في القريب العاجل ستترك أميركا عرش أكبر قوة اقتصادية في العالم. وبإمكان المرء أن يشكك في كيف ومتى وإلى أي درجة سيسوء الحال بالولاياتالمتحدة حتى تتخلى عن ذلك العرش، غير أن الحقيقة الواقعة تقول إن النهاية باتت محتومة. وحسب جداول بن العالمية - وهي الجهة التي تعرض أفضل البيانات التي تقارن بين الناتج المحلي الإجمالي لجميع دول العالم - فقد بلغ الناتج المحلي الإجمالي للصين 10.4 تريليون دولار في عام 2011، وفي المقابل، وصل الناتج المحلي الإجمالي الأميركي إلى 13.3 تريليون دولار. لكن الفارق هنا أن الاقتصاد الصيني ينمو بنسبة 7 إلى 10 في المائة سنويا، بينما ينمو الاقتصاد الأميركي بنسبة أقل من 3 في المائة، وهو ما يعني أن الصين ستتربع على عرش أكبر اقتصاديات العالم بحلول عام 2017، على أقل تقدير. وتتصدر الصين حاليا قائمة أكبر الدول من حيث التبادل التجاري، وتتزاحم كتفا بكتف مع الولاياتالمتحدة في إجمالي الصادرات والواردات في عام 2012. ويتوقع الخبير الاقتصادي أرفيند سوبرامانيان، الذي كان يعمل في صندوق النقد الدولي، أنه بحلول عام 2030 سيكون هناك أربعة لاعبين رئيسين في الاقتصاد العالمي هم: الصينوالولاياتالمتحدة والاتحاد الأوروبي، ثم بعض الدول التي تمثل اقتصادياتها نصف حجم الاقتصاديات الثلاثة، ثم تأتي الهند خلف تلك الاقتصاديات مباشرة. هل يعني ذلك أنه ينبغي على الأميركيين أن يشعروا بالانزعاج؟ كشف مسح حديث أعده مجلس شيكاغو للشؤون العالمية أن 9 في المائة فقط من الأميركيين، يعتقدون أن نمو الصين سوف يفيد الولاياتالمتحدة، بينما يعتقد 40 في المائة أن نمو الصين الاقتصادي ستكون له انعكاسات سلبية على الاقتصاد الأميركي. وأظهر مسح أجرته شركة «يوغوف لأبحاث السوق» أن نحو نصف الأميركيين يفضلون أن يروا الولاياتالمتحدة متربعة على عرش الاقتصادي العالمي، حتى إذا كان نموها الاقتصادي ضعيفا، بدلا من أن ينمو الاقتصاد سريعا، لكن يظل في المركز الثاني بعد اقتصاد الصين. وما على المرء إلا أن يتذكر الجدال الذي دار بين باراك أوباما وميت رومني خلال انتخابات الرئاسة، حول من الذي سيتخذ مواقف أشد تجاه الصين، حتى يدرك كيف أن واشنطن هي التي غذت ذلك الخوف من صعود الصين في قلوب الشعب الأميركي. من المؤكد أن النمو الاقتصادي للصين يطرح كثيرا من التحديات للاقتصاد الأميركي، غير أن الفوائد التي يوفرها ذلك النمو تقلل من خطر تلك التحديات. ولا يهم القلق بشأن فقدان لقب «أقوى اقتصاد في العالم»، حيث إنه لن يؤثر كثيرا في مؤشر نوعية الحياة بالنسبة للأميركيين. وبغض النظر عن تربعها على عرش أكبر اقتصاد في العالم، تحتل الولاياتالمتحدة المركز ال19 بين أقل الدول فسادا في العالم، بحسب بيانات منظمة الشفافية الدولية. كما تحتل المركز ال67 من حيث المساواة بين المرأة والرجل في الأجور، بحسب بيانات صادرة عن منتدى الاقتصاد العالمي. وعلى الرغم من اقتراب الصين من تربعها على عرش الاقتصاد العالمي، فإنها ستبقى بعيدة كل البعد عن كثير من دول العالم فيما يخص