«العولمة» أفقدت دولا أوروبية السيطرة على ميزانياتها وتركتها فريسة ل«الترويكا والنقد الدولى» تسببت فى وصول الدين العام إلى أعلى مستوياته بالدول الأوروبية بعد الحرب العالمية الثانية الدول الإفريقية ضحية «العولمة».. وال«بريكس» فرملتها وحافظت على سياستها المالية «العولمة» غلبت الاقتصاد على السياسة وأضعفت القطاع العام بالدول المتقدمة تسببت فى اعتلاء الأثرياء مناصب قيادية فى لبنان ومصر مبارك والمكسيك وأفغانستان وتايلاند عملت على إضعاف دور المجتمع المدنى وغياب مصالح العمال فى عدد من الدول الدول العربية «غير النفطية» تجاهلت «العولمة» وحافظت على استقلاليتها النسبية عن الخارج تمحورت العولمة والليبرالية الجديدة حول مسألتين أساسيتين: خارجية من خلال فتح الحدود للبضائع والرساميل، وداخلية عبر الخصخصة وإخضاع كل المسائل الاقتصادية للسوق، أى إلغاء المساعدات والإعانات التى كانت تقدّمها الدولة (خبز، نفط...). على الصعيد العالمى، أدّت هذه الدينامية الجديدة إلى تحوّلات أساسية فى البنى الاقتصادية والسياسية لمعظم الدول، ومنها خاصة إضعاف أكثر الأنظمة، وغلبة الاقتصاد على السياسة بشكل متفاوت. الصعيد العالمى أدى انفتاح الاقتصاديات العالمية وإخضاعها للسوق إلى إضعاف أغلب الحكومات وارتهانها أكثر وأكثر بالخارج. أما درجة ضعف تلك الأنظمة فهى متفاوتة حسب حجم انخراطها فى العولمة ونسبة تطوّرها الاقتصادى. فقد أضعفت الدول المتطورة اقتصاديا قطاعها العام بخصخصة الشركات ومؤسسات القطاع العام فى مجالات العلم والطب والبنية التحتية، بشكل كامل أو جزئى. أدّى كل ذلك إلى انخفاض مداخيل الحكومات، وازدياد الديون العامة تحت وطأة الأزمات الاقتصادية، حتى إن نسب الدين العام بالنسبة إلى الدخل القومى فى أكثر الدول الصناعية وصلت إلى أعلى نسبة لها منذ ما بعد الحرب العالمية الثانية: 300% فى اليونان، و200% فى اليابان، و140% فى إيطاليا، و120% فى إنجلترا.. وكلها إلى ازدياد. إذا أضفنا إلى ذلك أن قسما كبيرا من هذا الدين معقود مع الخارج، فهمنا لماذا انتقل القرار الاقتصادى إلى خارج الدولة؛ فأيرلندا وإسبانيا والبرتغال وقبرص لم يعد لديها إلا سلطة محدودة جدا على ميزانية الدولة التى تخضع فى المقابل لمؤسسات خارجية (الترويكا وصندوق النقد الدولى)، ويجب أن تحصل على موافقة تلك المؤسسات قبل موافقة البرلمان الوطنى!. أما بالنسبة إلى الدول النامية، فقد بقى قسم منها «خارج التاريخ»، كأكثر الدول الإفريقية. أما دول البريكس Bricks، باستثناء الصين، فقد كانت لفترة طويلة عرضة لهجوم ليبرالى عليها، واستطاعت بعد فترة صعبة أن «تفرمل» الليبرالية، خاصة المالية منها، فتمكنت من المحافظة على سياسة اقتصادية محلية وطنية، دون مراكمة ديون كبيرة أو عجز كبير فى الميزانية التجارية. وقد ترافق ضعف الحكومات إجمالا مع ازدياد نفوذ ثلاث دول كبرى؛ هى ألمانيا وروسيا والصين، على حساب فرنساوإنجلترا والولايات المتحدة، وأيضا إلى ازدياد نفوذ الشركات المتعددة الجنسية على قرار كل الحكومات الضعيفة منها أو القوية. لا تملك تلك الشركات المتعددة الجنسية التكنولوجيا فحسب، من غذائية وصناعية وكيميائية ومعلوماتية (التى تحتاجها بشدة الدول النامية)، بل هى تقرر أيضا، نتيجة العولمة، أين ستتموضع أو تنتج على الكرة الأرضية، فتستطيع أن تنقل معاملها من بلد إلى آخر كما يحلو لها. ومثال على ذلك أن شركة رينو للسيارات استطاعت أن تخفض أجور عمالها فى فرنسا نفسها بنسبة 30%، عن طريق تهديدهم بنقل مصانعها إلى بلد آخر. ظواهر ليست بلا تفسير وأخيرا، ومع العولمة، أدى ضعف القرار الوطنى الاقتصادى إلى غلبة الاقتصاد على السياسة، واقتصاد القطاع الخاص على القطاع العام. واعتلى الأثرياء مناصب رؤساء الجمهورية والحكومة، كما فى لبنان، ومصر مبارك، والمكسيك، وأفغانستان وتايلاند، أو ازداد نفوذهم فى القرارات المتعلقة بالسياسة الحكومية، كحال فرنسا، وإيطاليا... إلخ. أما المجتمع المدنى -وخاصة ذاك الممثل بالنقابات- فضعف دوره كثيرا؛ إذ إن عدوه