يأتي اللقاء المنتظر بين الرئيس أوباما وخادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز في وقت تشهد فيه المنطقة والعالم تطورات حاسمة. وتؤكد على أهميته الضرورة الماسة والعاجلة لتحسين العلاقات بين الولاياتالمتحدة والسعودية. وكان من الطبيعي أن يعطي أوباما هذا الأمر حقه من الاهتمام. وخلال السنوات الماضية، كان البلدان شريكين في عدد كبير من مجالات التعاون، من التجارة المشتركة والاستثمار وحتى العمل على توطيد دعائم الاستقرار والأمن في منطقة الخليج العربي. وبعد حربين فاشلتين وإهمال كبير شهدته عملية السلام الإسرائيلية- الفلسطينية، وهي أحداث اجتمعت لتضرّ بسمعة الولاياتالمتحدة في العالم العربي، فإن السعوديين، شأنهم في ذلك شأن بقية العرب، يرتفع سقف توقعاتهم بأن تأتي زيارة أوباما هذه المرة بالتغيير المهم والمنتظر. ولسوء الحظ، فقد أثبتت الظروف الأخيرة أن مهمة تحسين العلاقات بين البلدين باتت تنطوي على الكثير من الصعوبات والعقبات. وفيما يواصل أوباما اهتمامه بحل تبعات الأزمات المتعاقبة التي مرّت بها الولاياتالمتحدة خلال العقد الماضي، ويعاني من مشكلات العمل مع مجلس نيابي فاقد للفعالية، ومن غطرسة إسرائيل، وعجرفة إيران، والوضع الغامض في العراق وأفغانستان (هذا إذا تناسينا أيضاً تداعيات أسوأ أزمة اقتصادية تشهدها الولاياتالمتحدة منذ الركود الأعظم الذي شهده العالم في عام 1929)، فإن العالم يشهد إرهاصات من شأنها أن تشهد الكثير من الأزمات والتحديات الجديدة. وهناك عدة ملاحظات من الضروري طرحها في هذا السياق. وتتعلق الأولى بالنفوذ المتعاظم لكل من روسيا والصين والمترافق مع مساعٍ لا تكاد تتوقف منهما لاستعراض القوة. وهو وضع يخلق المشاكل الجديدة للولايات المتحدة وحلفائها في كل من أوروبا والشرقين الأوسط والأقصى، ولبلدان «الربيع العربي» التي تشهد هي أيضاً حالة من التوتر وعدم الاستقرار أطاحت بعدة حكومات وسببت فوضى في الأوضاع استغلتها في بعض الأحوال إيران والحركات الأصولية المتطرفة التي تحاكي في سلوكياتها تنظيم «القاعدة». وهذه الأحداث المتلاحقة دفعت بعض حلفاء أميركا الإقليميين إلى الشعور بأنهم باتوا في حالة تفرض عليهم تحديات بالغة الصعوبة. وهم يعلمون أنه لن يتوفر أمامهم بديل آخر غير إعادة إحياء الشراكة مع الولاياتالمتحدة. ولكنهم يريدون أن يروا دلائل ملموسة على أن أواصر الصداقة والتعاون المتبادل التي استمرت لزمن طويل قد عادت إلى طبيعتها، وباتوا يتوجسون الآن من الطريقة الغامضة لاهتمام الأميركيين بالتغيرات التي تشهدها مصر، ومن الخطر الماثل أمامهم من جراء التدخل الإيراني في عدة دول عربية، ومن الحرب الدموية التي تشهدها سوريا، والفشل الدولي في مواجهة التحدي الإسرائيلي ببناء المزيد من المستوطنات في الأراضي الفلسطينية المحتلة. وقد تمثلت إحدى عواقب نقص الثقة بين البلدين في اتخاذ السعودية قرارها بالعمل المنفرد. وتدخلت في بعض الصراعات القائمة في المنطقة. وحاول السعوديون تنظيم ودعم بعض أجنحة المقاومة