بالنسبة لمن يعتقد أن إخفاقات «الربيع العربي» وتعثراته تثبت عجز الشرق الأوسط عن التواؤم مع الديمقراطية، عليه الانتباه لما يقوله المسؤول الأردني السابق، مروان المعشر، الذي يحرص على تسجيل اختلافه وإبداء رأي مغاير، فمن موقعه كرجل دولة سابق وأكاديمي عربي عُرف بصوته المدافع عن قيم التسامح في العالم العربي، يجادل المعشر في كتابه المهم «الصحوة العربية الثانية والمعركة من أجل التعددية»، بأن الوقت ما زال مبكراً للحكم على نتائج ومخرجات الحراك العربي الذي انطلق في عام 2011. وعن هذا الموضوع يقول المعشر: «لم يعمل العالم العربي قط في إطار حياة ديمقراطية، لذا لا تتوقع حصول تحولات كبرى خلال ثلاث سنوات». والحقيقة أن أول لقاء لي مع المعشر يرجع إلى عام 1991 عندما كان المتحدث الرسمي باسم الوفد الأردني المشارك في مؤتمر السلام بمدريد، ولاحقاً تقلّد عدداً من المناصب الرفيعة، حيث كان أول سفير أردني لدى إسرائيل، ثم أصبح سفيراً لدى الولاياتالمتحدة، وشغل أيضاً منصب نائب رئيس الوزراء في 2005 وقاد جهوداً وطنية للإصلاح السياسي في الأردن لم تمض بعيداً. وهو باعتباره مسيحياً في بلد مسلم، وينحدر من أب ينتمي إلى الضفة الشرقية ومن والدة فلسطينية، يبقى مؤهلاً أكثر من غيره للدفاع عن فكرة التعددية والتأكيد أن الصحوة العربية الثانية، كما يسميها، لن تنجح ما لم يصبح النظام السياسي أكثر انفتاحاً على الآخر وإدماجاً له. لكن لماذا يعتقد المعشر أن الأمر ممكن في وقت تنفجر فيه سوريا من الداخل وتعود فيه مصر إلى الحكم العسكري؟ يجيب المعشر ببسط جملة من الأسباب والدوافع؛ أولاً يرجع المعشر للتاريخ، وتحديداً إلى الصحوة العربية الأولى في القرن التاسع عشر عندما انتفض العرب ضد الحكم العثماني، وما لحق ذلك من قدوم الاستعمار وبعدها الدولة الوطنية التي سيطرت عليها أنظمة مستبدة ظلت توهم العالم بوجود «استقرار اصطناعي» لعقود طويلة. «وما أن زال الغطاء»، يقول المعشر، «حتى خرجت كل القوى المكبوتة». وهو لذلك يعتقد أن الأمر سيستغرق سنوات، وربما عقوداً، قبل أن تتبلور نتائج الربيع الحالي. وثانياً يرى المعشر أنه رغم الصعود الظاهر للإسلاميين من خلال فوزهم في الانتخابات التونسية والمصرية، وتنامي دور الجماعات المتطرفة في سوريا، لا يمكن القول بأن العالم العربي يتجه نحو نموذج الدولة الدينية، فالمصريون انتخبوا برلماناً ورئيساً من «الإخوان المسلمين»، لكن سرعان ما انقلبوا عليه عندما فشل في تلبية المطالب الاقتصادية. وإذا كان شعار «الإسلام هو الحل» قد حظي ببعض الشعبية قبل عام 2011 لأن الإسلاميين ادعوا بأنهم «نظيفو اليد» وعانوا من الإقصاء، فإن «الشعار نفسه لا يعني الكثير اليوم، فما فشل فيه الحكام العرب على مدى خمسين سنة، أي القضاء على الإسلاميين، قام به الإخوان أنفسهم في ثلاث سنوات». ويضيف المعشر أن ما يدل على ذلك «استطلاعات الرأي التي تظهر بأن الشعب المصري، وإن كان متديناً بطبعه، يحاسب الحكومة على أساس أدائها ليصبح الاقتصاد هو المعيار. وقد أظهرت مساندة الشارع العربي للإسلاميين أن ذلك لم يكن بدافع أيديولوجي». وفي السياق نفسه تندرج المعارك التي تخوضها العشائر السنية في العراق ضد تنظيم «القاعدة»، والأمر نفسه مع الميليشيات المتطرفة في شرق سوريا، حيث يعتقد المعشر أن «حرب الأفكار انطلقت لتوها» داخل العالم الإسلامي نفسه. أما السبب الثالث الذي يدعو المعشر للتفاؤل بمستقبل أفضل للصحوة العربية الثانية، وإن كانت ستستغرق وقتاً أطول، فهو اختلاف «الربيع العربي» من بلد إلى آخر، قائلاً: «سيستغرق الأمر وقتاً أطول في سورياوالعراق ولبنان، لكننا لن نشهد انهيار جميع الحكومات العربية». ففي تونس، حيث تمت المصادقة على دستور جديد بتوافق بين الإسلاميين والعلمانيين، يبرز نموذج للنجاح. وهناك قام رئيس حكومة إسلامي بعد قراءته للتجربة المصرية بالتنحي طوعاً عن السلطة. وعندما سألت المعشر عما إذا كانت تونس حالة متفردة بقربها من أوروبا وبسكانها المتعلمين، بمن فيهم النساء، فضلاً عن ضغط المآل المصري للحكم الإسلامي، أجاب بأن «تونس بالفعل تمثل نموذجاً جيداً للعالم العربي، والأمر يرجع إلى أنه بعد ثلاث سنوات على الانتفاضة أثبتت تونس قدرة الإسلاميين والعلمانيين على التوافق، وهو الأمر الأهم من كل شيء آخر». ولعل الأبرز في المثال التونسي، يقول المعشر، إنه «يؤكد بأن التجربة المصرية ليست بالضرورة النموذج لما يمكن أن يؤول إليه الوضع»، لهذا يشير المعشر إلى أنه «إذا أراد الإخوان المسلمون النجاح في مصر فعليهم التطور، إذ لا يمكنهم الاعتماد على الإسلام كحل». لكن في المقابل لا يمكن للعلمانيين الاستمرار في الاتكاء على الجنرالات. فلو انتخب المصريون عبد الفتاح السيسي رئيساً، كما هو متوقع اليوم، فسيحكم عليه الشعب -يقول المعشر- على أساس أدائه الاقتصادي الذي لن يتحسن إلا إذا عم الأمن واستقر البلد. ويضيف المعشر أن «السلطة المطلقة لم تعد خياراً مطروحاً في العالم العربي، فالطريقة الوحيدة المتبقية أمام الحكومات العربية، القديم منها والجديد، للحفاظ على السلطة، هي بتقاسمها». لكن السؤال، وبفرض أن المعشر على حق فيما يقوله، هو ما إذا كان هناك قادة في المنطقة قادرين على إقناع شعوبهم، بمن فيهم الأقليات المسيحية والشيعية، بأن التعددية لن تهدد وجودهم. نوع المقال: الشرق الاوسط