موجود فى دول أخرى لا على أرض الوطن، كتناقض مصالح العمال فى فرنسا مع مصالح العمال الصينيين. العالم العربى/الشرق الأوسط لم تدخل الدول العربية غير النفطية العولمة من بابها العريض، بل حافظت أنظمتها على استقلالية نسبية عن الخارج، فلم تفتح أبوابها لاستثمار الرساميل الخارجية دون قيد أو شرط، وحافظت على الضرائب الجمركية، وعلى الدعم والمعونات للمواد الأولية، بل إن أكثرها لم يدخل «منظمة التجارة العالمية»؛ لذلك لم تكن ديون الحكومات العربية مرتفعة، بل منخفضة جدا بالنسبة إلى الدول الأخرى. وحتى فى مصر، فلم يتعدّ الدين العام 40% من الدخل القومى. وباستثناء الأردن، لم تكن المساعدات الخارجية ذات حجم كبير. حاول الغرب بقيادة إنجلتراوفرنسا، وبمساعدة قطر وتركيا، إغراء أنظمة «بحلحلة» التقوقع الاقتصادى، فكان نجاحه محدودا، ولم يتعد ذلك الاستيراد وفتح المصارف. والأمثلة على ذلك عديدة: استقبال القذافى مع خيمته فى باحة الإليزيه عام 2007، واستقبال الأسد ضيف شرف فى احتفالات 14 يوليو 2008 فى فرنسا، والإشادة الدائمة بالحليف الاستراتيجى حسنى مبارك، عدا غض النظر عن ملك المغرب، وعن كل بطش الحكومة الجزائرية بالإسلاميين... ومع ذلك بقيت كل الأنظمة العربية متوخية الحذر؛ إذ إنها شعرت بأن انفتاحها -ولو جزئيا- ورفع مساعداتها عن المواد الأساسية -ولو جزئيا- قد بدأ يخسرها قاعدتها، خاصة أن الفساد يعمّها جميعا، بالإضافة إلى ازدياد التفاوت المعيشى، لكن الأرض أصبحت خصبة لقيام انتفاضات فى كل المنطقة العربية. الغاية تبرر الوسيلة إذا كان هدف الدول أن تصبح سوقا، فلا بد للغرب من أن يعتمد على طرف سياسى يستطيع أن يصنع التحولات المطلوبة. ولا أفضل من الإخوان لفعل ذلك، خاصة أن النموذج التركى استطاع أن يمزج الليبرالية الاقتصادية والدين الإسلامى. «الربيع العربى»، من هذه الزاوية، سرّع العولمة والليبرالية بالأدوات المحلية المتوفرة، سامحا للقوى الاقتصادية الخارجية من شركات متعددة الجنسية ودول خليجية وصندوق النقد الدولى، بأن تكون أكثر فاعلية فى الدول، خاصة مع الازدياد الهائل لديون الحكومات، وعجز ميزانيتها بعد الانتفاضات العربية. الحرب الأهلية الدائمة أدخلت مفاهيم جديدة على الخطاب السياسى، تبرر التخلى عن السيادة الوطنية (=المجتمع الدولى)، وعن السياسة الاقتصادية (=صندوق النقد الدولى)؛ فإذا كان الحكام الجدد متعلمين فى الخارج أو أقاموا فيه فترة طويلة، أو راكموا أموالهم فى أو من الخارج، فالشارع الذى أوصلهم إلى السلطة محافظ، ولا علاقة له بالغرب وبالمفاهيم الليبرالية الجديدة؛ لذلك لم يؤد إضعاف الأنظمة أو انهيارها إلى فتح الأسواق وترسيخ الديمقراطية، بل أدى إلى انهيار الدول وتفتيتها إلى مدن (مثل بنى غازى-طرابلس)، ومناطق وأديان ومذاهب وإثنيات. أما الديمقراطية الشكلية فسقفها الديمقراطية اللبنانية، أى الحرب الأهلية الدائمة، مبطنة كانت أم صريحة. أما المراهنة على أن حركات الإخوان تستطيع أن تحترم الديمقراطية وتقويها وتطبق فى الوقت نفسه معايير الليبرالية، فقد أثبت فشله حتى الآن؛ إذ لم يتمكن رئيس وزراء مصر مثلا من أن يخصخص شركة الكتان، أو أن يرفع الدعم عن المواد الأساسية. وأول ما فعله الرئيس مرسى هو إعطاء نفسه صلاحيات استثنائية. أى أن إخوان مصر لم يتمكنوا حتى الآن من إرضاء أى من الخارج أو شعبهم، تماما كالذين سبقوهم. مِن «الحرية مِن» إلى «الحرية إلى» من الواضح أن شعارات التحرر من الدكتاتورية لم تكن كافية، بل أوصلت إلى تفتت وفوضى بغياب المشاريع والأفكار التى تعطى الأمل للشعوب. ومن المؤكد أيضا أن الدِين، مهما عظم، لا يعطى كل الحلول للشعوب، خاصة إذا علّق الحكام مصيرهم ب«المجتمع الدولى» و«صندوق النقد الدولى». لقد آن الأوان للمثقفين العرب كى يصنعوا التاريخ أو على الأقل كى يدخلوه، أن يسهموا برسم طريق «الحرية إلى»، مشروعا حضاريا يحمى كرامة الناس؛ وذلك يتم بالضرورة بالوحدة وبالاقتناع أن حاضر الغرب ليس بالتأكيد مستقبلنا، وأن ماضينا لا يجب أن يكون معيقا لمستقبل بلادنا.