يقدم «إيليا بونوماريف» نقداً حصيفاً لغزو فلاديمير بوتين لأوكرانيا من وجهة نظر مؤيدة لروسيا؛ حيث يرى أن أوكرانياوروسيا مترابطتان بأواصر التاريخ والثقافة؛ ولكن بوتين، ومن خلال قيامه بعمل عسكري، دفع أوكرانيا إلى أحضان «الناتو» وضَمَن معارضة الأوكرانيين لأي اتحاد مع موسكو. ويقول «بونوماريف»، وهو مشرّع من مدينة نوفوسيبيرسك السيبيرية: «لقد حقق عكس أجندته بالضبط!». بيد أن تعرض «بونوماريف» للشيطنة من قبل وسائل الإعلام التابعة للدولة وعلى اللوحات الإعلانية العملاقة في وسط موسكو باعتباره «خائنا للوطن»، بسبب تعبيره عن رأيه وإدلائه بالصوت الوحيد في الدوما المعارض لضم شبه جزيرة القرم، يشي بالكثير عن حقيقة الوضع الحالي في روسيا. كما أن زعيم حزبه طلب من بوتين الإذن لطرده أو رفع الحصانة البرلمانية عنه حتى تتسنى محاكمته. وخلال جولة له في واشنطن الأسبوع الماضي، اعترف هذا الاشتراكي البالغ من العمر 38 عاما بأنه من غير المستبعد أن يحاكم على خلفية تهم مالية ملفقة لدى عودته إلى بلده. هذا مثال على التحول الدراماتيكي، الذي طرأ على روسيا منذ ولاية أوباما الأولى، عندما كان ميدفيديف يسعى لاستمالة المستثمرين الغربيين وبدا أن جهود «إعادة ضبط» العلاقات الأميركية- الروسية في طريقها للنجاح. وقتئذ، كان «بونوماريف»، وهو خبير تكنولوجي لم تمنعه أيديولوجيته المفترضة كاشتراكي من جمع ثروة صغيرة كمستثمر، أحد المروجين الرئيسيين ل«مؤسسة سكولكوفو»، وهي مبادرة ل«ميدفيديف» ترمي إلى اجتذاب المقاولين ورؤوس الأموال إلى نسخة روسية لمنطقة «سيليكون فالي» الأميركية التي تتركز فيها شركات التكنولوجيا. غير أن المبادرة باتت اليوم غير منسجمة مع نظام يعرّف نفسه من خلال معارضته للغرب وقيمه. كما أن الكثير من المقاولين الروس الذين كانوا سيستثمرون في «ستولكوفو» فروا إلى ليتوانيا أو أوكرانيا أو حتى بيلاروسيا، التي باتت تعتبر اليوم أقل خطرا من موسكو من الناحية السياسية. وقد انتقل «بونوماريف» من كونه جزءاً من المعارضة الموالية للكريملن إلى منشق فعلي جعله دعمُه المتواصل للاندماج التكنولوجي والاقتصادي مع الغرب وحيداً تقريبا. ويقول بونوماريف في هذا السياق: «عندما رأوا الاتجاه الذي يسير فيه بوتين، أضحى الجميع في حزبي فجأة أكثر ولاء له من «حزب روسيا متحدة»( حزب بوتين)، مضيفا «وكنت أنا الوحيد الذي بقي كما كان». وكان بونوماريف قد توقع خلال ذروة الاحتجاجات الشعبية التي اندلعت قبل عامين تنحية بوتين. ولكنه وعلى غرار الكثيرين، لم يتوقع جنوح الرئيس الروسي نحو القومية اليمينية. ويقول «بونوماريف» في هذا الصدد إن النظام أضحى «بونابارتيا»، يعتمد على المغامرات الخارجية والسعي الشعبوي لإرضاء الروس الذين يعتمدون على نظام الرعاية الاجتماعية. ويضيف قائلاً: «إن الطبقة الوسطى في موسكو ليبرالية، وهي ملت من بوتين. ولذلك، فإنهم سيخرجون للمشاركة في المظاهرات. ولكن بقية البلاد تقول: إذا كنتم تريدون العودة إلى التسعينيات (عندما كانت روسيا ديمقراطية ولكنها كانت تعاني من الفوضى والاضطرابات)، فإننا نفضل أن نبقى مع بوتين». بونوماريف مازال يعتقد أن مصير نظام بوتين هو السقوط؛ ولكن الانهيار لن يكون سببه داخليا، كما يقول؛ وإنما يتوقع أن تكون ثمة هزة خارجية حاسمة -على غرار الحرب الفرنسية- البروسية التي أسقطت بونابرت الأخير. وهذا يمكن أن يحدث في أوكرانيا، حيث يبدو بوتين عالقا الآن، كما يقول بونوماريف. ذلك أنه «إذا انسحب وحاول تقليص التوتر، سينظر إليه على أنه فاشل من قبل القوميين، الذين سيقولون إنه ضعيف ويعتمد على الغرب». غير أنه إذا استمر بوتين في دعم الانفصاليين المسلحين، فإن رؤوس الأموال ستستمر في الهرب من بلاده. وهنا، يتوقع بونوماريف أن يصل إجمالي الخسارة إلى 150 مليار دولار، أو ما يعادل ألف دولار لكل مواطن روسي. نوع المقال: روسيا