رغم الادعاء بأن الرئيس محمد مرسي كان ديكتاتورا مستبدا، تكشف المقارنة البسيطة لإحدى ممارسات الانقلاب العسكري كذب هذا الاتهام؛ فقد كفل - على سبيل المثال - مشروع القانون الذي تم إعداده في عهد الدكتور مرسي حق التظاهر السلمي دون تقييد، بحيث يكون للجميع الحق في التعبير الحر عن آرائهم ومطالبهم، مستخدمين في ذلك أية وسيلة مشروعة، بما في ذلك مكبرات الصوت واللافتات، كما حظر مشروع القانون على رجال الشرطة تفريق المظاهرة باستعمال القوة إلا في الحالات المقررة في قانون العقوبات وقانون هيئة الشرطة، أو بناء على أمر من قاضي الأمور الوقتية، كما ألزمتهم المادة 45 من الدستور بعدم التنصت على المتظاهرين أو المظاهرة نفسها. وعند مقارنة ذلك بما وضعه الانقلابيون في مشروعهم للتظاهر، نجد أن حق التظاهر في المشروع الذي وُضع في عهد الرئيس مرسي كان يتم بالإخطار، ولكن وفقا للجديد فلابد من استصدار تصريح من وزارة الداخلية ويشترط موافقتها، والمشروع القديم لم يحدد عددا معينا لتجمعات الناس، أما الجديد فيصف أي تجمع يزيد عدده عن عشرة أشخاص على أنه مظاهرة، فإن لم يأخذ هؤلاء العشرة إذنا مسبقا للتجمع يصبح هؤلاء مخالفين ويطبق عليهم ما ورد من عقوبات، كما أن المشروع الجديد يحظر الاعتصامات، وهي إحدى الحقوق الدستورية ومنصوص عليها بالاتفاقيات الدولية؛ بينما مشروع القانون السابق لم يحظر الاعتصامات والإضرابات؛ لأنها متعارف عليها، وتضمن كذلك مشروع القانون عقوبة السجن والغرامة من 100 ألف إلى 300 ألف جنيه لكل من عرض أو حصل على مبالغ نقدية، أو أي منفعة لتنظيم المظاهرات، أو الاعتصام دون إخطار أو توسط في ذلك، ويعاقب بذات العقوبة كل من حرض على ارتكاب الجريمة وإن لم تقع. وفي المادة العاشرة من قانون التظاهر الانقلابي، يجوز لوزير الداخلية أو مدير الأمن المختص اتخاذ قرار بإلغاء الاجتماع العام أو المظاهرة أو إرجائها أو نقلها لمكان أو خط سير آخر، في حالة حصول الأمن على أدلة ومعلومات كافية بأن إحدى المخالفات المنصوص عليها قد توافرت لدى المنظمين، مع منح المنظمين حق التقدم بطلب إلى قاضي الأمور الوقتية لإلغاء قرار الداخلية، على أن يصدر القاضي قراره مسببًا على وجه السرعة. أما مشروع القانون في عهد الرئيس مرسي فينص على عكس هذا الإجراء، بحيث لا تستطيع الداخلية وقف المظاهرة بقرار إداري دون اللجوء بنفسها إلى قاضي الأمور الوقتية، بأن تطلب منه إصدار قرار مسبب بإلغاء المظاهرة. وفي المادة 13 من مشروع الانقلابيين تم النص على حق قوات الأمن في استخدام القوة، بما يتجاوز المياه والغاز والهراوات في حالة الدفاع عن النفس والمال. وفي شهادته على المقارنة بين المشروعين قال المستشار أحمد مكي - وزير العدل المصري الأسبق : إن "المقارنة بين مشروع التظاهر الذي تنوي سلطة الانقلاب إصداره حاليًّا، ومشروع القانون الخاص بالتظاهر الذي أعدته وزارة العدل إبان حكم الرئيس محمد مرسي، يكشف عن الفرق بين ديمقراطية عصر مرسي والاستبداد الحالي"، مضيفاً في تصريحات صحفية: "كنا وقت الرئيس مرسي نضع قانونًا يحول التظاهر إلى حق، وذلك في وقت كان مسموحًا فيه بالتظاهر في ظل نظام يخطو خطوات مهمة نحو الديمقراطية ويحاول أن يتكيف مع المعايير الدولية، وهو ما جعلنا نعرض مشروع القانون على منظمة العفو الدولية وممثلي الدول الأجنبية في مصر، وحاز على إعجابهم، أما مشروع القانون الحالي للانقلاب، فهو يلائم العصر الذي أغلقت فيه الميادين أمام المتظاهرين، وقيدت فيه الحريات بشكل كبير، وينفي تمامًا تهمة الاستبداد التي حاول إعلام فاسد أن يلصقها بمرسي. وقد انتابت معارضي الرئيس محمد مرسي ثورة عارمة إبان الإعلان الدستوري الذي أصدره في نوفمبر 2012؛ حين أراد أن يحصن مؤسسات الدولة المتبقية والمتمثلة في اللجنة التأسيسية للدستور ومجلس الشورى، وذلك لمدة لم تزد عن شهرين فقط حتى يحمي تلك المؤسسات من قوى الثورة المضادة التي سعت لحل البرلمان، وقضت على أول تجربة انتخابات برلمانية نزيهة في تاريخ مصر. في حين أن الدستور المستفتى عليه والذي اختاره الشعب قد قيد سلطات رئيس الجمهورية بشكل لم يسبق من قبل، وفي المقابل لم نجد صوتا يعارض الإعلان الدستوري الذي أصدره المستشار عدلي منصور، والذي أعطاه سلطات مطلقة وغير محدودة، في ظل غيبة وتعطيل لكافة المؤسسات الأخرى. وأشار الكاتب الصحفي محمد جمال عرفة - في مقال له - أن مجلس القضاء الأعلى لم يعترض - بعد الانقلاب - على قيام الرئيس غير المنتخب باختيار النائب العام الجديد بينما أقاموا الدنيا على الرئيس المنتخب مرسي لأنه عين نائبا عاما بشكل مؤقت. كل هذا في حين أن الإعلان الدستوري للرئيس مرسي لم يقم بناء عليه بأي إجراء ضد خصومه أو ضد الإعلام أو الصحافة أو الأحزاب، بينما في ظل الانقلاب تم قتل واعتقال الآلاف وإغلاق عدد من القنوات الفضائية، والتشويش على أخرى، فضلا عن قتل واعتقال صحفيين وإعلاميين. والغريب أيضا أن من كان يعترض ويبدي استياءه من تحصين الرئيس مرسي لبعض قراراته في فترة محددة؛ لم يعلقوا الآن على تكليف مجلس وزراء الانقلاب، كلا من وزراء العدل والاستثمار والعدالة الانتقالية، بإعداد مشروع قانون لحماية تصرفات كبار المسئولين بالدولة التي تتم بحسن نية ودون قصد جنائي، ففي حين أراد الرئيس مرسي إنقاذ مؤسسات الدول في فترة حرجة، تريد حكومة الانقلاب الآن إيجاد غطاء قانوني مؤبد للفساد والانتهاكات أيا ما كان نوعها.