المؤشرات التي تعكس نوعية الحياة، بالنسبة للمواطنين الصينيين. هناك بعض التكلفة الاقتصادية الحقيقية المتعلقة بخسارة المركز الأول في تصنيف الناتج المحلي الإجمالي، لكنها سهلة، وبالإمكان التغلب عليها. فربما يفقد الدولار هيمنته كعملة اختيار للبنوك المركزية والتجارة، كما يتوقع البعض أن يزيد ذلك من تكلفة الاقتراض والصادرات الأميركية. والحقيقة أن سهم الدولار في الاحتياطيات العالمية قد انخفض بالفعل بنحو 80 في المائة في السبعينات، ونحو 40 في المائة في الوقت الراهن، في الوقت الذي حقق فيه اليورو واليوان الصيني مزيدا من المكاسب، لكن لا يوجد دليل على أن ذلك أصاب الأسواق العالمية بالفزع، إذ لا تزال باقي دول العالم قادرة على التصدير، على الرغم من ضرورة المرور ببعض العقبات في تبادل العملات. ربما أكثر ما يثير قلق الولاياتالمتحدة، هو أن امتلاك أضخم اقتصاد في العالم يساعد الولاياتالمتحدة على الحفاظ على أضخم ميزانية دفاعية في العالم. ففي الوقت الراهن، تخصص الولاياتالمتحدة أربعة دولارات من بين كل عشرة للإنفاق على الأنظمة الدفاعية، وتأتي الصين في المركز الثاني، حيث تخصص أقل من دولار من بين كل عشرة، لكن إحدى السبل للتفكير بشأن ذلك التساؤل حول مدى تحسين الزيادة التي بلغت 75 في المائة في النفقات الدفاعية بين 2000 إلى 2011 لقوة الولاياتالمتحدة. وعلى الرغم من كون التأثيرات السلبية محدودة، فإن ميزة خسارة الولاياتالمتحدة صدارة قائمة الناتج المحلي الإجمالي ربما تكون كبيرة للغاية، فتراجع أميركا عن صدارة الاقتصاد العالمي يعود إلى تضخم وثراء الاقتصادات النامية وانتشار التعليم وتراجع مستويات العنف بها. وهناك شكوك محدودة في إمكانية استفادة الولاياتالمتحدة من هذا الوضع. فخلال السنوات القليلة الماضية تمكنت الصادرات الأميركية إلى أسواق آسيا وأفريقيا وأميركا اللاتينية من التوسع بشكل سريع، وثلاثة أخماس الصادرات الأميركية تذهب إلى الدول النامية، وهذا يشير إلى أن نحو ستة ملايين أميركي يعملون على تقديم البضائع والخدمات للأسواق الناشئة. ومع ازدياد ثراء الدول النامية، فسوف تواصل الاستيراد، وتوفّر مزيدا من الوظائف. والنمو في الدول النامية على الرغم من أنه يعني نمو الاقتصادات الاشتراكية بشكل أكبر من الولاياتالمتحدة، فإن ذلك يعني أيضا مزيدا من الأماكن التي يستطيع الأميركيون السفر إليها بأمان وراحة، ومزيدا من الأماكن للتعلم والعمل أو سنوات التقاعد. إن حفاظ أميركا على القمة انتهى، لأن قطاعا كبيرا من دول العالم صار أكثر شبها بالولاياتالمتحدة في كثير من النواحي، مثل الثراء والديمقراطية والأمن. والعالم يقاسم الولاياتالمتحدة الطموح والأولويات والتوجهات نفسها، وهو ما يشكل قصة نجاح لدعم الولاياتالمتحدة الاقتصاد العالمي. ومن ثم ابتهجوا معي بالمركز الثاني. * زميل مركز التنمية العالمية.. هذا المقال مقتطف من كتابه الجديد «إيجابيات التراجع: لماذا يعد صعود الباقين مفيدا للغرب؟!» نوع المقال: مقالات أقتصادية الولاياتالمتحدة الامريكية