لم تقتصر زيارة نائب الرئيس الأميركي، جو بايدن، بوخارست في 20 أيار (مايو) المنصرم على مقابلة الرئيس الروماني أو رئيس الوزراء، بل خرجت من دائرة المسؤولين البارزين إلى لقاء ممثلي المجتمع الروماني. الزيارة المتأنية والواسعة كان لها وقع المفاجأة لدى المراقبين الذين حسبوا إثر اندلاع الأزمة الأوكرانية أن واشنطن ستعلن نهجاً دفاعياً يتناول قواعدها العسكرية الأربع المنتشرة في رومانيا والدرع الصاروخية التي سيبدأ العمل في قسم منها عام 2015. لكن شاغل بايدن هو الفساد المستشري في رومانيا، فهو أعلن في بوخارست أن «الفساد واحد من وجوه الاستبداد يقوّض اقتصاد البلاد والأمن القومي... فثمة دول تتوسل الفساد لبسط نفوذها الخبيث ونخر سيادة دول الجوار. والفساد هو من أدوات السياسة الخارجية (الروسية). وحين يُشترى ولاء السياسيين ويُتلاعب بالقضاء وتستخدم وسائل الإعلام أداة بروباغندا، يفلح (طرف خارجي) في الإمساك بمقاليد البلاد وتفقد الأمم القدرة على تحديد مصيرها، وهذا ما حصل في أوكرانيا». وتنبه واشنطن شركاءها في «أوروبا الجديدة» إلى أن ضمان أمنهم ليس عسكرياً أمنياً فحسب، وتدعوهم إلى مكافحة الفساد، وهذا من أدوات الحرب الباردة الجديدة مع روسيا. وكانت رومانيا إلى وقت قريب القطيعَ الضال في أوروبا، ولكن منذ انضمامها إلى الاتحاد الأوروبي في 2007، استجابت «ضغوطاً» أميركية حضتها على جبه وباء الفساد، وسرعان ما ظهرت نتائج الاستجابة الرومانية، وتربعت بوخارست في صدارة حملة مكافحة الفساد في أوروبا. في الأعوام الأخيرة، بادر المدّعون في هذا البلد إلى عملية «أيدٍ نظيفة» زعزعت عالم السياسة الرومانية، وزجت بسياسيين بارزين في السجون، وتعاظمت وتيرة الاعتقالات. وتستقبل السجون في رومانيا أكثر فأكثر وزراء ونواباً ومحافظين ورؤساء مجالس محلية ورؤساء بلديات، واستقبلت أخيراً رئيس الوزراء الاشتراكي السابق (2000-2004) أدريان ناستاسي. وأعلن مكتب مكافحة الفساد في النيابة العامة ثبوت تهمة الفساد في 298 حالة عام 2011، و743 حالة عام 2012، وأكثر من ألف حالة في 2013. ويغلب الشباب على مسؤولي مكتب مكافحة الفساد، و «ثمة جيل شاب من المدعين العامين يبرز في رومانيا. وعيّنت مدعية عامة يوم كنت في ال33 من عمرها. «أبناء جيلي يريدون تغيير مسار الأمور والقوانين والإجراءات ومواقف الناس من الفساد»، تقول لور كودروتا كوفيسيي. وتعود مساعي مكافحي الفساد إلى 2006، حين أعلن زعيم تيار اليمين– الوسط إثر اجتماعه مع مجلس الدفاع الأعلى، أن الفساد يهدد الأمن ولم تخفَ على واشنطن أهمية هذا المنعطف في بلد يحمي حدود «الأطلسي» الشرقية والاتحاد، فالفساد هو «سرطان يقضي على ثقة المواطنين بالديموقراطية، ويقوّض الرغبة في الابتكار والتجديد»، يقول بايدن. نوع المقال: سياسة دولية الولاياتالمتحدة الامريكية