لم يكتف الانقلابيون في مصر بقتل واعتقال المتظاهرين ، ولكنهم فرضوا – عبر القضاة المساندين للانقلاب – غرامات وكفالات باهظة علي المعتقلين أقلها 10 ألاف جنية علي أي طفل معتقل وتصل إلي 100 ألف جنية في بعض الإحكام علي المعتقل الواحد بجانب سنوات سجنه مع أن الحكم يكون بالحبس أو الغرامة . وبحسب إحصاء لموقع "ويكي ثورة" ، جمعت سلطة الانقلاب غرامات وكفالات تعادل 40 مليون جنية حتي 25 مارس الماضي فقط من إجمالي 4,454 متهم في محاكم أول درجة (جنح) عبر 248 محاكمة ، و4,766 متهم تم إحالته للجنايات عبر 91 محاكمة ، حيث تم فرض 37,357,050 جنيه مصري إجمالي غرامات (قرابة 37 مليون ونصف جنية) وأيضا تم فرض 2,420,100 جنيه مصري إجمالي كفالات لإيقاف تنفيذ الحكم (قرابة 2 مليون ونصف جنية) . وأخبر سياسيون وخبراء قانون "الشرق .تي في" أن الهدف من هذه الغرامات والكفالات المتصاعدة ضد رافضي الانقلاب بشكل يومي وأرقام غير مسبوقة هو ابتزازهم ومص دماءهم حيث تفرض بشكل قهري وقسري بالمخالفة للقانون، وتدخل في جيوب رجال الشرطة، حيث تحصلها وزارة العدل من المحاكم ثم ترد لوزارة الداخلية التي تضعها في "الصناديق الخاصة" وتوزعها في شكل مكافآت وحوافز على القتل والقمع، أي انها لا تدخل خزينة الدولة ولا تخضع لرقابتها . ابتزاز ومص دماء حيث يؤكد د.أحمد كمال أستاذ القانون الجنائي بالمركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية ل "الشرق تي في" أن الغرامة قبل الانقلاب كانت عبارة عن عقوبة تكميلية على شخص تربح من شيء معين غير مشروع مثل تاجر المخدرات، والغرامة كانت للجرائم البسيطة كبديل عن الحبس، فالحكم عادة إما الحبس أو الغرامة ونادرا ما يكون كلاهما معا . أما بعد الانقلاب – بحسب د. أحمد كمال - فنجد القضاء يلجأ للغرامة كنوع من الانتقام المالي إلى جانب الانتقام البدني والنفسي في إطار غيبة القانون وانخراط القضاء في السياسية، حيث أصبح طرف في المعادلة وليس محايدا أو معصوب العينين لذا يستخدم أي وسيلة للضغط كخصم سياسي للتيارات والجماعات المعارضة. ويضيف : "هذه الغرامات الانتقامية مبالغ فيها للغاية خاصة بالمقارنة بحقيقة التهمة وبحالة الموقعة عليه فبينهم طلاب ونساء وأطفال وصحفيين كان يجب مراعاة ظروفهم المادية ولكن الغرامة هنا أو الكفالة تبدو نوعا من الابتزاز لرافضي الانقلاب، خاصة الكفالات فإما المبلغ الضخم وإما استمرار الحبس الاحتياطي، كما تجمع أحكام القضاة غالبا بين الغرامة والحبس معا وليس أحدهما ، والكفالة لا تسترد رغم البراءة . ويصف د. كمال ما يجري بأنه "مص دماء وقوت هذه الشرائح المعتقلة ماليا ظنا من سلطة الانقلاب أنه يخلق حالة ردع عام وتهديد للباقين خارج الأسوار، فتتعمد استنزافهم " . ونبه "كمال" إلى أن هذه الكفالات والغرامات يتم توزيعها في شكل مكافآت ولا تذهب لخزانة الدولة بل لوزارة العدل في الصناديق الخاصة فيها، فهذه الأموال لا تذهب لوزارة المالية مثلها مثل مخالفات تحصلها المحليات والمرور، تذهب للعدل، وهي صناديق خارج رقابة الدولة. جبابة جديدة لجيوب الشرطة ويصف عبد الحميد بركات عضو مجلس الشورى والقيادي بحزب الاستقلال هذه الغرامات والكفالات المفروضة على رافضي الانقلاب - في ظل إخضاعهم للمحاكمات والتحقيقات الجائرة – ب "الجباية في شكل جديد " ، مؤكدا