الإسرائيليون بأنهم يتعمدون استهداف الأممالمتحدة، يروّج العديد من الإسرائيليين لفكرة أن الأممالمتحدة هي فاعل حميد ونزيه في غزة، وتكرس عملها فقط لضمان رفاه اللاجئين في الإقليم. وتتبادل الحكومة الإسرائيلية ووكالة الأممالمتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) الاتهامات، حيث ينتقد مسؤولو الأممالمتحدة الحصار الاقتصادي الذي تفرضه إسرائيل على الأراضي، في حين يتهم مسؤولون إسرائيليون «الأونروا» بشكل مستمر بترديد حجج حماس إلى حد القول بأنها متواطئة في بعض أنشطتها. إن نضال الأممالمتحدة في غزة هو نسخة معقدة من المعضلات تواجهها المنظمة العالمية في بؤر الصراعات المشتعلة حول العالم، فكيف لها أن تحافظ على حياديتها عندما تصبح تضطلع بصراعات مريرة تكاد لا تجد فيها أرضية مشتركة؟ ولتلك المشكلة في غزة خلفية تاريخية؛ فخلال اجتياح غزة في عامي 2008 و2009، أفادت «الأونروا» بأن الغارات الإسرائيلية دمرت العشرات من منشآتها، وفي غارة واحدة تسببت قذيفة إسرائيلية في اشتعال النار في مستودع تابع للأمم المتحدة، ودفعت إسرائيل تعويضات في النهاية. ومن جانبها، اتهمت إسرائيل الأممالمتحدة بتصرف سيئ، يتضمن نقل صواريخ حماس في سيارة إسعاف تابعة للأمم المتحدة - وهي تهمة تراجع عنها في وقت لاحق المسؤولون الإسرائيليون. ويكمن النقد الإسرائيلي الأوسع نطاقا في أن «الأونروا» ترعى المظالم الفلسطينية، وأذعنت لعسكرة الإقليم من قبل متطرفين مثل حماس. يحتد الجدل الدائر حول الأممالمتحدة في غزة بشكل خاص، لكنه لا يقتصر عليها. ففي بعض مناطق النزاع، كان ينظر للأمم المتحدة على أنها وكيل لجانب واحد أو بوصفها تجسيدا لسياسة دولية يرفضها بعض المتقاتلين. وفي هذه الحالات، تصبح المنظمة هدفا مغريا للمتطرفين الباحثين عن إحداث ضجة والهيمنة على عناوين الصحف. يذكر أن اثنين من عمال الإغاثة بالأممالمتحدة قتلوا في الصومال في أواخر عام 2011. وفي وقت سابق من ذلك العام فجر مسلحو «بوكو حرام» قنبلة خارج مبنى الأممالمتحدة في أبوجا بنيجيريا، مما أسفر عن مقتل 21 شخصا. وأكثر تلك العمليات مأساوية هو قصف جماعة عراقية لمجمع سكني تابع للأمم المتحدة في بغداد في أغسطس (آب) 2003، وهو الهجوم الذي أودى بحياة كبيري المسؤولين هناك سيرجيو فييرا دي ميلو، وأكثر من عشرة آخرين. وإذ تسعى الأممالمتحدة من أجل الحفاظ على صورة النزاهة والحياد في عملياتها الإنسانية، يمكن أن تكون تلك الخصائص أكثر مراوغة عند ارتداء أفرادها خوذات والتقاط البنادق. فمنذ أواخر الأربعينات سيّرت أجيال من قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة دوريات في مناطق الصراع في محاولة منها لإخماد أعمال العنف. وأحيانا يتمكنون من كسب ثقة الأطراف الرئيسة. ولكن يمكن للقوات المسلحة تسليحا خفيفا أيضا أن تصبح هدفا سهلا، مثلما حدث ونصب مسلحون كمينا لقافلة تابعة لقوات حفظ السلام في السودان الصيف الماضي، مما أسفر عن مقتل سبعة أشخاص. وفي عام 1993 قتل أحد أمراء الحرب الصوماليين أربعة وعشرين من أفراد قوات حفظ السلام الباكستانيين، مما أثار سلسلة من الأحداث التي أدت إلى معركة «سقوط الصقر الأسود» وانهيار عملية الإغاثة متعددة الجنسيات في ذلك البلد. نوع المقال: سياسة دولية القضية الفلسطينية