رحلة الرئيس الأميركي باراك أوباما أخيراً إلى شرق آسيا كشفت بوضوح عن مدى التراجع الأميركي وبداية انهيار نظام القطب الأوحد على الساحة العالمية، وكما وصفها الإعلام الأميركي نفسه بأنها «رحلة التوقيت الخطأ والاتجاه الخطأ». فقد زار أوباما أربع دول هي أبعد ما تكون عن بؤر الأحداث الساخنة والمشتعلة في العالم، وهي اليابان وماليزيا وكوريا الجنوبية والفلبين. واستعرض تقرير نشرته شبكة «CNN» الرحلة قائلاً إن أوباما ترك الفوضى تعم الشرق الأوسط، ولم يتخذ موقفاً حازماً في أزمة أوكرانيا، وفشل في التقدم نحو اتفاق سلام إسرائيلي فلسطيني، وتوجه إلى شرق آسيا باحثاً عن إنقاذ لسمعة وهيبة أميركا المنهارة. كان من الواضح أن أزمة أوكرانيا عالقة في ذيل رحلة أوباما في شرق آسيا، بعد فشل إدارته في اتخاذ موقف حاسم تجاه روسيا، وفشلها أيضاً في إقناع الأوروبيين باتخاذ موقف حاسم أو تقرير عقوبات مشددة ضد موسكو. وبدا التخبط في السياسة الأميركية واضحاً عندما دعا الرئيس الأمريكي، وهو في اليابان، الصين إلى عدم التقرب من روسيا، وفي الوقت نفسه وعد اليابانيين بوقف توسع بكين. وكما في اليابان، كان الأمر في كوريا الجنوبية وماليزيا، فمن جانب وعد أوباما الحلفاء بحمايتهم من أي عدوان صيني، ومن جانب آخر أكد أنه ليس ضد ازدياد نفوذ الصين، كما طلب من الصينيين عدم التحالف مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وهي «نصيحة الطفل للشيخ العجوز»، على حد وصف الإعلام الماليزي. لقد أظهر أوباما خلال جولته الآسيوية أنه بهلواني جيد، فهو يتعهد لحلفائه بأنه لن يتركهم وحدهم وجهاً لوجه في النزاع مع الصين، وفي الوقت نفسه يطالب بكين بالمشاركة في العقوبات الغربية ضد روسيا. وكما تقول وكالة أسوشييتد بريس، فإن أوباما خلال هذه الجولة كان يسير على خطين، فهو «يشير إلى أن بإمكان الماكينة الحربية الأميركية منع الغزو الصيني لبلدان آسيا والمحيط الهادئ، وفي الوقت نفسه يحفز بكين للمساعدة على تسوية الخلافات مع روسيا وكوريا الشمالية». يمكن القول استناداً إلى تصريحات أوباما، أنه قلق من مشكلتين، التقارب الصيني الروسي، واحتمال اعتماد الصين سيناريو القرم في تحركها اللاحق. وإذا تذكرنا الحرب الباردة، سنرى أن الصين كانت المستفيدة الأكبر من النزاع الأميركي السوفيتي، ويمكنها أن تستغل الأزمة الأوكرانية الحالية بأن تفتح «جبهة ثانية في المحيط الهادئ». ويبدو أن هذا ما يؤرق مضاجع الأميركيين، وما دفع الرئيس أوباما للتوجه شرقاً، كما يبدو أن هدف تصريحات أوباما هو تحذير وإشارة للصين بعدم حذو المغامرة الروسية، حيث وجه حديثه للصينيين قائلاً «لا تعتقدوا أن بوتين يعمل في شرق أوكرانيا مثالاً جيداً لكم، ولا تعتقدوا أن هذا النموذج سينجح لديكم». لا شك في أن منطق السياسيين الأميركيين بشأن احتمالات الغزو الصيني لدول الجوار هو من صنع الخيال، لأن الصين تزن كل خطوة وتحسب المخاطر المحتملة. «الصين لا تستعجل أبداً»، وخير مثال على ذلك العلاقات الصينيةالتايوانية، حيث تجري حالياً مفاوضات بين الجانبين لرسم العلاقات المستقبلية بينهما. والصين على ثقة تامة بأن تايوان ستعود لها مهما بعد الزمن، ولذلك لا حاجة للمجازفة واستخدام القوة أبداً. الحقيقة التي يعترف بها الأميركيون، والتي لم تخفها رحلة أوباما وألاعيب تصريحاته المكشوفة، هي أن أعداء وخصوم أميركا لا يخافونها في الوقت الراهن، وفي جميع أنحاء العالم، وأصدقاؤها لا يثقون بها، وضعفها وتراجعها يجعل خصومها يتحدونها. كما أن المساحيق التي باتت واشنطن تدهن بها سياستها الخارجية أصبحت باهتة ولا تقدر على إخفاء العيوب والثغرات والتشوهات في هذه السياسة، ويكفي أن حلفاء واشنطن الأوروبيين باتوا ينتقدونها علناً، ويرفضون التوافق والتنسيق معها في الأزمات الخارجية. رحلة أوباما في أقصى الشرق لم تكن سوى مجرد هروب واضح من الفشل في كل نقاط وبؤر الأزمات الدولية المشتعلة، سواء في سوريا وفي الشرق الأوسط عموماً، أو في أوكرانيا التي باتت أزمتها تهدد بانقسامات حادة على الساحة الغربية بين واشنطن وحلفائها، وباتت تهدد في رأي الكثيرين بانهيار حلف شمال الأطلسي، الذي سار وراء واشنطن في أوكرانيا بشكل عشوائي وهستيري، ما أغضب كبار أعضائه الأوروبيين. نوع المقال: الصين سياسة دولية الولاياتالمتحدةالامريكية الاتحاد الاوربى-شمال اسيا