أعلنت تركيا أنها رفعت الحظر عن مشاركة «إسرائيل» في نشاطات غير عسكرية مع حلف شمال الأطلسي وتتضمن ندوات وورشات عمل وتدريبات وما شابه، مع الإبقاء على الفيتو على مناورات عسكرية مشتركة بين الحلف و«إسرائيل». القرار التركي يأتي ضمن حق أنقرة كونها عضواً في الحلف وتمتلك حق الفيتو ولو منفردة على أي قرار لا تؤيده. يطرح هذا القرار علامات استفهام عدة حول العلاقة الملتبسة لتركيا مع "إسرائيل" من جهة، وحول طبيعة علاقتها بحلف شمال الأطلسي من جهة أخرى . لم يكن انضمام تركيا إلى الحلف في العام 1952 سوى تأكيد على سياسات غربية بدأت تتبعها بعد انتهاء الحرب الباردة . ومنذ ذلك الحين شاركت تركيا في معظم نشاطات الحلف باعتبار أنه درعها ضد الشيوعية والكتلة السوفييتية. غير أن انتهاء الحرب الباردة طرح سجالاً حول جدوى استمرار الحلف في غياب العدو الشيوعي . لكن تطوير مهام وأهداف الحلف وتوسيع مجال عمله ليتخطى أوروبا والمحيط الأطلسي كان العنوان الأبرز الذي بات يطرح تحديات وتهديدات لعدد كبير من الدول غير الأوروبية. كانت المهمة الأكبر خارج أوروبا في أفغانستان في العام 2001 إثر أحداث الحادي عشر من سبتمبر/أيلول 2001 . وهنا برز الدور التركي في العمليات كون تركيا الدولة المسلمة الوحيدة في الحلف، إذ إن ذلك وفّر غطاء إسلامياً لعمليات ضد بلد مسلم بمعزل عن الأسباب . وحاولت تركيا أن تخفف من وطأة مشاركتها بالقول إنها لن تخوض عمليات قتال مباشرة ضد قوات طالبان، بل ستكتفي بتدريب الجيش الأفغاني وبمهام مدنية. وتكررت التجربة في ليبيا بعد قرار الحلف الأطلسي شن عمليات عسكرية ضد قوات الرئيس الليبي معمر القذافي. ومع أن تركيا عارضت في البداية الهجوم على ليبيا لحماية مصالح اقتصادية لها مع القذافي إلا أنها اضطرت تحت الضغط الأمريكي للمشاركة في الهجوم على ليبيا، مع تغطية ذلك بالقول إنها لم تشارك في شن الغارات مباشرة، بل في تزويد الطائرات الأطلسية بالوقود في الجو وفي فرض الحظر البحري على السفن الليبية. إسلامية تركيا كانت تلعب دور صمام الأمان لحلف شمال الأطلسي في الجغرافيا الإسلامية . إذ إن اتهام طالبان للغرب بأنه يقود حرباً صليبية ضدها يسقط في ضوء المشاركة التركية في العمليات . وكذلك قول فرنسا إنها تخوض حرباً صليبية ضد القذافي لا يخفف منها سوى مشاركة تركيا. موضوع آخر يضع تركيا في دور المنقذ للحلف الأطلسي، وهو نشر رادارات الدرع الصاروخية على أراضيها ضد روسيا وضد دولة مسلمة أخرى هي إيران . موافقة تركيا على ذلك يقلل من صورة صليبية الغرب والحلف في هجماته على دول مسلمة. عضوية تركيا في الحلف واستمرارها في أن تكون البلد المسلم الوحيد فيه سيبقيها دائماً في دائرة الشك في طبيعة السياسة الخارجية التركية. مسؤولون أوروبيون ربطوا بين إلغاء أنقرة الفيتو على بعض أوجه التعاون بين الحلف و"إسرائيل" وبين نصب الدرع الصاروخية وبعدها صواريخ الباتريوت في تركيا لحماية الرادارات وقاعدة اينجيرليك التي تخزن أمريكا فيها عدداً كبيراً من الرؤوس النووية. وليس هذا بعيداً عن الدقة. إذ إن مسؤولين عسكريين أطلسيين ذكروا سابقاً أن القبة الحديدية في «إسرائيل» كما الدرع الصاروخية في تركيا تنتميان إلى حوض استخباراتي واحد هو غرفة العمليات في مقر الأطلسي، حيث يتم تقاسم المعلومات الآتية من الطرفين "الإسرائيلي" والتركي. واليوم تكتمل عملية التنسيق بنشر صواريخ الباتريوت في تركيا بعدما نشرت سابقاً في «إسرائيل». لا يقدم الإعلان التركي عن رفع الحظر عن نشاطات تعاون بين «إسرائيل» والأطلسي جديداً على أرض الواقع. إذ إن الإدارة الأمريكية والأطلسية هي مربط خيل كل هذه الأنظمة، سواء وجد فيتو تركي أم لا . وستبقى تركيا قاعدة رئيسة للحلف الذي لا يمكن أن يعمل ضد الأمن القومي «الإسرائيلي»، بل لا يوفر الحلف فرصة إلا لتعزيز هذا الأمن . وإن وصول تركيا منذ أشهر إلى اعتبار حدودها هي حدود حلف شمال الأطلسي لا يترك أي مجال للشك في أنه لا يمكن قراءة الدور التركي وفهمه في المنطقة إلا في ظل هذا الاعتبار الذي يخرج تركيا نهائياً من الجغرافيا الإسلامية لتكون جزءاً من الجغرافيا الأطلسية التي تنتمي إليها «إسرائيل»، أمنياً وسياسياً وثقافياً.