يبدو أن السياسيين الأميركيين غير قادرين على بحث وتقييم المفاوضات النووية مع إيران بأعصاب هادئة. فقد تحول الاتفاق الأولي حول برنامج إيران النووي الذي تم التوصل إليه الأسبوع الماضي إلى اختبار نفسي سياسي يُسقط عليه أنصار الاتفاق وخصومه أعظم مخاوفهم. اتفاق الأسبوع الماضي سيوقف مؤقتاً إنتاج إيران لليورانيوم المخصب بنسبة 20 في المئة، وسيقلص مخزونها، وسيحظر تركيب أجهزة طرد مركزي جديدة وبدء تشغيل مفاعل بلوتونيوم جديد، غير أن العديد من أعضاء مجلس الشيوخ الأميركي يخشون أن تمكِّن دبلوماسيةُ الرئيس أوباما النووية الإيرانيين الأدهياء في النهاية من أن تصبح بلادهم قوة نووية. ولهذا السبب، يحاول تسعة وخمسون سيناتورا (من بينهم 16 ديمقراطيا) يخشون النوايا الإيرانية الدفعَ بعقوبات اقتصادية قاسية يقولون إنها سترغم طهران على التفاوض بحسن نية. وبالمقابل، ينظر فريق أوباما إلى اتفاق الستة أشهر المؤقت باعتباره الخطوة الأولى نحو اتفاق نهائي ينهي التهديد النووي، ويمكن أن يغيِّر سلوك طهران السيئ في المنطقة. والحال أن كلا من أنصار الاتفاق ومعارضيه يمكن أن يستفيدوا من "اختبار الواقع"؛ ذلك أنه رغم الادعاءات التي تفيد بالعكس، إلا أن تمرير مشروع قانون "كرك- ميننديز" من شأنه أن ينسف المفاوضات. صحيح أن التأثير المؤلم للعقوبات الاقتصادية - التي قلصت صادرات إيران النفطية إلى النصف – هو الذي حمل إيران على الجلوس إلى طاولة المفاوضات؛ غير أن المقتضيات والأحكام الواردة في مشروع القانون، المعروف باسم "قانون إيران خالية من السلاح النووي لعام 2013"، يستبعد أي فرصة لاتفاق نهائي. كما أن من شأن هذا التشريع فرض عقوبات جديدة تهدف إلى خفض صادرات إيران النفطية إلى الصفر تقريباً – اللهم إذا قامت إيران بتفكيك بنيتها التحتية النووية بشكل كامل، ومن ذلك أي منشآت لتخصيب اليورانيوم. والحال أن الإيرانيين أوضحوا جيداً أنهم لا ينوون أبداً التخلي كلياً عن قدراتهم في التخصيب، والذي يحق لهم القيام به إذا أقنعوا العالم بأن برنامجهم سلمي. والواقع أن ثمة أحكاماً ومقتضيات عديدة يمكن أن يدعو إليها السيناتورات القلقون في اتفاق نهائي من أجل رسم حدود البرنامج الإيراني؛ غير أن استبعاد أي عملية تخصيب إيرانية منخفضة المستوى أمر غير واقعي، شأنه في ذلك شأن مطالبة أوباما بالإعلان بأن ذلك هو الهدف الذي تسعى إليه الولاياتالمتحدة. والمزعج أيضاً هو فقرة ضمن مشروع القانون تنص على أن تقدم الولاياتالمتحدة الدعم العسكري لإسرائيل في حال قررت هذه الأخيرة الإقدام على عمل عسكري ضد برنامج إيران النووي، ذلك أنه إذا كان الدعم الأميركي لأمن إسرائيل قوياً – وينبغي أن يكون كذلك - فإنه لا يوجد رئيس يمكن أن يوقع على "شيك على بياض" ويلتزم بخوض حرب أخرى في الشرق الأوسط في ظروف غير معلومة وفق تقدير بلد آخر. البيت الأبيض أثار حفيظة أنصار مشروع القانون في مجلس الشيوخ حين تحداهم وقال: عليهم أن يقروا بأنهم يرغبون في حرب مع إيران؛ ولكن السيناتور "روبرت ميننديز"، الديمقراطي من ولاية نيوجيرسي، يصف مشروع قانونه بأنه "سياسة تأمين دبلوماسية" ترغم إيران على إغلاق برنامجها النووي. والحال أن المطالبة باتفاق مثالي أو لا شيء – موقف رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الذي يحظى بدعم قوي في الكونجرس – يحكم على الدبلوماسية بالفشل فعليا، وهو ما يدفعنا للتساؤل حول ما إن كان السيناتورات ال59 مستعدين لحرب شرق أوسطية أخرى. والواقع أن هذا النقاش حول إيران سيكون صحياً ومفيداً أكثر لو أمكن مناقشة ما الذي سيكون الأميركيون مستعدين لفعله في حال لم يتم التوصل لأي اتفاق مع إيران. غير أن "كينيث بولاك"، مؤلف كتاب "إيران والقنبلة والاستراتيجية الأميركية" يقول: "إن هذه مواضيع لا أحد يرغب في التعامل معها" لأن كل الخيارات سيئة. وفي معهد بحوث السياسة الخارجية في فيلادلفيا، قال "بولاك" هذا الأسبوع: "إن الاختيار الحقيقي هو بين الذهاب إلى الحرب واحتواء إيران". (بولاك يختار الاحتواء، وهو خيار قلما تتم مناقشته في واشنطن). ويضيف قائلاً: "أنا على يقين أن هذه الإدارة لا ترغب في الذهاب إلى حرب مع إيران، وهو ما يفسر لماذا هي جد راغبة في اتفاق، لدرجة تقلقني أحيانا". والحق أن أوباما مصيب في الرغبة في تجنب حرب مع إيران، وهي حرب لن تدمر برنامجها النووي وإنما يمكن أن تسرِّعه في الواقع – كما أن من شأنها أن تؤدي إلى عواقب وخيمة لا قبل لنا بها في منطقة مضطربة أصلا؛ غير أنه إذا كان يرغب في الفوز بدعم الكونجرس لاتفاق دبلوماسي – وهو أفضل الخيارات السيئة – فيجب عليه أن يقنع الكونجرس بأنه لن يكون مفاوضاً سيئاً. والحال أن سياسة الرئيس الشرق أوسطية بشكل عام للأسف لا تبعث على الثقة، وذلك لأن فشله في فرض احترام خطوطه الحمر بخصوص سوريا وفي دعم الثوار السوريين غير الإسلاميين أقنع الزعماء العرب والإسرائيليين والإيرانيين بأنه ضعيف. وعليه، فمن أجل كسب دعم الكونجرس – حيث التصويت على مشروع قانون كرك - ميننديز معلق في الوقت الراهن – يتعين على أوباما أن يفعل أكثر من الدفاع عن جدوى الدبلوماسية وأن يُقنع المشرعين الأميركيين بأن البيت الأبيض حازم بما يكفي للحصول على أفضل اتفاق ممكن مع طهران، والتصدي للسلوك الإيراني الخطير في سوريا والعراق. وخلاصة القول إن على أوباما أن يوضح للأميركيين والكونجرس أن جميع الخيارات خطيرة، وأن السعي للحصول على اتفاق مثالي مع إيران يقضي على أي فرصة في التوصل لاتفاق معقول! ترودي روبن محللة سياسية أميركية نوع المقال: سياسة دولية الولاياتالمتحدة الامريكية