لأن شعبًا صبورًا انفجر من تراكم الظلم والفساد والإهمال على مدار 30 عامًا فقام متكاتفًا متعاضدًا متناسيًا خلافاته مستعينًا بربه فأسقط طاغيةً، ومازال يدفع لتطهير أرضه ومؤسساته.. ولأن فيلًا تحرك بعد طول حِلم وتجربة وانتظار بعد أن بلغ منه اليأس منتهاه، وأصبح ظلم من يحكمه عقيدة مستقرة داخله لا تحتاج إلى طول تنظير أو تسخين فكسح ما أمامه.. ولأن هذا ما حدث في الثورة المصرية العظيمة المستمرة، حيث أسقطت الملايين في 18 يومًا حكمًا تبلد فوق الكرسي والتصق لعقود، فإن بعض السذج يظنون أن بإمكانهم إسقاط رئيس منتخب ينتمي إلى أكبر فصيل حزبي ومجتمعي وهو ما يسمونه ب"الإسلام السياسي".. يسرحون بخيال – يحسدون عليه- إلى أن الشعب أسقط مبارك رغم أن الشرطة والجيش كانا معه ولاءً وانتماءً على مدار 30 عامًا، فلماذا لا يسقط مرسي ولما تثبت أقدامه؟! وكأنهم نسوا أن ما أسقط مبارك هو بعينه ما يستند إليه مرسي ويستمد منه قوته – بعد الله تعالى-إنهها الجماهير الحاشدة المناصرة.. إنه الشارع المصري الذي لا تطهى ثورته في حلة الضغط إذا ما قررت نخبة لطيفة أن تسمي المكونات بغير اسمها، وظلت تردد علينا – وكأننا خراف القطيع – وبدون أمارة ولا دليل بأن "محمد مرسي".. هو محمد مرسي مبارك، وأن خيرت الشاطر هو الصورة ذات اللحية لأحمد عز، وبأن عصام العريان هو هو صفوت الشريف، وأننا استبدلنا نظامًا لآخر مثله تمامًا ولكن بلحية.. هذه الجمل الطريفة هي خاصة بصاحبها، يحادث بها أبنائه – على ملل منهم- في سمر ليلة صيف، على وقع أنغام اللب والسوداني فيعجبون ويرفضون ويبتسمون ثم ينسون وينامون! أما أن يصل به اختلال التصور إلى التفكير بأنه إذا ردد مثل تلك الجمل، وصرخ في الناس على فيسبوك وتويتر: يا قوم!.. ما الذي تغير؟.. ما الجديد؟.. ماذا فعل مرسي؟.. إنه يؤخوننا ويستبد بنا؟.. الإخوان ما هم إلا حزب وطني جديد.. أن يصل به التفكير أن صراخه وقناعاته من على طرف لسانه ستصنع ثورة.. ثورة يعني حشود غفيرة غاضبة.. غاضبة غضب لا يحتاج إلى إثبات ولا شرح.. فهذا من شطحات الأمل، أو بالأحرى هو من علامات الخوف المرضي والوسواس القهري الذي يعاني منه كثير من المثقفين ويعرف عالميًا ب"الإسلاموفوبيا". الثورات يا محترمين لا تصنع في حلل الضغط.. خاصة إذا كانت المكونات زائفة، قل كما شئت أن الإخوان مثل الحزب الوطني حتى وإن اتفق معك الناس فإن وجدانهم لن يزيل تلك الصورة الراسخة بالعدواة التقليدية بين الفريقين الذين تريد أن تسوي بينهما فقط لأنك تقول هذا.. أو لأنك تردد بلا حياء: أنهم جلسوا مع عمر سليمان وتبدأ تنظر وتؤطر.. هذا لن يصنع ثورة، فقصص الجلوس مع عمر سليمان.. والوقوف مع عمر سليمان.. واللعب مع عمر سليمان.. أصبحت معروفة التفاصيل. املأ الفضائيات تهكما وتشويشًا بأن "تحصين مرسي لقراراته يعني أن يتزوج امرأة أي شخص دون أن يحق له الاعتراض".. لن تصنع ثورة، اللهم إلا ثورة الضحك.. فعموم المصريين حتى من انتخب "شفيق" رأوا في تحصينه لقراراته من دوامات المحكمة الدستورية- رأوا فيه نزوعًا إلى موطن راحتهم الأزلي "الاستقرار". الملايين التي خرجت في 28 يناير فغيرت وجه مصر لم يحركها نخبة ولا إخوان.. لم يؤثر فيها إعلام ولا بلطجة.. إنها الثورة عندما تجتاح وتطيح بكل من يقف أمامها، شارك في إنجاحها وصمودها وانتشارها التيار الذي تريدون أن تثيروا المصريين عليه اليوم.. فإذا تحالفتم اليوم مع النظام السابق هل يقتنع بكم المصريون فيثوروا؟! الشعب المصري لن يرضخ لظالم بعد اليوم.. ولن يقبل بديكتاتور.. ولن يحكم بالحديد والنار.. هذا صحيح وبديهي فقد صنع لتوّه ثورةً كبرى.. أما أن يسقط رئيس انتخبه بعد 5 أشهر فقط لأنكم تقولون فهذه طرفة.. فالسحر لم يكن في كلمة ارحل.. أو الشعب يريد إسقاط النظام.. السحر لم يكن في ميدان التحرير أو الأربعين أو القائد إبراهيم.. السحر كان في غضب الشعب الحليم، في تكاتفه وإيمانه وحبه لوطنه.. في ظالم تتابعت عليه الدعوات في الأسحار من أطفال قتلهم جوعًا.. ونابغين قتلهم غباءً.. وأمهات معتقلين قتلهم يأسًا.