جميع الدلائل تشير لاقتراب اندلاع الثورة في السعودية ضد الفكر الاستبدادي لحكام آل سعود، وبسبب تفشي الفقر وانعدام المساواة وكذلك التركيبة الاجتماعية، إضافة للخلافات القائمة بين الأسرة السعودية الحاكمة على كرسي الملك. هذه الثورة عمل آل سعود على تأجيلها بكل الوسائل الممكنة منذ بداية أحداث الربيع العربي والتي هي باتت في طريقها إلى المملكة، ما يضع الإدارة الأمريكية أمام امتحان كبير سيما وأن أهم شركاء واشنطن من آل سعود في المنطقة باتوا يعانون تهديداً شعبياً حقيقاً قد يطيح بحكمهم إلى غير رجعة. وقد أكدت الصحفية الأمريكية كارين إليوت في كتاب لها عن السعودية شرحت فيه تفصيلياً عوامل تفجر الثورة داخل السعودية ثم انهيارها، ومكونات شعبها وتاريخها ودينها والخطوط الحمراء ومستقبلها، وقدمت صورة قاتمة عن البلاد التي تغلي بالتوترات والغضب الداخليين. وأشارت إلى أن أكثر من 60% من السعوديين هم دون العشرين وغالبيتهم لا تملك الأمل بالحصول على وظيفة، وأن 70% من السعوديين غير قادرين على امتلاك منزل، و40% هم دون خط الفقر. فأفراد الأسرة المالكة من الأمراء والأميرات أكثر من 25 ألف فرد، ويملكون غالبية الأراضي والمصالح، والنظام الحاكم يرصد لكل منهم راتباً وثروة، كما أن أكثر المملكة لا تأكل مما يزرع أبناؤها، ولا تلبس مما يصنعون، وحياة المملكة تقوم على عمل العمال الأجانب، إذ إن 19 مليون سعودي يعتمدون على 5,8 ملايين عامل أجنبي لتسيير الأعمال. وبحسب الكتاب فإن الاختلافات بين الإقليم، وحتى العنصرية الإقليمية، هي واقع يومي في الحياة السعودية، فأهل الحجاز في الغرب والشيعة في الشرق مستاؤون من أسلوب الحياة الصارم للوهابية، الذي فُرض باسم القرآن في صحراء نجد الوسطى، وبات التمييز الجنسي وهو ضرورة بالمفهوم الوهابي، مشكلة متنامية بعدما أصبحت المرأة السعودية متعلمة ومن دون أمل بالحصول على عمل، و60% من المتخرجين السعوديين نساء، لكنهن لا يشكلن سوى 12% من القوى العاملة. الثورة في السعودية لن تكون مماثلة في أي بلد عربي، لأن الثورة فيها تعني ثورة في ثاني أكبر احتياطي للنفط في العالم، بما أن برميلاً من أصل 4 ينتج هناك، إضافة إلى ذلك فإن التحالف الأميركي السعودي هو الأقدم في المنطقة، ويعود لعام 1945 حين التقى الرئيس الأميركي فرانكلين روزفلت مع مؤسس المملكة عبد العزيز بن سعود وأبرم معه صفقة النفط مقابل الأمن، واليوم فإن الولاياتالمتحدة بحاجة إلى السعودية أكثر من أي وقت سابق سيما وأن صادراتها النفطية من المملكة، والتحالف مع مصر بات مشكوكاً فيه، والعراق يتجه نحو ايران. السعوديون هم حلفاء أساسيون للأميركيين في الحروب كما في اليمن وغيرها، كما إن الاستخبارات السعودية ساعدت بإحباط هجومين على الأقل لتنظيم القاعدة داخل الولاياتالمتحدة منذ عام 2010، إضافة لأهمية الدعم السعودي من أجل احتواء إيران. رغم هذه الأهمية لآل سعود بالنسبة لواشنطن، إلا أن هناك في المقابل مصدر للقلق، فالاستخبارات الأوروبية تؤكد أن أغنياء السعودية لا يزالون الممول الأول للجماعات الأصولية الإسلامية المتشددة، ومن ضمنها طالبان الأفغانية، وساعدت نظام جارتها الصغيرة البحرين على سحق الانتفاضة الديموقراطية فيها، باعتبار البحرين تستضيف الأسطول الأميركي الخامس. ومن الناحية التاريخية فالسعودية هي الدولة الثالثة التي أنشأها آل سعود، فالدولة الأولى تأسست عام 1745، لكنها انهارت بسبب التدخلات الخارجية والخلافات الداخلية على ولاية العرش، والثانية تأسست عام 1824، والثالثة هي الدولة الحالية المؤسسة في عام 1932، والثلاث بُنيت على تحالف بين أسرة آل سعود وفكر محمد بن عبد الوهاب، ومن المعلوم أن هذا التحالف شكل عماد تماسك المملكة واستقرارها حتى الوقت الراهن. وقائع وأرقام تعرضها كارين إليوت في كتابها الذي تشير فيه إلى أن المملكة كانت محظوظة في الآونة الأخيرة، لكن الدولة الثالثة لآل سعود على موعد مع مواجهة غير مسبوقة في خلافة العرش، وتؤكد أن التاريخ غير مشجع أيضاً، فالدولة الثانية انهارت بسبب خلافات على السلطة في أواخر القرن التاسع عشر، وكلما تصاعدت الاضطرابات في العالم العربي، اقتربت الثورة أكثر من أبواب آل سعود، لأن السعوديين سيطمحون بدورهم لحكومة أكثر ديموقراطية. الصحفية إليوت حذرت من أن هذه الثورة قد تأتي من الأصوليين الغاضبين من التحالف مع الأميركيين، مؤكدة على وجود سيناريوهات مختلفة لما يمكن أن يحصل في المملكة، فالملكيات المطلقة غير قابلة للإصلاح، ولذلك عندما تبدأ رياح التغيير في الدكتاتوريات العميقة كالسعودية، سيصعب السيطرة عليها.(م.خ) .