تصعيد الأحداث في الأزمة الأوكرانية، يتزايد مع تزايد اتهامات واشنطن، وحلف الناتو لروسيا بدعم المحتجين في جنوبي وشرقي أوكرانيا ضد السلطة المؤقتة في كييف، والمدعومة من واشنطن، والأوروبيين، حيث يصر الأميركيون، وحلف الناتو على تأكيد وجود دعم روسي عسكري وبشري للمعارضين، بينما تنكر موسكو ذلك تماماً. وقد انتظر العالم حزمة جديدة من العقوبات الغربية ضد روسيا، على خلفية ضمها للقرم، وموقف موسكو من الأزمة الأوكرانية، وتوقع البعض أن تأتي أقسى من العقوبات السابقة التي لم تجدِ، ولم تغير شيئاً من الموقف الروسي، وذلك باعتراف الرئيس الأميركي باراك أوباما نفسه.. لكن العقوبات الجديدة التي أعلنها البيت الأبيض يوم الاثنين 28 أبريل جاءت مثل سابقتها، بل ربما أقل فاعلية في رأي البعض، لتعكس خوف وتردد الجهات الغربية، من تصعيد الصدام مع روسيا بالدرجة التي قد تعود بأضرار كبيرة على الغرب، وخاصة على الأوروبيين. فقد أعلن البيت الأبيض فرض عقوبات على 17 شركة، و7 شخصيات روسية، والشخصيات السبع ليست من مواقع مؤثرة في دائرة صنع القرار في روسيا، وهم مفوض الرئيس الروسي في القرم أوليغ بيلافينتسيف، ورئيس شركة «روستيخ» الحكومية للتقنيات العالية سيرغي تشيميزوف، ونائب رئيس الوزراء دميتري كوزاك، ومدير هيئة الحراسات الفيدرالية يفغيني موروف، ورئيس لجنة الشؤون الدولية في مجلس الدوما الروسي أليكسي بوشكوف، ورئيس شركة «روسنفط» إيغور سيتشين، والنائب الأول لمدير ديوان الرئاسة الروسية فياتشيسلاف فولودين. والعقوبات على هؤلاء السبعة. كما يقول البعض «مضحكة»، فهي تنص على منعهم من دخول الولاياتالمتحدة، وتجميد أرصدتهم في البنوك الأميركية «إن وجدت»، وهؤلاء السبعة ليس لأحد منهم أية أرصدة خارج روسيا، ولو كان لكشف عنها الأميركيون، وليس لأحد منهم أية رغبة ملحة في زيارة الولاياتالمتحدة، وكذلك الوضع نفسه مع العقوبات على الشركات التي ليس لأي منها تعامل مع جهات أميركية. وجاء في بيان البيت الأبيض الأمريكي حول العقوبات، أن «روسيا منذ السابع عشر من الشهر الجاري (أبريل الماضي) لم تحرك ساكناً لتنفيذ بنود اتفاقية جنيف، ولهذا تفرض الولاياتالمتحدة الأميركية اليوم، المرحلة الثالثة من العقوبات في حق شخصيات وشركات روسية، كما تشدد إجراءات منح التراخيص على عدد من الصادرات الأميركية إلى روسيا». والحقيقة أن السلطة الانقلابية في كييف هي التي لم تلتزم ببنود اتفاقية جنيف، وأعلنت الحرب على الأقاليم الشرقية والجنوبية المحتجة والرافضة لها، والمطالبة بالفيدرالية. لقد توقعت واشنطن أن يصدر الأوروبيون معها حزمة عقوبات جديدة ضد روسيا، لكن الأوروبيين استشعروا الخوف والقلق من تصعيد الأزمة التي افتعلوها، واستغلتها واشنطن وأشعلتها لتحقيق مصالح خصوصاً لها، وشعروا بأن واشنطن تجرهم للصدام مع جارتهم روسيا.. ولهذا أعلنت المفوضية الأوروبية أنها لا ترى حالياً ما يبرر الانتقال إلى «المرحلة الثانية» من العقوبات الأوروبية ضد روسيا على خلفية الأزمة الأوكرانية. وقد صدم هذا الموقف الأميركيين كثيراً، وباتت الشكوك تنتاب واشنطن حول احتمال أن ينسحب الأوروبيون من الأزمة الأوكرانية خشية أن تصيبهم أضرار كبيرة هم في غنى عنها، خصوصاً أن حجم تبادلهم التجاري مع روسيا يعادل أكثر من عشرة أضعاف مثيله بين روسياوالولاياتالمتحدة، ناهيك عن أن روسيا هي المصدر الرئيس للطاقة إلى أوروبا. من الواضح أن هناك خلافات بين واشنطن والأوروبيين حول الموقف من روسيا في الأزمة الأوكرانية، وكانت صحيفة «نيويورك تايمز» الأميركية نقلت عن مسؤولين في الإدارة الأميركية، أن هناك اختلافات جذرية في وجهات النظر بين واشنطن والاتحاد الأوروبي، في ما يخص فرض عقوبات على روسيا، وذلك على الرغم من الجهود المبذولة من قبل واشنطن لتنسيق فرض مثل هذه العقوبات. واشنطن تريد توريط الأوروبيين مع روسيا لأنها لن تخسر شيئاً، بينما خسارة الأوروبيين ستكون كبيرة، حيث بلغ حجم التبادل التجاري بين الاتحاد الأوروبي وروسيا في عام 2012 نحو 370 مليار دولار، في حين بلغ بين الولاياتالمتحدةوروسيا خلال الفترة نفسها نحو 26 مليار دولار، وبالتالي فإن المخاطر التي تهدد الولاياتالمتحدة أقل بكثير من المخاطر التي تهدد الاتحاد الأوروبي في حال فرض عقوبات على روسيا. ورغم هذا فإن هناك في واشنطن من يرى عدم جدوى العقوبات واحتمال ضررها للأميركيين.. وقد دعا وزير الخزانة الأمريكي جاكوب ليو خلال اجتماعات في البيت الأبيض، لاتخاذ موقف أكثر اعتدالاً بشأن العقوبات، وأكد أنه على الرغم من أن على الولاياتالمتحدة أن تقوم بشيء ما، فإن توسيع الإجراءات من دون الدعم الأوروبي سيضر بمصالح رجال الأعمال الأميركيين، ولن يكون لهذه الإجراءات التأثير المطلوب في روسيا. موسكو من جانبها لم تعِر العقوبات الأميركية أي اهتمام يذكر، وتوعدت بالرد عليها إذا زادت عن حدها. نوع المقال: روسيا سياسة دولية