أنها كلها تذهب في النهاية للشرطة كمكافأة على عمليات القتل والتعذيب بهذه الملايين التي يتم تحصيلها ومصادرتها لحساب وزارة الداخلية . ويقول ل "الشرق تي في" أن الشرطة تستغل المعتقلين وعددهم 23 ألف معتقل في جباية الملايين لتذهب إلي جيوب الشرطة عبر الصناديق الخاصة ، وهي أموال تمت جبايتها من المقهورين والبسطاء والفقراء من المعتقلين والمحبوسين والمحكوم عليهم . ويؤكد "بركات" ايضا أن هذه الغرامات والكفالات تذهب للصناديق الخاصة وتحديدا لصندوق خاص بالشرطة وتوزع حصيلته على ضباطها في صورة مكافآت وحوافز ، ولهذا تتعمد سلطة الانقلاب المبالغة في قيمة الكفالات والغرامات بشكل غير مسبوق فتبلغ 20 و30 و50 و100 ألف جنيه وتجاوزت في خلال شهور قليلة الملايين، مشددا أنها جبابة متعمدة ضد رافضي الانقلاب كأحد أساليب الضغط عليهم بتوقيع غرامات مالية كبيرة، ومن جهة أخرى إرضاء لضباط الشرطة لضمان استمرارهم وترغيبهم في تنفيذ أوامر القتل والتعذيب . وأوضح "القيادي في حزب الاستقلال" أن الغرامات والكفالات يتم توريدها لوزارة العدل أولا حيث تجمع من المحاكم ثم تعيد إرسالها لوزارة الداخلية لتضعها في الصناديق الخاصة وبها صناديق كثيرة تصل لمليارات لا رقابة عليها ولا تدخل ميزانية الدولة . نماذج للابتزاز والجباية وهناك نماذج صارخة لذلك ، حيث قضت محكمة جنح الزيتون في 3 مايو الجاري بحبس 5 متهمين من رافضي الانقلاب 5 سنوات وأيضا غرامة 100 ألف جنيه لكل منهم فى أحداث شهر يناير الماضي أثناء الاستفتاء على مشروع الدستور . كما قضت محكمة جنايات القاهرة في نفس اليوم بمعاقبة 102 متهماً فيما يعرف ب "اشتباكات الظاهر" بالحبس المشدد عشر سنوات ومعاقبة اثنين من المتهمين القاصرين بالسجن لسبع سنوات مع تغريم جميع المتهمين 20 ألف جنيه ووضعهم تحت المراقبة لمدة خمس سنوات . أيضا في 3 مايو أخلت محكمة جنايات كفر الشيخ سبيل 13 من رافضي الانقلاب العسكري من أبناء محافظة كفر الشيخ ، بضمان مالي قدره 10 ألاف جنية لكل منهم علي ذمة عدد من القضايا الملفقة من قبل أمن ونيابة الانقلاب . وقضت محكمة جنح الأربعين بالسويس في 30 إبريل بالسجن 5 سنوات مع الشغل على أحد قيادات جماعة الإخوان وغرامة 50 ألف جنيه بتهم ملفقة ، كما قررت محكمة جنح مدينة نصر في 29 إبريل حبس 29 متهمًا من رافضي الانقلاب 5 سنوات، وغرامة 100 ألف جنيه عن كل متهم، وحبس آخر سنة وغرامة 5 آلاف جنيه، في أحداث مصطفى النحاس ومسجد السلام. كذلك قضت محكمة جنح مستأنف الساحل في 29 إبريل بحبس الصحفية سماح إبراهيم الصحفية بالحرية والعدالة، 9 آخرين بالحبس 6 شهور و50 ألف جنية غرامة لا تملكهم الصحفية التي كانت تقوم بعملها ، ولم تتمكن من دخول نقابة الصحفيين لأنها لا تملك مبلغ اقل من هذا للتأمين عليها . وقضت محكمة عابدين في 20 إبريل بإخلاء سبيل دينا أحمد هشام بغرامة 100 ألف جنيه في الاستئناف المقدم على الحكم السابق بحبسها 3 سنوات بتهمة حيازة اشارة رابعة ، كما قضت محكمة جنح المعادي في 5 مارس الماضي بحبس 12 متهما لمدة عامين وغرامة 50 ألف جنيه و100 ألف كفالة لوقف تنفيذ العقوبة، وغيابيا تغريم ثلاثة متهمات بمبلغ مئة ألف جنيه، وتغريم 5 متهمين غيابيا 50 ألف جنيه في ثاني جلسات محاكمة 26 متهما في أحداث ذكرى ثورة يناير، وجميع المتهمين طلاب .