المعارضة للنظام السوري (الذي تدعمه روسياوإيران). ورحبوا بعزل الجيش المصري لنظام «الإخوان المسلمين». ومع تواتر العمل السياسي غير المنسق، ظهرت بعض الانتقادات المفاجئة من الصحافة وبعض الشخصيات السعودية عبرت جهاراً نهاراً عن عدم الارتياح للاستراتيجية التي تتبعها القيادة الأميركية. وقد شعر الحلفاء الإقليميون بالتجاهل من قبل الولاياتالمتحدة التي لم تعمد إلى استشارتهم في شؤون المنطقة حتى أصبحوا يعتقدون أن هذه الإدارة -وسابقتها- قادت المنطقة إلى المجهول باتخاذها لقرارات كان لها تأثير سلبي على أمن شعوبهم، وأصبحت تمثل اختباراً لقوة الصداقة القائمة بينهم وبين الأميركيين. وإلى درجة عالية جداً، يعود سبب هذا الجفاء القائم بين البلدين، للفشل في فهم كل طرف لحاجات الطرف الآخر وواقعه وثقافته السياسية. فالسعوديون مثلاً، لم يأخذوا بعين اعتبارهم مدى تأثير الرأي العام الأميركي والأعضاء الأقوياء في الكونجرس على أوباما عندما يتعلق الأمر باتخاذ قرار بإطلاق عمل عسكري منفرد في سوريا مثلاً. وعلى نحو مشابه، فشل أيضاً الأميركيون الذين يستوطنون بلداً يبعد بأكثر من 11 ألف كيلومتر عن الخليج العربي، في استشعار دواعي قلق العرب الخليجيين من التدخل الإيراني في شؤون المنطقة. ولكن يبدو وكأن أخبار وتداعيات هذه المخاوف العربية قد سُمعت في واشنطن أخيراً. وهي تفسر السبب الذي دفع أوباما للسفر للقاء الملك عبدالله. وعلينا أن نتذكر أن البلدين كانا شريكين سياسيين لفترة طويلة من الزمن، ويجمع بينهما العديد من المصالح المشتركة، ويواجهان العديد من التحديات المتشابهة أيضاً. وينبغي فعل الكثير من أجل غرس أواصر العلاقات الشخصية والفهم المتبادل الأكثر عمقاً لاحتياجات كل طرف للآخر. وتجمع بيننا نحن الأميركيين وبين المملكة قائمة طويلة من الاهتمامات والمصالح المشتركة. والطريق المفضل للتقدم في اتجاه تحقيق هذه المصالح لن يكون إلا عبر الحوار وتنسيق الجهود معاً. ويعمرني الآن الأمل أن تكون هذه اللقاءات التي ستتم بين أوباما والملك عبدالله بداية لعملية يمكن أن تؤدي إلى إطلاق حوار استراتيجي متكامل بين الولاياتالمتحدة والبلدان العربية بشكل أكثر تنظيماً. ويمكن لمثل هذا الحوار المستدام أن يساعد على إعادة بناء الثقة المطلوبة لمواجهة التحديات في هذه الأيام العصيبة التي يشهدها العالم. والآن، يتحتم علينا أن نعمل معاً من أجل وضع استراتيجيات مشتركة لحل المشاكل العاجلة والملحّة التي تواجه مصالحنا المشتركة وتهدد الأمن الإقليمي. ومن بين هذه المشاكل، سلوك إيران التي لا تتوقف عن إشعال نيران الخلافات المذهبية، وكذلك تجاوز التجاهل الطويل الأمد للحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني في إقامة دولته المستقلة، وأيضاً الكارثة الإنسانية التي نجمت عن الحرب الدموية في سوريا، والوضع المضطرب في ليبيا، والحاجة الماسة لإعادة تفعيل وتنشيط الاقتصاد المصري. نوع المقال: سياسة دولية الولاياتالمتحدةالامريكية القضية الفلسطينية العالم الاسلامى